أبرز الأخبار

قرار بكركي… قيادة الجيش للمسيحيين

"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح

في العاشر من كانون الثاني المقبل، أي بعد قرابة الشهرين، يُكمل الموارنة رسمياً عقد خروجهم من وظائف الفئة الأولى، مع إحالة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى التقاعد. وعلى ما يبدو، سيطول انتظار عودتهم إلى السلطة، كونها أصبحت مرتبطة بنتائج المعركة في غزّة وانعكاساتها على لبنان وتبلور مناخاتٍ إقليمية جديدة ومختلفة.

ويبدو أن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، العائد تواً من الخارج، أخذ يتلقّف تلك الأجواء تدريجياً، مدركاً أن الإختبارات القادمة ليست من النوع السهل. لذلك قرّر أن يبدأ هجومه الدفاعي من خلال التشديد على بقاء العماد عون في موقعه والدعوة إلى التمديد له، كمرحلة أولى، بانتظار أن تمرّ العاصفة.

في معطيات البطريرك الماروني، موضوع انتخاب رئيسٍ للجمهورية مؤجّل، أقلّه إلى حين اتضاح ظروف معركة غزّة، وربطاً بالوضع الراهن، فإن الدول لم تعد مهتمة كثيراً بالأوضاع اللبنانية، وإن هذا الحال الرديء ينعكس بصورةٍ ما على الداخل اللبناني وعلى النشاط السياسي بشكل عام، حيث أن البطريرك وكثراً غيره، باتوا في صورة الوضع المستجد، من فقدان القدرة المحلية على استغلال الظروف الراهنة وإلانشغال الدولي في غزّة لانتاج رئيس، أو بالحدّ الأدنى طرح موضوع الإتفاق على رئيسٍ وفق صيغة “ملبننة”.

وما قد يطيل تمدّد واقع الفراغ الحاصل، ليس انشغال “حزب الله” فقط بالبعد الإقليمي للمعركة بصفته مقرراً أساسياً في كل ما يجري، بل تقديراته الجديدة التي لا بدّ أن تُبنى على الوضع الناتج عن معركة غزّة، لاسيّما نظرته إلى تعاطي الكثير من الدول مع القضية هناك، والتقديرات التي سيذهب إليها ربطاً بمواقف تلك الدول والتي ستصبح أساساً في تعاطيه السياسي. ولا بدّ من الإلتفات إلى أن مجموعةً كبيرةً من الدول التي سبق أن تابعت الملف الرئاسي اللبناني، منغمسةٌ إلى أبعد الحدود في غزّة، وإن أدوارها في التعاطي مع القضية هناك، ستشكّل البوصلة اللبنانية بالنسبة إلى قوى كثيرة، باعتبارها منخرطة بدورها بما يجري في غزّة.

لكن ذلك لا يعني أن البحث في الموضوع الرئاسي انتهى. فقد حصل “خرقٌ” خلال الأيام الماضية من شأنه أن يعيد الملف الرئاسي إلى الواجهة تدريجياً.

عند هذا الحدّ، يريد البطريرك الماروني المحافظة على حدٍ أدنى من التمثيل الماروني في الدولة في هذه اللحظة العاصفة. لذا، استنسبَ طرح موضوع التمديد لقائد الجيش في عظة الأحد (أمس). وعلى ما يظهر، يتقاطع البطريرك مع أجواءٍ معينة تصبّ في هذا الإتجاه، بالاضافة إلى قبوله مشورة وردته في هذا الصدد، فيما يبقى العامل الأهمّ، عدم ترك المواقع المسيحية فارغة، لئلاّ تعود بنتائج عكسية على المسيحيين، ولرغبةٍ لديه في تسيير حدٍ أدنى من الوظيفة خلال هذه الفترة.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن البطريرك الراعي، الذي طرح موضوع التمديد لقائد الجيش أمس، لن يكفّ عنه أو يكتفي بهذه الدعوة، بل إن المصادر تتحدث عن حراكٍ سيقوده البطريرك في الأيام المقبلة لتثبيت هذه المعادلة، ولقطع الطريق على سياسية “النزف” الجارية في المواقع المسيحية.

ومع إدراك بكركي بمسؤولية القوى السياسية المسيحية تحديداً عن الفراغ الحاصل في موقعين مسيحيين بارزين هما رئاسة الجهمهورية وحاكمية مصرف لبنان، لن يسمح البطريرك في ترك الأمور قيد معالجات تلك القوى كي لا يصيبها ما أصاب المواقع الباقية. لذلك القرار على مستوى بكركي بالإنغماس كلياً في جبهة “اليرزة” ،على اعتبار أنها تمثل الموقع الماروني رقم 2 في سلّم المواقع، وليس هناك من قبول لأي حالٍ على حساب المسيحيين.

بالإضافة إلى البعد المسيحي أو البعد الداخلي، ثمة بُعد خارجي يدعم هذه النظرية ويتمثل برأي بعض القوى السياسية الخارجية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، الدافعة الآن صوب طرح نظرية التمديد لقائد الجيش وعدم السماح بهزة تصيب المؤسسة العسكرية في هذا الظرف الحسّاس. ولزيادة الأمر تشويقاً، تبدو السفيرة الأميركية دوروثي شيا، في وارد زيادة منسوب حركتها ذات الطابع السياسي، مدعومةً بخيارٍ كنسي قد لا يعني أنه يتقاطع معها من حيث الأهداف، إلاّ أنه أسهم في إعادة الحياة بنسبةٍ معقولة إلى ملف التمديد.

وتأمل السفارة في أن تجرّ قوى أخرى خلفها ولو أن المؤشرات الداخلية الأساسية باتت تدل أن موضوع التمديد سقط وبات خارج المعادلات لصعوبة إمراره دستورياً.

هذا الجوّ، لا بدّ أن يوقظ أو يؤهّب الجبهات الأخرى المعارضة لفكرة التمديد لقائد الجيش، والساعية لأن يسري النص على المؤسسة العسكرية كما سبق وأن سرى على مؤسساتٍ أخرى، طبعاً ضمن اتفاق – صيغة معينة، بمعنى أن المواجهة ذات البعد السياسي، قد تتّسع في الأيام القادمة ربطاً مع سخونة الجبهات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى