أبرز الأخبار

من وزارة المالية… هكذا تصل الطوابع المالية إلى “مافيات” السوق السوداء

 

الكلمة أونلاين

تطبع الدولة اللبنانية عددا معينا من الطوابع المالية. تحدّد سعرها الرسمي. توزّع 4 بالمئة منها فقط عبر ما يسمّى “صندوق الجمهور” التي يحوّل معظمها الى المؤساسات العامة، و96 بالمئة من هذه الطوابع يوزّع على أصحاب التراخيص بعد استيفائهم كافة الشروط القانونية، ليقوم هؤلاء بدورهم ببيع هذه الطوابع الى المواطنين مباشرة. هذا هو المسار القانوني والطبيعي الذي يسلكه الطابع المالي وصولا الى يد المواطن اللبناني، فكيف يقع في فخّ السوق السوداء؟ إليكم القصة كاملة.
تتوزّع الطوابع المالية على أصحاب التراخيص، الا أن الإحتكار يكون سيد الموقف، وبدل أن يقوم جميع هؤلاء ببيع الطوابع في محلاتهم، يتم جمعها بيد قلة قليلة منهم، وفقا لاتفاق مسبق بينهم ما يؤدي الى تحكم من يملك الطوابع بسعرها الذي يتخطى السعر المحدد من قبل الدولة بأضعاف.
المسؤول عن مراقبة أصحاب التراخيص
وبعيدا عن مبدأ تقاذف المسؤوليات، من المسؤول عن مراقبة أصحاب التراخيص وعملية التداول بالطوابع المالية في السوق السوداء؟ يجيب رئيس الخزينة في وزارة المالية اسكندر حلاق في حديث لموقع “الكلمة أونلاين” أن “مسؤولية وزارة المالية تقتصر على تسليم الطوابع بالاضافة الى التحقّق من استيفاء الشروط المطلوبة من أصحاب التراخيص، أما العملية الرقابية ميدانيا، فترتبط بوزارة الداخلية، خصوصا أن عمليات بيع هذه الطوابع في السوق السوداء تجري في محلات بيع ملاصقة لمراكز أجهزة الدولة حيث يتم الطلب داخل هذه المراكز من أي مواطن يريد الحصول على أي معاملة الذهاب الى هذه المحلات للحصول على الطابع المطلوب” وبالتالي هذا الواقع يطرح علامة استفهام حول دور هذه الأجهزة وعن الإهمال المستشري في صفوف عناصر هذه المراكز.
الى ذلك، ينبّه حلاق الى أنه وإضافة الى الاجهزة الرقابية، “يجب على المواطن أيضا تحمّل المسؤولية وتبليغ النيابة العامة المالية بشرائه هذا الطابع بسعر مرتفع لتتمكن وزارة المالية بدورها من معرفة مصدر هذا الطابع وتجميد عمل صاحب الترخيص المعني، الا أن المواطن لم يعد يؤمن بمؤسسات الدولة وبإمكانية توقيف هذه المافيات عند حدها”.
آلية الكشف عن “مافيات الطوابع”
لكن وبعد التبليغ عن هذه العمليات في السوق السوداء من قبل المواطنين أو الاجهزة الأمنية، ما هي الالية التي تتبعها وزارة المالية للكشف عن هوية أصحاب التراخيص الفاسدين؟
يشرح حلاق الالية التي يمكن اعتمادها لضبط السوق السوداء والتحقق من هوية أصحاب التراخيص الذين يخالفون القانون، قائلا: “الطوابع التي يتم توزيعها على أصحاب التراخيصر لديها رقم تسلسلي واضح. بالتالي يفترض على أي شخص يحصل على الطابع بسعر السوق السوداء تبليغ النيابة العامة المالية عما حصل وبدورها تقوم الاخيرة بالطلب من وزارة المالية بالكشف عن صاحب الترخيص الذي تسلم هذا الطابع، وذلك بالاستناد الى الرقم التسلسلي الخاص بالطابع. وبعد معرفة هوية هؤلاء، يتم إعلام أجهزة التحقيق والنيابة العامة المالية للتحرّك وملاحقتهم وتجميد عمل الرخصة”.
هذه الآلية، ورغم تقاعس معظم الاجهزة الرقابية عن عملها، لم تبق حبرا على ورق، فقد أفاد مدير خزينة المالية بأن “أجهزة فرع المعلومات في الشمال، الجنوب، البقاع وجبل لبنان والجنوب كانت قد قامت بالتحقيق الازم في الفترة الماضية وصادرت عددا كبيرا من الطوابع التي يتم بيعها في السوق السوداء، كاشفة أن غالبية الطوابع التي تمت مصادرتها مصدرها أصحاب الترخيص. أبلغت هذه الاجهزة وزارة المالية التي قامت بدورها بملاحقة الارقام التسلسلية لهذه الطوابع وكشف أسماء أصحاب التراخيص الذين قاموا ببيعها وعٌمل حينها على تجميد عملهم”.
تجميد 1400 رخصة غير قانونية
وبناء على ذاك، قام حلاق برفع تقرير فنّد فيه أسماء أصحاب التراخيص المخالفين واتخذ قرارا بتجميد 1400 رخصة غير قانونية. وشدّد على أن “المالية كانت قد تحرّكت قبل إثارة الملف في الاعلام ورفعت تقارير الى وزير المال والأجهزة الرقابية أكدت فيها وجود وضع غير صحي وطالبت بتحديث للملفات وتجميد الرخص. وعلى الإثر، تجاوب وزير المال واتخذ قرارا بتجميد قسم كبير منها”.
الى ذلك، كشف حلاق أنه “قبل 4 أشهر، قام عدد من أصحاب التراخيص برفع شكوى قضائية عليه لإبطال أو كسر قراره الذي كان قد أصدره والذي يوجب عليهم بيع الطوابع مباشرة الى المواطن وإعلام المالية بهوية الاشخاص الذين يشترونا منهم. يستند أصحاب التراخيص في شكواهم على أن عملية البيع تندرج تحت إطار الحرية الشخصية ولا يحق للوزارة معرفة هوية الجهة التي تشتري الطوابع منهم”.
في المقابل، يستند حلاق، على المادة 23 من قانون رسم الطابع المالي التي تنص على أن رئيس مصلحة الخزينة في وزارة المالية يعطي الاجازة ببيع الطوابع المالية بعد التثبت من توفر الشروط القانونية للحصول على رخص الطوابع والتي ترتكز أولا على وجوب بيع الطوابع بالسعر التي تحدده الدولة وليس وفقا للسوق السوداء وثانيا على أن يكون لديه لديه محل ثابت للبيع. وبحسب حلاق، “وزير المالية يوسف الخليل على علم بالقرار المتّخذ الذي يعزّز الرقابة على أصحاب التراخيص وبارك الخطوات التصحيحية التي يتم اتخاذها”.
بدائل الطوابع المالية
وعلى صعيد آخر، ولمواجهة عملية الاحتكار التي يصعب منعها مهما حاولت وزارة المالية توزيع عدد أكبر من الطوابع، لجأت الأخيرة الى بديل عملي يقوم على استبدال هذه الطوابع الورقية بإيصال مالي مع دفع ثمن الطابع المستبدل نقدا. هذه العملية تتم بناء على قانون صادر في موازنة عام 2022.
وأيضا، ذكّر حلاق بأن “الرئيس نجيب ميقاتي كان قد أصدر تعميم رقم 3 في بداية عام 2023 وتم توجيهه الى كافة الادارات العامة والبلديات، طالبا منها استبدال الطابع المالي في حال عدم توفّره بالإيصال المالي، الا أن بعض الادارات تتقاعص عن الالتزام بالتعميم عن معرفة أو غير معرفة. وهنا بيت القصيد”، بحسب حلاق، فعندما تقوم أي إدارة رسمية برفض استبدال الطابع المالي بالايصال المالي وتدفعه للذهاب والبحث عن طابع مالي ورقي تكون بذلك عن دراية أو لا، تشجّع وتعزّز نشاط السوق السوداء.
وإضافة الى الإيصال المالي، لجأت وزارة المال الى “آلات الوسم” منذ الشهر الرابع من عام 2023، فالمواطن الذي لم يتمكن من ايجاد طابع مالي ولا يمكنه التنقل للحصول على الايصال المالي من إحدى شركات تحويل الاموال التي تأخذ بدورها عمولة إضافية مقابل الإيصال، يتم ختم المعاملات الخاصة به بآلات الوسم أو ما يعرف بـ “الختم” وتم توزيع هذه “الالات” على كافة صناديق وزارة المالية في كافة المناطق.
اقتراحات على الرئيس نجيب ميقاتي
وكانت قد عُرضت اقتراحات عدة على الرئيس نجيب ميقاتي أبرزها القيام بإلغاء هذه الطوابع، أو إعادة طبع عدد أكبر منها لتلبية حاجة المواطنين وتسهيل معاملاتهم بظل الاحتكار المتواصل.
في هذا الإطار، وإذ أكد أن “الطابع الورقي أحد الوسائل المعتمدة لتسديد الرسم وبالتالي، ولسنا مع إلغاء الطوابع بل ندعم إغراق السوق بالطوابع”، أوضح حلاق أن “القيود التي يفرضها قانون الشراء العام عند حصول مناقصة لاختيار شركة خاصة تقوم بطباعة هذه الطوابع تحول دون القيام بذلك. يضاف الى ذلك، عدم تقدّم الشركات المعنية الى المناقصات بسبب الازمة المالية وعدم الثقة بقدرة الدولة على دفع المستحقات المطلوبة. في هذه الأثناء، وفي ظل كل هذه الظروف التي سبق ذكرها، لجأت وزارة المالية الى مطبعة الشؤون الجغرافية لدى الجيش اللبناني لطباعة الطوابع، علما أنها تمتلك قدرة مادية محدودة”.
توازيا، ورغم عدم حماسة معظم الشركات الخاصة للمشاركة في أي مناقصة تقوم بها الدولة في الظرف الحالي، تحضّر مديرية الشؤون الادارية في وزارة المالية لمناقصة جديدة، بحسب حلاق الذي كشف أن “عملية فضّ العروض ستتم في 13 آذار المقبل من العام الحالي”.
خللٌ ميداني وإداري
إذا، ميدانيا، يسجّل تقاعس لافت لدى الأجهزة الرقابية، التي تملك السلطة الوحيدة لمراقبة آلية العمل بين أصحاب التراخيص والمواطنين على أرض الواقع ومصادرة كل الطوابع المالية التي يتم التداول بها في السوق السوداء، فوزارة المال لا تملك هذه الصلاحية ولا تستطيع الوصول الى هذه الطوابع لمعرفة من هم وراء بيعها من دون تعاون جميع الاجهزة الرقابية وهنا تكمن الحلقة المفقودة.
أما إداريا، فيُسجّل تقاعس موظفي الادارات العامة عن تطبيق القوانين والتعاميم الصادرة عن رئيس الحكومة وغيرها من القرارات، ما يضع علامة استفهام حول الهدف من وراء هذه الممارسات علما أن هناك بدائل متعددة يمكن اللجوء اليها لتسهيل حصول المواطن على جميع المعاملات من دون الارتهان لمافيات السوق السوداء.
أخيرا، يبقى الحل الوحيد والجزري لأزمة الطوابع والسوق السوداء مرتبط باعتماد لبنان حصرا على الطابع الالكتروني أسوة بكثير من البلدان الاخرى، وهذا المشروع لايزال قابعا في الادراج منذ سنتين حتى اللحظة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى