أبرز الأخبار

بعد مقتل لاجئ سوري تحت التعذيب …. رسالة أممية شديدة اللهجة للبنان

 

كتبت أسرار شبارو في “الحرة”:

“من دون رحمة قتلوه، يتّموا أطفاله الثلاثة، حرمونيوإياهم من سندنا، أصبحنا ننام وأمعاؤنا خاوية. حتى الآن مرّت سبعة أشهر على الجريمةالنكراء وها أنا انتظر عدالة الأرض والسماء، ولكي أضمن عدم إفلات الجناة من العقابوضعت القضية بعهدة الأمم المتحدة”… بهذه الكلمات اختصرت حمدة السمير، زوجة اللاجئالسوري بشار عبد السعود، الذي قضى تحت التعذيب على يد جهاز أمن الدولة في لبنان، وجعهاومسار القضية التي هزّت الرأي العام.

تعود قضية عبد السعود إلى 30 أغسطس 2022، حين اعتقلته لجنةالأمن الداخلي لمخيم صبرا وشاتيلا للاجئين في مكان إقامته بأمرٍ من المديرية العامةلأمن الدولة اللبنانية لحيازته ورقة مزورة من فئة الخمسين دولاراً، لينُقل إلى قسمأمن الدولة في تبنين في جنوب لبنان حيث تعرض على أيدي أفرادها للتعذيب حتى فارق الحياة.
أظهر تقرير الطب الشرعي وجود كدمات وعلامات حروق في عدة أجزاءمن جسد عبد السعود بالإضافة إلى علامات تشير إلى استخدام سوط أو سلك كهربائي، وخلصالتقرير إلى أن وفاته نجمت عن تلف في الجهاز العصبي المركزي، بعد تعرضه لإصابات أدتإلى ألم شديد ومعاناة كبيرة.
في 2 سبتمبر 2022، أمر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكريةباحتجاز خمسة عناصر بينهم ضابط من فرع أمن الدولة في تبنين، وأحالهم إلى قاضية التحقيقالعسكري نجاة أبو شقرا، التي وجهت في 29 نوفمبر تهمة التعذيب إليهم بموجب قانون مناهضةالتعذيب لعام 2017، ورغم ذلك يعترض وكيل عائلة عبد السعود، مدير مركز حقوق السجين فينقابة المحامين في طرابلس والمدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، على متابعةالقضاء العسكري للقضية بدلاً من القضاء العدلي تطبيقا لقانون أصول المحاكمات الجزائية،وذلك “مراعاة لمتطلبات الحياد والاستقلالية”.
مخاوف صبلوح من تسويف وتمييع القضية وإفلات الجناة من العقاب،دفعته كما يقول لموقع “الحرة” إلى تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة بالتعاونمع منظمة “مينا رايت”، هذه المخاوف لم تأت من فراغ كما يشدد “بل منتجارب عديدة تتعلق بـ 30 قضية تعذيب خلال السنوات الثلاث الأخيرة، جميعها تم حفظها لينجو المجرم من العقاب”.
ويضيف “وصل الرد الأممي إلى الحكومة اللبنانية برسالةشديدة اللهجة نتمنى أن تحترمها قبل أن تظهر مفاعيلها خلال المراجعة الدولية الشاملةالتي تعقد في مقر الأمم المتحدة في جنيف مرة كل أربعة سنوات، حيث ستطلع الدول المشاركةعلى الرسالة والتقارير الموثقة التي تثبت عدم إقدام السلطة اللبنانية على تنفيذ الإصلاحاتالمطلوبة منها، وبالتالي سيتم تهديدها بقطع المساعدات عن الأجهزة الأمنية في حالة استمرارهابارتكاب مثل هذه الانتهاكات، نتأسف أنه لم يعد لدينا سوى هذه الوسيلة لمعاقبة مرتكبيجريمة التعذيب”.
“بقعة” طمأنينة
تصف حمدة كيف أن ولديها يسارعان كلما سمعا الباب يُطرق ظناًمنهما أن والدهما قد عاد، وكيف أن صغيرها ذات الشهور التسعة لن يعرف وجه والده عندمايكبر إلا من خلال الصور، وتقول “حتى زيارة قبر زوجي حرمت منها، إذ لا أعلم حتىالآن ماذا حلّ بجثته، فبعد أن انتظرنا الكشف عليها من قبل الطبيب الشرعي الذي أثبتأن بشار قتل تحت التعذيب، طالب والده بنقل جثمانه إلى سوريا لدفنه، لكن اطلع أنه جرىدفنه من دون تحديد المكان”.
وتضيف “الوجع كبير جداً، حتى الآن لا يمكنني استيعابكل هذا الحمل الذي ألقى على كتفي، فأنا معدمة مادياً، أعيش تحت خط الفقر، أفكر طوالالشهر في كيفية تأمين بدل إيجار الغرفة التي أسكنها في مخيم شاتيلا والبالغ مليونيليرة وفاتورة المولد التي وصلت إلى مليون و700 ألف ليرة، وفيما إن كان الجيران سيقدمونلي ولأطفالي وجبة طعام أم أنه سيمر اليوم علينا من دون أن نسد جوعنا حتى برغيف خبز”.
تعيش ابنة دير الزور رعباً من المستقبل وتقول “ما الذيينتظرنا وأنا لا أملك المال لتعليم أولادي، فحتى تكلفة باص نقل الطلاب أعجز عن تأمينها،وفي ذات الوقت لا يمكنني العودة إلى بلدي ورمي مسؤوليتنا على أهلي، فوالدي ضرير ووالدتيامرأة عجوز، ولكل الوجع الذي أمرّ فيه آمل ألا يخيب ظني وأن يدفع المجرمون الثمن وأنيذيقهم الله من ذات الكأس المرّ الذي أجبروني على تجرّعه”.
ما يطمئن حمدة كما تشدد رسالة المقرر الخاص للأمم المتحدةالتي وجهها إلى الحكومة اللبنانية، قائلة “شاركني من خلالها هواجسي من تمييع القضية”،ومما جاء في رسالته “نُعرب عن قلقنا العميق إزاء غياب تحقيق فعال ونزيه ومستقلفي الأسباب والظروف التي أدت إلى وفاة عبد السعود أثناء احتجازه، الذي يبدو احتجازاًتعسفياً، وغير قانوني من قبل عناصر أمن الدولة في تبنين، وبشكلٍ خاص في الشكوك القويةبتعرض الضحية للتعذيب في ضوء العلامات الكثيرة المرئية على جسده”.
وأضاف “كانت أوجه القصور المماثلة التي أثارتها هذهالقضية موضوع بلاغات سابقة موجهة إلى حكومة حضرتكم. يشير التعامل مع هذه القضايا -التي نؤكد على خطورتها الاستثنائية لأنها تتعلق بادعاءات خطيرة بشأن أعمال التعذيبووفاة أشخاص في الحجز من قبل القضاء العسكري الذي ربما تكون كياناته متورطة في مثلهذه الأعمال – إلى غياب متطلبات الاستقلال وعدم الحياد الضرورية في مثل هذه التحقيقاتوالإجراءات القانونية”.
يتعارض التعذيب كما جاء في الرسالة “مع مختلف الأحكامالمنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه لبنانفي 3 نوفمبر 1972، وفي اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيةأو اللاإنسانية أو المهينة التي صادق عليها لبنان في 5 أكتوبر 2000. يشكل الحق في الحياةقاعدة من القواعد الآمرة والقانون الدولي العرفي التي تنطبق في جميع الأوقات وتتطلبمن الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اتخاذ تدابير خاصةلحماية الأشخاص – بمن فيهم اللاجئون – في حالات الضعف الذين تعرّض حياتهم للخطر بسببالتهديدات أو أنماط العنف”.
استجواب أممي
طلب المقرر الأممي من الحكومة اللبنانية تقديم معلومات محددةعن أسباب “توقيف عبد السعود، والأساس القانوني لاعتقاله، وفيما إن تم تقديم مذكرةتوقيف أثناء الاعتقال، وإذا كان الأمر كذلك، فمن هي الجهة التي وقّعت عليها، كما طلبتقديم معلومات محددة ومفصلة عن الأسباب والظروف التي أدت إلى وفاته في الحجز بعد ساعاتمن اعتقاله”.
ومما طلبه كذلك “معلومات محددة عن تحقيقات الطب الشرعيالتي أُجريت على جثة عبد السعود بعد وفاته في الحجز، والتقدُّم المُحرز في التحقيقونتائج التحقيق التي تم إبلاغها لأسرته، وشرح أسباب نقل التحقيقات وإجراءات المحاكمةالمتعلقة بوفاته إلى القضاء العسكري اللبناني وكيف تم احترام متطلبات الاستقلالية والحيادالمنصوص عليها في المعايير الدولية، وتبيان الخطوات المتخذة أو المزمع اتخاذها لإحالةالقضية إلى المحاكم المدنية العادية”.
منح المقرر الأممي الحكومة اللبنانية ستين يوماً للإجابةعن تساؤلاته، لكن انتهت المهلة من دون أي إجابة، عن ذلك يعلّق صبلوح “سكوتها يشيرإلى إرباكها، لا سيما وأن هناك محاولات لطمس الحقيقة، أولى هذه المحاولات كما ذكرتمتابعة القضاء العسكري للملف، ثانيها ادعاء المتهمين بأن الضحية فارقت الحياة نتيجةجرعة زائدة من المخدرات، ثالثا عدم تسليم تقرير الأدلة الجنائية والمختبرات ولا حتىصور جثة بشار إلى رئيس المحكمة رغم مرور سبعة أشهر على الجريمة”.
يشرح صبلوح أنه “في المحكمة العسكرية، يمنع المدعي الشخصيفي القضية من المشاركة أو التعليق طوال مدة المحاكمة، حيث يحق له حضور الجلسات فقطمن دون النطق بأي كلمة، وفوق هذا كان رئيس المحكمة يريد عقد جلسة سرية ما يعني عدمتمكننا من الاطلاع على مجرياتها، وبعد ان تراجع أطلعته أن بحوزتي قرص فيديو يثبت آثارالضرب والتعذيب على عبد السعود، فكلفني بإبرازه”.
ومما يثير الهواجس كذلك بحسب صبلوح انه “بعد أربعة أياممن إحالة الملف إلى القضاء العسكري تم تحديد جلسة، وهذا أمر مستغرب، ففي القضايا الجنائيةالأخرى تحدد أولى الجلسات بعد ثمانية أشهر، اما الجلسة الثانية لقضية عبد السعود فحددتفي 5 يونيو، وهنا أخشى من أن يكون إطالة المدة من باب الرهان على نسيان الرأي العامللقضية”.
في الجلسة القادمة سيطلب المحامي ضم رسالة المقرر الخاص للأممالمتحدة إلى الملف، “حتى لو لم يكن القانون يسمح لي بذلك، فهدفي أن يعلم رئيسالمحكمة ان القضية قيد المتابعة الإعلامية والاممية وانه من غير المسموح له التسويفوالمماطلة، مع العلم أنه لو لم أقدم على هذه الخطوة لكان أخلي سبيل كل المتهمين فيالقضية، وقبل ايام علمت بأنه أطلق سراح متهمَيْن ليبقى الضابط وعنصر واحد”.
سلسلة تطول
بين الفترة والأخرى تطفو على السطح قصة تعذيب جديدة في لبنان،ففي شهر يونيو الماضي ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات صادمة تظهر ضرب وتعذيبعمال لبنانيين وسوريين، منهم قاصرون، على يد صاحب ارض زراعية في منطقة مجدل العاقورة(قضاء جبيل في محافظة جبل لبنان)، وذلك بحجة سرقتهم مبلغ مليون ليرة.
وفي شهر أغسطس الماضي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطعفيديو لـ”شاويش” في أحد الحقول الزراعية اللبنانية وهو يضرب ويجلد أطفالاًسوريين، وقبل أيام تم تداول صور اللاجئ السوري غ. ب البالغ من العمر 15 سنة والتي تظهرتعرضه للضرب المبرح علىِ يد شرطي بلدية بزبينا في عكار شمال لبنان.
المركز اللبناني لحقوق الانسان شرح أن الحادثة وقعت في12 فبراير الحالي، “بحجة سرقة محفظة”، وذلك قبل أن يتضّح لاحقاً أن ذلك غيرصحيح، مضيفاً في بيان “بحسب الادعاء الذي قدمه القاصر في مركز شرطة بينو في عكار،فقد اختطفه د.ش. خلال عمله في أحد المقاهي، ومن ثم اقتاده إلى منطقة منعزلة، وضربه،وهدده بالقتل، وأطلق النار بالقرب منه. بالإضافة إلى ذلك، قام بإجباره على الاعترافبأنه سرق المحفظة في فيديو سجله شرطي البلدية”.
واعتبر المركز اللبناني لحقوق الانسان ان “بلدية بزبينافشلت في البداية في اتخاذ إجراءات ومواصلة التحقيق في جريمة د.ش، حيث لجأت إلى تغطيتهوالقول إن «الحادث شخصي» لم يحصل اثناء خدمة الشرطي، بالإضافة إلى ذلك، ادعت البلديةأن القاصر له تاريخ في السرقة، الامر الذي تم نفيه من قبل عائلته. ومع ذلك، قرر المجلسالبلدي في وقت لاحق فصل د.ش. من مهامه كشرطي بلدي”.
وشدد على انه “لا يمكن لأي اتهام ان يكون مبرر لانتهاكحقوق الانسان” داعياً إلى المزيد من التحقيقات في هذا الهجوم لمحاسبة د.ش. علىأفعاله استنادا الى القانون 65/2017 المتعلق بتجريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملةأو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، معتبراً أنه “من الضروري التصديللتحريض ولثقافة الإفلات من العقاب السائدة والتي تساهم باستمرار جرائم الكراهية والتهميشضد اللاجئين السوريين في لبنان، خاصةً في ظل تنامي العنصرية والكراهية ضدهم”.
وفي حديث مع موقع “الحرة” قال رئيس المركز وديعالأسمر، “للأسف معظم من لديهم سلطة في لبنان، يعتبرون أنفسهم محققون وقضاة، هؤلاءيجب أن يكون عقابهم مزدوجاً، أولا بسبب ممارستهم للتعذيب وثانيا لأنهم يتخطون صلاحياتهمالوظيفية”، وفيما يتعلق بقضية عبد السعود، اعتبر أن “القرار الذي اصدرتهقاضية التحقيق العسكري، نجاة أبو شقرا، خطوة إيجابية بغض النظر عن اننا لا نعلم إلىأين ستصل القضية، إلا أنها من المرات النادرة التي يتم فيها توقيف من مارسوا التعذيبومن اعطى الأمر لهم”.
يشدد الأسمر على أن “التعذيب جريمة مزدوجة وليس أداةللتحقيق، أولا هو جريمة بحق الشخص الذي يمارس التعذيب ضده للاعتراف بارتكاب جنحة أوجناية، وثانياً هو جريمة بحق ضحايا الجنحة أو الجناية كونهم لا يعلمون فيما إن كانالمتهم اعترف بما لم يرتكبه للخلاص من التعذيب” ويضيف “رغم تصديق مجلس النواباللبناني على قانون مناهضة التعذيب، إلا أنه لا زلنا نلحظ استمرار اعتبار الأجهزة الأمنيةهذه الجريمة بأنها جزء من التحقيق، وما زلنا نلمس تساهل القضاء مع هذه الانتهاكات”.
متطلبات الردع
تكمن الاشكالية القانونية الكبرى بحسب الأسمر “في تحويلملفات التعذيب إلى القضاء العسكري الذي لا يضمن محاكمة عادلة، كون المتهمون في هذهالقضايا من الأجهزة الأمنية فيما الضحايا من المدنيين”.
سبق ان ناشدت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية بنقلقضية عبد السعود من المحكمة العسكرية “التي لا تتلاءم مع معايير المحاكمة العادلةإلى القضاء الجزائي العادي، بما يتماشى مع القانون اللبناني والمعايير القانونية الدوليةالتي تؤكد على أن المحاكمات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان يجب أن تتم في المحاكمالجزائية العادية لضمان تحقيق العدالة”.
وشددت على أن “عشرات الشكاوى التي تستند إلى قانون مناهضةالتعذيب لا تزال من دون تحقيق” وبأنها توثق بانتظام “استخدام التعذيب وغيرهمن ضروب المعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز اللبنانية. وفي مارس 2021، أصدرت المنظمةتقريراً يوثق مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك التعذيب، ضد 26 لاجئاً سورياً، من بينهمأربعة أطفال، جرى احتجازهم بتهم تتعلق بالإرهاب بين عاميْ 2014 و2021”.
إذا كان هدف صبلوح من الشكوى التي تقدم بها إلى الأمم المتحدةفي قضية عبد السعود “الضغط على السلطة اللبنانية لكي يسلك الملف المسار الصحيح”فإن الأسمر يرى أنه “في اغلب الأحيان يكون الهدف من اللجوء إلى الأمم المتحدةإعطاء القاضي مساحة أكبر من الاستقلالية لممارسة مهامه من دون أي تدخلات ووساطات لتقويضالعدالة”.
من يملك قدرة الحد من ارتكاب جريمة التعذيب بحسب رئيس المركزاللبناني لحقوق الانسان “هو القضاء، فإيقاف ومعاقبة أي متورط من أي جهاز أمنيكفيل بردع بقية زملائه، وذلك بالتوازي مع لعب الوزارات المسؤولة عن هذه الأجهزة دورهابممارسة رقابة جدّية على العناصر والضباط واغلاق غرف التعذيب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى