بأقلامهم

طالت السهرة .. تعبت وقصص الرئيس القوي

١ – لعل في الاعادة إفادة أثناء المقارنة بين الرئيس الضعيف جدا والرئيس القوي جدا جدا .. روايات عن الرئيس الياس الهراوي سبق واوردتها في مقالات سابقة لكن تكرار السرد يجوز في الحالة التي نعيشها اليوم .. فالرئيس “التعيس ” الهراوي كان نجما في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في القاهرة لمناقشة التدخل العسكري الأميركي في الكويت لطرد صدام من اراضيها .. كان الهراوي يزهو كطائر الوروار بالوانه الجميلة ..العرب مجتمعون و “نحن” لسنا على جدول اعمالهم .. قالها الهراوي لي بفرح وابتسامة رغم انه كان واقفا في المرحاض حاقنا يفرغ المثاتة بعدما حاصر او حاصره البول فيها.. انا إلى جانبه يستند الي .. انتهى الرئيس .. ارتاح .. خرج من المكان وعلى ثيابه آثار الاحتقان من البول لا يمكن اخفاؤه للناس .. فخامة الرئيس انتبه حذرته .. مسح بيديه كل أثر .. سألته : الا تريد أن تعود الى المرحاض مجددا لغسل يديك .. فرك الواحدة بالاخرى وقال : ما في شي محرز خدام والشرع ينتظراني في المطعم .. ضحك .. ضحكت .. وفهمت انه لا يقيم وزنا لأي كان في سوريا سوى إلى نظيره حافظ الأسد..
بينما القوي جدا والعسكري جدا يحب الوشوشة بأسلوب المخبر .. المهم ان تصل الخبرية بكامل دسمها وان تقع في المكان المفيد لشخصه تعزيزا لمركزه الذي وصل اليه بطريقة الحمام الزاجل .. العسكري منذ نشأته يعشق معادلة الرئيس والمرؤوس .. ففي الأولى ينسحق امام رئيسه وينكل بمرؤوسيه .. اضافة إلى مهنة المخبر التي يتقنها رئيسنا القوي بمهارة لا توصف ..

[ ] ٢ – الهوة تتسع بين الرئيس الضعيف والقوي جدا جدا .. الهراوي عرف مقاس البساط الممدود له فلم تتجاوز اقدامه تلك المساحات .. لم يطلب المستحيل من رئيس “يحكم ” لبنان عن بعد .. اول قمة عقدها مع نظيره السوري كانت لها الصدى الكبير في الإعلام.. لكن طموحات الهراوي المتواضعة سمحت له الطلب من الاسد الاب ان يزيل الاكشاك المنتشرة بين شتورة والمصنع .. كانت بالمئات وفيها تجري أوسع عمليات التهريب .. وفي المساء غادر الهراوي دمشق إلى بيروت وشاهد بأم العين جرافات الجيش السوري تهدم كل تخشيبة مخالفة او كيوسك على جانبي الطريق .. تسأل الهراوي عن هذا الطموح .. يضحك ويؤكد ويحذر :لو وافقت مع المسيحيين الاشاوس على جزين اولا .. كما طرحتها أميركا وإسرائيل علينا وفيها اغراء للبنان بأن تنسحب إسرائيل من جزين .. هذه اللعبة مكشوفة يضيف الهراوي وبلغته الزحلاوية : اي..ي بجزين .. أخبروا المسيحيين كنا ربحنا القضاء وخسرنا سائر الاقضية .. الاسد يرفض الفخ الاسرائيلي ويرفض اي حوار لبناني إسرائيلي واي خطأ مميت كهذا سوف يجتاح جيشه جبل لبنان وصولا إلى بشري وزغرتا .. الهراوي الضعيف جدا أدرك جيدا “الغول ” السوري الرابض حولنا ففي اول زيارة له للعاصمة الفرنسية .. كانت زيارة دولة لقب يطلقه الايليزيه على الزيارات البالغة الاهمية .. دوائر البروتوكول فتحت له قصر الماتينيون حيث تربع فيه الهراوي لمدة ثلاثة ايام .. شعر اثنائها بأنه رئيس حقيقي .. شعور لم يخالجه من قبل في بعبدا حيث تعبث الأيادي بكل قراراته .. وفي داخله صراع بين جماعة سوريا وآخرون يضمرون العداء لها .. وكان ااحريري الاب الممول والراعي للعهد يضرب على الحافر مرة وعلى المسمار مرات عدة .

٣ – في العاصمة الفرنسية قدم له الحريري الاب كافة الامكانيات له للنجاح يعاونه في ذلك السفير جوني عبدو .. الهدف هو إزالة الصورة الجماهيرية من اذهان الإدارة الاوروبية حول شخص ميشال عون .. وعشية المحادثات المنتشرة بين ميتران والهراوي بقي فريق دبلوماسي اكاديمي ساهرا حتى ساعة متأخرة من الليل لتحضير ورقة تتضمن ابرز العناوين التي سيثيرها الهراوي مع الرئيس الفرنسي .. جوني عبدو .. ناصيف حتي .. باسيل يارد وآخرين. كل شيء بات جاهزا .. العناوين كتبت بخط كبير لسهولة القراءة وعلى أوراق صغيرة تتسع لها الجيب الصغير في بذلة الهراوي الرسمية .. كل هذه التحضيرات وكل هذا التنسيق ذهبوا سدى .. فاثناء دخول الهراوي إلى مكتب ميتران في الايليزية مسك “كمشة ” الاوراق الموضوع بعناية ورماها للحارس المرافق ودخل على الرئيس المضيف بجرأة زارعي البطاطا في البقاع سائلا : السيد الرئيس نحن في لبنان اشبه بحلبة ملاكمة نحن العزل في منازلة مع كلاي في ظل غياب الحكم .. هذا بالمختصر احوالنا مع سوريا .. انتم “الغرب” تضغطون للقتال ونحن نسألكم هل انتم مستعدون لارسال حاملة الطائرات شارل ديغول إلى مياهنا الاقليمية لمساندتنا حينها سنطحش نحن .. ابتسم ميتران امام مكر الهراوي قائلا : لا .. حوار بلا كفوف .. خاليا من الديبلوماسية . لكن ميتران ارتاح لضيفه وصدقه بأن ليس بيد اللبنانيين من حيلة للخلاص ..

٤ – اما عند الرئيس القوي .. القوي جدا .. حضر الرئيس الفرنسي إلى قصر بعبدا مؤنبا معاتبا .. قال لباسيل امام عمه القوي : انت احد الفاسدين مع آخرين اوصلتم لبنان إلى هذا الحضيض .. امتقع وجه جبران .. خاف خصوصا انه سمعه للمرة الأولى ومن بعده اعتاد كما غيره على هذه البهدلة .. وفي تلك الزيارة اتصل جبران على غير عادته بصديقي الفرنسي طالبا منه الحضور بسرعة اذا امكن .. الصديق يعرف اسباب هذه الدعوة الطارئة .. استمهله للغد تاركا اياه غارقا في الهموم والاسئلة .. وفي ذلك اللقاء قال له جبران : هل يعقل ان يتهمني الرئيس الفرنسي بالمباشر بأنني فاسد وأمام عمي .. سأله صديقي : انت يا جبران عامل شي ؟ رد باسيل اكيد لأ .. عندها قال شو بدك منو .. اتركه يتهم .. في فرنسا قوانين وقضاء هو تكلم معك سياسيا ربما .. انت ارتاح ما دمت بريء..
ولم يتوقف ماكرون عند هذه المحادثة -البهدلة .. بل استمر في تجاوز الرئيس ان في جولاته الميدانية ام في اجتماعاته مع أعضاء من المجتمع المدني وتمويلهم مباشرة ..
وتعود المقارنة بين رئيس ضعيف في قصر الماتينيون ورئيس قوي وقوي جدا تجاوزه الزمن وتجاوزه ماكرون في عقر داره وفي قصره الذي اطلق عليه قصر الشعب بقي فيه عون متهالكا فيما الشعب غادره من زمان.

٥ – ويستمر الرئيس القوي والقوي جدا في عرض فنونه وابداعه للبقاء رئيسا يتمتع بكرسي باتت مخلعة من تحته يغفو ويستفيق عليها في ابشع صورة للعهود التي مرت على لبنان …

عندما قررت إدارته إيصال معلومة هامة للرئيس السوري بشار الاسد لم يجد صديقي الفرنسي سوى عون لتمريرها.. خصوصا ان الناقل موصل جيد بمصداقية رئاسية. . وخلال الاجتماع الذي حضره الصديق على عجل أوضح للرئيس عون القوي بعضا من تفاصيل الخبرية ومفادها ان عددا من الاعلاميات اللبنانيات يعملن على استدراج لونا الشبل المسؤولة عن الإعلام في قصر المهاجرين والمقربة جدا من الرئيس السوري بشار الاسد إلى التعاون مع الفريق اللبناني الخليجي الغربي .. عون وفيما هو يسأل محدثه عن اسباب القطيعة بين فرتسا وبين النظام في سوريا ولماذا وصلت إلى هذا الدرك لم يتوقف عن التفتيش على قلم يكتب فيه الأسماء واللهفة تسابقه لإبلاغ نظيره السوري .. كتب اسماء الاعلاميات بخط يده واحتفظ بالورقة واعدا بإرسالها اليوم إلى سوريا .. اذا رئيسنا مخبر برتبة رئيس ؟ سألت ب فاجاب مع الأسف نعم .. قلت : صديقنا جان عبيد يروي لنا قصة الاجتماعات المطولة مع الأسد الاب .. وكان يعلق دائما أن سبع الساعات لكل اجتماع او اكثر من ذلك فالرئيس الأسد يبقى صامدا على كرسيه ولا يتزحزح ولو لمرة واحدة كي يقضي حاجته .. ويضيف عبيد رحمه الله :حاولت كثيرا معرفة الاسرار التي يحتفظ بها الرئيس المضيف وكادت دوافعي الصحافية تنسيني زيارتي كسياسي في حضرة رئيس له وزنه في منطقة الشرق الأوسط لكن .. كان يمكن لابو الهول ان يتكلم فيما الأسد يتابع في شرح الاستراتيجيات الكبرى في المنطقة ولم يشف غليلي بمعلومة عن أي ضيف او زائر للقصر الرئاسي ..

طالت السهرة .. تعبت وقصص الرئيس القوي والقوي جدا لا تنتهي .. الشعب تعب أيضا.. الوطن الرازح تحت قبضته تعب .. الا يكفيه تنازلا وتسليما في عهده الأول بل يحضر إلى استسلام بجزئه الثاني لعهد جديد برئاسة جبرانه ..
عون القوي والقوي جدا لن يرحل فالسوخوي لذي غادرها رئيسا للحكومة العسكرية على اجنحتها هي اليوم تقصف معه . الله يعين لبنان .. لقد تعب لبنان بعون اللي جايي من الله عفوا من الجحيم ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى