أبرز الأخبار

من فرنجية الجَدّ ومعوض الأب إلى.. سليمان وميشال هل ستؤول «الرئاسة الأولى» في لبنان لزغرتا بعدما أنجبتْ رئيسيْن و.. مرشّحيْن؟

بيروت- «الراي»

… غالباً ما كان شمال لبنان أشبه بـ «نادي» المرشّحين لرئاسة الجمهورية. هذه الخاصية أصبحتْ أكثر حضوراً منذ أن عُقد أول لقاءٍ لقادة الموارنة الأربعة في كنف البطريركية مع تَسَلُّمها من مار بشارة بطرس الراعي. يومها إعتُبر ميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمين الجميل هم الأكثر أهلية لتبوء الرئاسة.

ولم تُجْرَ إنتخاباتٌ نيابيةٌ في لبنان إلا وكان الشمال، لا سيما دائرته الثالثة تحت معاينةٍ «فوق عادية» في ضوء التعامل معها على أنها «الدائرة الرئاسية» التي تضمّ ثلاثة مرشحين «طبيعيين» لدخول السِباق إلى القصر الجمهوري: سمير جعجع، الرئيس غير النائب لكتلة «القوات اللبنانية». رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.

ولم يكن النائب ميشال معوض من «النادي الرئاسي» أو من الأقطاب الذين يتم التداول بأسمائهم في مَطابخ الإعداد للمعركة الرئاسية. لكن مع إقتراب موعد إنتهاء ولاية الرئيس (السابق) ميشال عون إنقلبتْ الصورةُ مع ترشيح «القوات اللبنانية» وأحزاب أخرى النائب معوّض للرئاسة، في الوقت الذي لم يُعْلِن سليمان فرنجية «رسمياً» تَرَشُّحه وقال جبران باسيل إنه أذكى من أن يترشح الآن.

قَلَبَ ترشيحُ معوض النظرةَ إلى الشمال وصارت العينُ على زغرتا، المدينة الشمالية عاصمة قضاء زغرتا، مدينةُ رئيسيْن للجمهورية، سليمان فرنجية الجَدَ، ورينيه معوض والد ميشال.

زغرتا مدينةٌ سياسية مئة في المئة، ومدينة الأدباء والشعراء والمسرحيين والإعلاميين، لكن منظورَها السياسي التاريخي يعطيها طابعاً مميزاً منذ أعوام طويلة. مدينةٌ في الحرب والسلم، قدّمتْ قادةً سياسيين وإنتُخب اثنان من أبرز زعمائها رؤساء للجمهورية: الأوّل إنتُخب عام 1970 بفارق صوتٍ واحد، ما إعتُبر حينها عنصراً ديموقراطياً في لعبةٍ سياسية محلية. والثاني إنتُخب في الخامس من نوفمبر 1989، وإعتُبر رئيساً لـ «الطائف» وشهيده بعدما اغتيل في يوم عيد الاستقلال في 22 نوفمبر من العام نفسه.

وتلعب الوراثةُ السياسيةُ دوراً أساسياً في المدينة منذ زمن المشايخ والإقطاعيات والعائلات السياسية، وهي ليست محصورةً بعائلة فرنجية كما هو الطابع العام، بسبب وجود «تيار المردة» ورئاسة فرنجية الحفيد له، إضافة إلى الأثَر الذي تركتْه مجزرة إهدن التي قُتل فيها وريثُ الرئيس فرنجية، إبنه طوني (والد سليمان الحفيد) وعائلته. فعائلاتُ زغرتا السياسية متعددة، أبرزها الدويهي وكرم ومعوض، وكانت تتحالف مع بعضها في الإنتخابات أو تُخاصِم بعضَها، ولها حضورُها السياسي على مستويات مختلفة.

إنتخاب رينه معوض رئيساً للجمهورية ومن ثم إغتياله وحّد زغرتا التي قد تكون من المدن التي عَرفت أكثر الأحداث مأسوية منذ حادثة «مزيارة» في الخمسينات، إلى مجزرة إهدن (1978) ومن ثم الجريمة التي استهدفت معوض ورفاقه.

وساهمتْ الوصاية السورية في تعزيز وضع زعامة آل فرنجية، بعد إغتيال طوني فرنجية، ووراثة نجله سليمان البيتَ السياسي. لكن التحالفات الإنتخابية جمعتْ فرنجية مع نايلة معوض زوجة رينه معوض قبل أن تفترق لاحقاً عنه، وتؤسّس لزعامة مستقلة ورثها لاحقاً نجلها ميشال.

ورغم أن التاريخ يترك بصماته على المدينة، إلا ان متغيّرات عدة طبعتْها في الأعوام الأخيرة، إذ تغيرت تحالفات العائلات ودخلتْها الأحزاب السياسية كـ «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وشكلا حضوراً قوياً، فصار لهما مرشحين ومناصرين في المدينة وقضائها الذي بدأت قراه تتفلّت من عصبية الزعامة الزغرتاوية التي حاولتْ عائلة فرنجية حصْرها بها.

تغيّرت تحالفاتُ معوض وفرنجية. فعائلة فرنجية حافظتْ على مدى العقود المنصرمة على علاقة جيدة مع سورية والرئيس حافظ الأسد ومن بعده بشار، ومع «حزب الله»، إلا ان العلاقةَ مع «التيار الوطني الحر» تحولت من تَحالُفٍ إلى خصومةٍ مطلقة. تَعامَل زعيم «المردة» مع «التيار» حين كان العماد ميشال عون الرقم الأول فيه، على قاعدة التحالف من موقعٍ تجربةِ عون وتاريخه. وكان يكرر دائماً ان عون يتعامل معه مثل ابنه.

وساهمتْ علاقةُ «حزب الله» بمؤسِّس «التيار الحر» في تمتين الروابط بين الأخير وفرنجية الذي إنضم إلى تكتل «الإصلاح والتغيير» بقيادة عون قبل أن يصبح رئيساً. إلا أن العلاقة بينهما والتي كانت قوية كذلك مع باسيل تحوّلت إلى خصومة مطلقة تدريجاً، إلى أن جاءت محاولة الرئيس سعد الحريري صوغ تسوية رئاسية مع فرنجية، ما أدى إلى «إتفاق معراب» بين عون وجعجع ورفْض «حزب الله» تسوية الحريري – فرنجية والتمسك بعون في المقابل مرشحاً وحيداً.

إنكسرتْ الجَرّة بين عون وفرنجية الذي نام على ضيم إلى أن أتتْ الفرصةُ اليوم كي يكون مرشحاً مرة جديدة بدعم مضمرٍ من «حزب الله»، في حين يحاول الرئيس نبيه بري توسيع دائرة المؤيّدين له ودعمه. لكن الخصم الأساسي لزعيم «المردة» هو ابن البترون ونائبها باسيل (صهر عون) مع كل ما تحمل الحساسيات بينهما وبين المدينتين. وباسيل ينظر إلى زعامة فرنجية نظرةَ خصومة مطلقة كما إلى زعامة جعجع في بشري.

أما عائلة معوض فتغيرتْ تحالُفاتها هي أيضاً بعدما ساهمت النائبة السابقة نايلة معوض في إطلاق لقاء «قرنة شهوان» المُعارِض وتحوّلت ركناً أساسياً في معركة الإستقلال عام 2005، وخاضت معركةً نيابية ضد فرنجية فسقط عام 2005.

وحين تولى إبنها ميشال زعامةَ البيت السياسي، كان أحد شخصيات قوى 14 مارس كذلك، وخاض معها عام 2009 معركةً نيابية وخسر فيها. الا انه خاض الانتخابات عام 2018 مع «التيار الوطني الحر» ليشكل مفاجأة كبرى لحلفائه. ولاحقاً إفترق الطرفان، وعاد معوض إلى المربع الأول، حيث خاض الإنتخابات عام 2022 مستقلاً لكنه على تنسيق مع «القوات اللبنانية». وحاز على 9261 صوتاً مقابل 8945 لطوني سليمان فرنجية. والرقمان يعكسان تَقاسُم الزعامة في المدينة وقضائها. وحينها قال معوض “لأول مرة في تاريخ زغرتا الزاوية خسر المردة الأكثرية في القضاء، وباتت هناك أكثرية سيادية ولم يعد في الإمكان القول إن زغرتا تسير مع الخط السوري وسلاح ​ حزب الله”.

شكل إستحقاقُ إنتخابات رئاسة الجمهورية محكاً لمعوض بعدما جرى الحديث عنه كمرشح مستقل، إلى أن أتى تحالف «القوات» و«الكتائب» والحزب التقدمي الإشتراكي وحركة «تجدد» ليقدمه مرشحاً للقوى المُعارِضة، في خطوة إعتبرتْ قوى الموالاة انها ليست سوى مناورة، فيما رفض نواب «تكتل التغييريين» تبنّيه. أما فرنجية فقال إن ترشيح معوض «لا يستفزني، وهو إبن زغرتا وإبن رينيه معوض ولا أعارض هذا الأمر أبداً».

بين فرنجية المرشّح غير المعلَن، ومعوض المرشح بـ «صوت عالٍ»، تبدو مفارقة مدينة زغرتا في تقدُّمها مرة أخرى على مسار السِباق الرئاسي. ورغم الإختلاف السياسي الحاد بين المرشحيْن، إلا أن المدينة تتقدم على غيرها من المدن السياسية، في أنها في كل إستحقاق يكون لها مرشح رئاسي، على طريقة المثَل اللبناني «في كل عرس يكون لها قرص». فكيف الحال ولديها اليوم مرشحان رئاسيان، من عائلتيْن عرفتا الخصومةَ والتوافُقَ والهدنة واليوم تتواجهان رئاسياً، فهل يصل أي منهما أم تذهب التسوية إلى خارج العائلتين وتخرج زغرتا من السِباق الرئاسي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى