بأقلامهم

وثيقة أممية تثير انتقادات: هل اعترف لبنان بدولة إسرائيل؟

الكاتب طوني بولس

بعد أشهر على إعلان الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل نشر الموقع الإلكتروني الرسمي للأمم المتحدة وثيقة تحت الرقم 71836 موقعة من الأمين العام أنطونيو غوتيريش، تفيد أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل أصبح معاهدة دولية، استناداً إلى المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ونال شهادة اعتراف كـ”اتفاق بحري بين دولة إسرائيل والجمهورية اللبنانية”، الأمر الذي فتح باب الانتقاد مجدداً باعتبار أن ذلك الاتفاق يشكل اعترافاً لبنانياً بدولة إسرائيل.

وعقب توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لبيد حينها عبر حسابه على “تويتر”، إن لبنان اعترف بدولة إسرائيل، فيما نفى الرئيس اللبناني ميشال عون السابق الادعاء، وقال إن “الاتفاق لا يرقى إلى مستوى الاعتراف”.

ووسط تضارب في القراءات توضح مصادر قانونية أن المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة تتضمن قاعدة بيانات مجموعة المعاهدات الموقعة بين الدول المعترف فيها بالجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى نصوص المعاهدات الواردة في المجلدات التي لم تنشر بعد، وبالتالي فإن وثيقة الاتفاق المتعلقة بترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل تدل على أنه تم تسجيل تبادل الرسائل مع الجانب الأميركي كمعاهدة دولية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.

وكشفت عن أن إسرائيل طلبت من الأمم المتحدة تسجيل المعاهدة في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2022، قبل أن تأتي الموافقة بعد درس الطلب في 14 فبراير (شباط) 2023.

“بصمة عون”

وتلقى الرئيس اللبناني السابق ميشال عون و”حزب الله” العديد من الانتقادات من اللبنانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر الوثيقة، معتبرين أنها تثبت أن الاتفاق البحري يرقى إلى مستوى معاهدة الاعتراف بدولة إسرائيل.

من جانبه، أكد نائب في التيار الوطني الحر، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن عون ختم عهده بـ”إنجاز كبير ضمن للبلد من خلاله حقوقه من بحره ونفطه وغازه، الأمر الذي سينعش الاقتصاد وسيؤدي إلى الازدهار والنهضة”.

وأوضح أن لبنان سلم الرسائل إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وليس إلى إسرائيل، مشدداً على أن تلك الانتقادات “فارغة” ولبنان لا يتحمل المسؤولية عن النص الذي نشرته الأمم المتحدة. وبرأيه قد تكون الأمم المتحدة تعرضت لـ”خديعة” من الجانب الإسرائيلي الذي قد يكون سلمها تبادل الرسائل ونص الاتفاق باعتباره معاهدة دولية.

وأكد أن “عون حاول القيام بكل ما في وسعه لشعبه على رغم محاربته على كل الصعد داخلياً وخارجياً”، وقال إن “هذا الاتفاق ليس معاهدة سلام ولا تطبيعاً إنما هو أفضل الممكن بالمقومات الحالية”، مضيفاً “في الاتفاق بصمة طبعها عون سيشهد لها التاريخ”.

اعتراف علني وقانوني

ورأى عضو الوفد اللبناني المفاوض العقيد الركن البحري مازن بصبوص، خلال محاضرة عن مسار مفاوضات الترسيم التي بدأت منذ عام 2002، أن الحدود البحرية هي الخط 29 وليس الخط 23 الذي قبل به لبنان خلال المفاوضات، منتقداً التنازلات التي قدمتها الجهات السياسية والحزبية عن الخط الأول.

وأوضح أن “لبنان تخلى عن الجزء الجنوبي من حقل قانا الذي لا نعرف ما إذا كان يحتوي على كميات تجارية من الغاز والبترول”، مشيراً إلى شروط تمنع الشركات اللبنانية من العمل حتى ضمن الحدود الإقليمية، داعياً إلى مقاومة هذا الاتفاق، لأنه برأيه “لا فرق على الإطلاق بين سلب العدو حقوقنا في البر وبين سلبها في البحر”.

وأكد أن “اتفاق الترسيم كان وليدة مصالح لأفراد المنظومة السياسية والدينية والحزبية الحاكمة في البلاد”، مشدداً على أن الاتفاق يشير بشكل صريح إلى “دولة إسرائيل”، وبالتالي فهو اعتراف علني وقانوني.

تدخل فوري

بدوره اعتبر الصحافي عبد الله قمح وهو من المقربين من “حزب الله”، أن توقيع الأمين العام للأمم المتحدة على الاتفاق والإشارة في تسجيله على أنه موقع بين لبنان ودولة إسرائيل يمثل اعترافاً من جانب الطرفين طبقاً لما ورد ويشكل مرجعاً دولياً، وهو “أمر مرفوض”، بحسب تعبيره.

وطالب قمح في تصريح صحافي الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية بالتحرك فوراً لرفض هذه الوثيقة ورد الاعتبار للبنان وحصر الموضوع بتبادل الرسائل، كي لا تسجل سابقة على الدولة اللبنانية “قد تصبح ملزمة وتمثل اتفاقاً دولياً مع دولة يفترض أننا لا نعترف بها”، بخلاف ما يزعم المسؤولون في لبنان حول أن ما جرى عبارة عن تبادل رسائل من جانب واحد برعاية الولايات المتحدة الأميركية.

وأضاف بأن “الخطر في الموضوع أنه عندما يتحول الأمر إلى معاهدة دولية يعني كأنه ضمنياً اعترفنا بالعدو، وينطبق على لبنان في حينها الموجبات المحددة بموضوع المعاهدة الدولية كالالتزام، وهذه الوثيقة تعد سابقة للدبلوماسية اللبنانية”.

وشدد على ضرورة قيام المسؤولين بتقديم تفسير للشعب اللبناني، وكشف إذا ما كانت الأمم المتحدة قد استغلت وضع الرسائل بين لبنان وإسرائيل التي سبقت الاتفاق عبر الوسيط الأميركي، وذهبت باتجاه اعتبار الاتفاق معاهدة دولية مسجلة لديها.

الترسيم البري

وبعيداً من جدلية الترسيم البحري تشير مصادر وزارية إلى أن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي كان قد تلقى عرضاً أميركياً يتعلق بطرح وساطة حول ملف ترسيم الحدود البرية مع لبنان، إلا أن الجواب اللبناني لم يتلقف هذه المبادرة وفضل تأجيلها إلى ما بعد انتخاب رئيس للبلاد.

علماً أن طيلة السنوات التي سبقت الترسيم كان لبنان مصراً على تلازم الترسيم البري والبحري، لكن مع تقدم المفاوضات وصعوبة القبول ببعض النقاط الخلافية، أبلغ هوكشتاين لبنان بضرورة الفصل بين مساري الترسيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى