أبرز الأخبار

رسائل سريّة عن عون وجعجع …كيف انهى الرئيس الهراوي تمرد عون ؟

نشرت مجلّة “المجلة” التي تصدر في لندن تفاصيل المراسلات السريّة بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والرئيس الأميركي الراحل جورج بوش وكيف استغل الرئيس السوري غزو صدام للكويت في 2 آب 1990، للحصول على ضوء أخضر أطلق يده في لبنان وأنهى العماد ميشال عون وحيّد رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع، قبل القمة السورية- الأميركية في جنيف في تشرين الثاني التي مهّدت لمشاركة سوريا في تحرير الكويت. 

في 4 حزيران 1990، وصل مبعوث أميركي إلى دمشق وسلّم الأسد رسالة تضمّنت بندين، واحدا يتعلق بإيران، والثاني يتعلق بلبنان، ونص الشق الثاني على: “من المحتم أنه من أجل تطبيق اتفاق الطائف. يجب على عون أن يتنحى. يجب أن يتوقف كل دعم لعون. في رأينا تستطيع سوريا، إذا أرادت أن تتخذ إجراءات لمنع الإمدادات من الوصول إلى عون”.

وعن جعجع، أبلغ مبعوث الأسد مبعوثا أميركيا: “سوريا لن تدعم أي شخص أو فئة لا تقف مع وحدة لبنان والشرعية. وعلى الرغم من وجود فارق بين جعجع كقائد لميليشيات وعون كضابط متمرد فإننا ما زلنا نعتقد أنهما يقفان ضد اتفاق الطائف وضد الشرعيّة”.

وعندما قال المبعوث الأميركي: “نعتقد أن عون هو العقبة الرئيسة ولا بد أن يتنحى، لكن موضوع جعجع مختلف ومن المعلومات التي تصلنا من مبعوثي الهراوي علمنا أن جعجع جاهز لوضع نفسه تحت سلطة الشرعية… ونعتقد أن سوريا إذا أظهرت لجعجع نوعاً من الثقة فإن هذا سيكون عاملا حاسما في حل الوضع في بيروت الشرقية”، رد مبعوث الأسد: “معلوماتي أن جعجع مناور بارع”.

نائب الأسد: جعجع يناور 

يقول نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، الذي حمل الكثير من الوثائق والأوراق الرسمية معه من دمشق الى باريس في 2005 قبل انشقاقه نهاية العام، إن جعجع “استمر في المناورة أمام ضغط الوضع العام في البلاد والتوجه العربي لدعم الشرعية، لذلك حاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب ووضع أكبر قدر ممكن من الألغام، ولذلك بعث إلى الرئيس الهراوي بالرسالة التالية عبر صهره فارس بويز إلى خدام والأسد بتاريخ 6 تموز”. هذا نصها: “تطبيقا لوثيقة الوفاق الوطني اللبناني وتمشيا مع مبدأ بسط الدولة اللبنانية سلطتها على منطقة بيروت الكبرى تمهيدا لبسطها على كامل الأراضي اللبنانية واستعادة مؤسساتها وتسهيلا لمشروع المصالحة الوطنية الشاملة ولبناء العلاقات المنصوص عليها في اتفاق الطائف بين لبنان وسوريا في إطار سيادة واستقلال كل منهما. تعلن القوات اللبنانية ما يلي:

1 ـ الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني بكافة فصولها وبنودها (…) 2ـ الالتزام بالشرعية وكافة مؤسساتها (…) 3ـ تسهيل تطبيق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة (…) 4ـ تسهيل إقامة العلاقات بين لبنان وسوريا المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني (…) 5ـ تسهيل تطبيق مشروع بيروت الكبرى… كخطوة أولى مرحلية نحو بسط سلطة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية تتعهد القوات اللبنانية بسحب كافة عناصرها وكافة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وعتادها العسكري من تلك المنطقة وتحويل ثكناتها ومراكزها إلى مراكز مدنية وسياسية على أن يؤخذ بعين الاعتبار وضع بيت الكتائب المركزي وقيادة القوات اللبنانية وملحقاتها وحمايتهم وطرق الوصول إليهم مرحليا إلى حين الوصول إلى الحل الكامل للميليشيات على كل الأراضي اللبنانية وكل ذلك يتم بالتلازم مع:

1ـ دخول القوى الشرعية إلى مناطق وجود عون في بيروت الكبرى.

2ـ انسحاب مماثل لكافة القوى والتنظيمات المسلحة الأخرى في بيروت الكبرى ما عدا منطقتي الضاحية والمخيمات بصورة مرحلية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع أو تسرب الأسلحة أو عناصر مسلحة من هاتين المنطقتين أو أية منطقة أخرى إلى بقية أنحاء بيروت الكبرى.

6ـ تسهيلا لإعادة بناء الجيش اللبناني على بسط سلطة الدولة، تتعهد القوات اللبنانية بتسليم الجيش بقيادة العماد (إميل) لحود وقوى الأمن الداخلي كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي حصلت عليها خلال المعارك الأخيرة، كما تتعهد بتسليم الدولة اللبنانية وإدارتها كافة المعدات التي تعود لها فورا على أن تشكل لجنة مشتركة من الجيش اللبناني والقوات اللبنانية لتحديد مضمون هذا البند”.

بيكر للأسد: لإنهاء الحصارات 

في 24 حزيران 1990 استقبل الأسد السفير الأميركي في دمشق و”عرض على الأسد رسالة وزير خارجيته جيمس بيكر قائلا إنها تتضمن أفكار الرئيس بوش الشخصية، وهي- أي الرسالة- موجهة إلى الأسد”، حسب المحضر.

وأضاف: “عزيزي السيد الرئيس (…) أود أن أؤكد لسيادتكم أن أهدافنا هي إعادة سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه الإقليمية، وانسحاب جميع القوات الخارجية، وحل الميليشيات. إن القصف المستمر الذي تتعرض له الموانئ الواقعة في الجيب، والانهيار المؤقت لوقف إطلاق النار غير المستقر في 3 يونيو/حزيران، يثير شبح وجود جولة أخرى من القتال، واسعة النطاق (…) يصبح من الأهمية أكثر من أي وقت مضى، أن يمارس جميع الأطراف بما في ذلك القوات السورية أقصى درجات ضبط النفس وبذلك يمكن للأطراف تحاشي أي كوارث لا معنى لها أبدا قد تحدث في المستقبل (…) نحن لا نعتقد أن القوة العسكرية من شأنها أن تحل المشاكل التي يعاني منها لبنان، كما أظهر تاريخ الأحداث منذ 14 سنة بصورة واضحة أنه يتعذر ذلك ويسرني أن أسمع أنكم تشاطرونني هذا التقدير (…) ويجب أن أطلعكم يا سيادة الرئيس أنه كانت لدينا تحفظات حول المعالجة التي كان يطرحها الجنرال ميشال عون لمعالجة الموانئ غير الشرعية والعنف الذي نجم عن ذلك وقد أعلمناه بمخاوفنا هذه، ولا شك رغم ذلك- من وجهة نظرنا- كان الجنرال عون فعلا يتحدث عن مجموعة هامة من الآراء في لبنان تماما كما يمثل الدكتور الحص من جانبه. هو قائد القوات المسلحة اللبنانية، لذلك فإن تعاونه وتعاون حلفائه سوف يكون ضروريا إذا ما بوشر في حوار بين اللبنانيين تحت ظل ورعاية جامعة الدول العربية في أي وقت في القريب العاجل.

سيادة الرئيس، إننا في إعلاننا لموقفنا هذا نريد أن تعرفوا أن الولايات المتحدة تعترف بأن الحكومة السورية لديها مصالح هامة في العلاقة مع لبنان ولكننا نعتقد أن هذه المصالح تكون في أفضل مأمن داخل سياق تسوية سياسية شاملة بين اللبنانيين وعلاقة لبنانية- سورية طبيعية. كما أننا أعلمنا حكومتكم عن مخاوفنا الخطيرة حول الدور الذي يلعبه الجيش السوري بالقصف المدمر وسوف نستمر في التعبير عن مخاوفنا… المخلص لكم، جيمس بيكر”.

الأسد ردّاً على بيكر: لا نريد إلغاء دولة لبنان 

وعلّق الأسد: “… فيما يتعلق بإنهاء الحصارات دون شروط، فمن الذي بدأ الحصار؟ إنه عون… كان رافضا، وحتى الآن يرفض عون هذا. إنهاء الحصارات لا خلاف عليه، نحن لسنا الذين نقدر إنهاء الحصارات أو عدمه، يتفق اللبنانيون على إنهاء الحصار؟ ينهونه… كيف ستوافق القوى الوطنية على أن تأتي بواخر تحمل سلاحا وذخائر للشرقية، وكلهم على قناعة بأنها ستنزل على رؤوسهم. ثم، ألا يشجع استمرار وصول الذخائر والأسلحة ميشال عون على استمرار القصف، خاصة وأن القوى التي تحرضه لا تحرضه لسواد عينيه أو لسواد عيون اللبنانيين وإنما لأسبابها الخاصة، وعلى حساب دماء اللبنانيين”. وأضاف: “… سوريا لا تريد إلغاء دولة لبنان ولكن يبقى السوريون واللبنانيون شعبا واحدا، وإننا لو طرحنا شعار من مع سوريا ومن ضد سوريا فإن الأقلية ستظهر نقطة في بحر”.

في 26 يوليو/تموز استقبل الأسد إلياس الهراوي، وبعد جولة عامة في الأفق حول الوضع في لبنان “تحدث الرئيس اللبناني عن أن استمرار هذا الوضع وعدم اتخاذ إجراءات عملية لإنهاء عون سيؤدي إلى سقوط الشرعية واتفاق الطائف”.

غزو الكويت وانقلاب لبنان 

في 2 آب 1990، اجتاحت القوات العراقية الكويت وحدث زلزال كبير في المنطقة بسبب هذا الاجتياح وغيّر الأولويات. ولا شك أن الوضع الجديد أضعف ميشال عون الذي كان صدام يسانده وكانت بعض الدول العربية تتعاطف معه بسبب الضغط العراقي، فالاجتياح خلق حالة جديدة زادت من تعقيدات الوضع بالنسبة لعون.

في 19 آب، استقبل الأسد الهراوي الذي تحدث كثيرا. وبين ما قاله: “جميع الاتصالات مع عون، لم تصل إلى نتيجة وأن عون مستمر في إجراءاته وفي تعقيده للوضع، وأنه لا بد من إنهاء عون لإكمال الإصلاحات”.

وتحدث عن دور الدولة. وأضاف أن “بقاء عون مشكلة كبيرة وبالتالي لا يعرف متى تنتهي أحداث الخليج لاسيما وأن الأميركيين نفسهم طويل”. وأشار إلى التحضيرات العسكرية التي شملت استعداد الجيش للزج بثمانية آلاف جندي وتقديم السوريين المدفعية والذخائر والسلاح، قائلا: “أملنا هو الخلاص من عون، وأعتقد أن مجرد عرض العضلات سيؤدي إلى انهيار”.

الأسد للهراوي: القرار حاسم حسب الوضع الدولي 

قال الأسد للهراوي: “بعد عون أليست هناك مشكلة؟ الحلقات الأخرى، أقصد القوات اللبنانية ألا تحتاج إلى جهد عسكري؟”. قال الهراوي إن سوريا “تحل مشكلتي” بري وجنبلاط، و”صهري (وزير الخارجية الأسبق فارس بويز) يقول إنه قادر على حل قصة جعجع”.

وتضمنت “رسالة” الأسد للهراوي، أيضا: “نعيش معكم ونشارككم أفكاركم ومشاعركم ولست ضد تمنياتكم، انطباعي أن موقف الفرنسيين ليس إيجابيا ولا بد من الاتصال لمعرفة موقفهم الحقيقي وهم متشبثون بعون، حرصنا على سرعة الحل ليس أقل من حرصكم. الوضع خطير في المنطقة، لذلك إحساسنا بأهمية الحل ليس أقل من الماضي، وتبقى مشكلة لبنان لها خصوصيتها بالنسبة لنا، لكن التداخل العجيب بين مصالح الدول الإقليمية ولكل دولة مشكلة”.

وزاد الأسد: “هناك مشكلة العراق، وهناك تفسيرات وتساؤلات كثيرة. موقف سوريا لم يتغير من أي مشكلة والآخرون يتحدثون عن العراق كما كنا نتحدث نحن، هناك من الدول من يتمنى أن لا تؤثر مشاكل أخرى على ترتيباتهم المتخذة سواء السياسية أو العسكرية (الولايات المتحدة بالنسبة لموضوع العراق والكويت). تعرفون كنا جادين وأرسلت قوات ولم نسحبها حتى لا يتكون انطباع بأن القوة رجعت وهناك عشرون سببا يدفعنا للانتهاء بسرعة، لنا مصلحة بعدم تصديع جبهة اتفاق الطائف. نريد معرفة الجو العالمي ورأيكم، لأن بعض القوى العالمية تخشى التشويش الآن على استراتيجيتها”، لإخراج صدام من الكويت. ووعد بـ”قرار حاسم في ضوء التطورات الإقليمية والدولية”.

رسالة أميركية للأسد: على عون التنحي 

في 7 تشرين الأول، استقبل خدام السفير الأميركي لمدة طويلة، حسب محضر الاجتماع، قال دجيرجيان: “لدي رسالة… خلال مقابلة الشرع للسيد بيكر أخذ هذه المبادرة بإمكانية استعمال القوة العسكرية ضد الجنرال عون، وطبعا بيكر ذكّر السيد الشرع بموضوع لبنان على أنه نوقش بشكل عام مع الرئيس الأسد وأن موضوع الحل العسكري لم يبحث”.

وأضاف المحضر: “قال بيكر: إن أي عمل عسكري من جانب سوريا ضد عون ربما سيساء فهمه وربما أيضا سيستغل من قبل صدام، وقال الشرع لبيكر: لا يوجد سوء تفاهم فيما يتعلق بالوضع بين الولايات المتحدة وسوريا، وأن سوريا تنظر أو ترى الموضوع بالطريقة نفسها”. وأضاف السفير الأميركي: “كما قلتم لي سيادة نائب الرئيس، بأن سوريا الآن ليس في منظورها أن تحول الانتباه عما يجري في الخليج في الوقت الحاضر. وكما قال الشرع للسيد بيكر خلال اتصالاتنا: إن الحل العسكري قد يأتي عن طريق الهراوي أو القوات اللبنانية. وقال الشرع لبيكر: لا شك سنأخذ بعين الاعتبار آراء أو وجهة نظر الولايات المتحدة. وعلى أسس هذه النتائج وفي اليوم نفسه قابل السيد وزير الخارجية معاون وزير الخارجية السيد (جون) كيلي.

وفي المحادثات نفسها عندما تحدث السيد الشرع مع كيلي، قال إن الهراوي أو قائد الجيش سيقوم بأي عمل عسكري بشرط أن يحصل على دعم سوريا في هذا العمل، أي إذا كان سيقوم بعمل عسكري فإنه يود دعم سوريا في تنفيذ هذا العمل. وطبعا بيكر أكد للسيد الرئيس، وكما أكد الرئيس للقيادة اللبنانية في اجتماع السيد الرئيس مع الهراوي بالتزام سوريا بالحكومة اللبنانية الشرعية، وقال للبنانيين أن يفكروا أكثر من مرة في حال لجوئهم إلى أعمال العنف، وحذرهم من أن أي عمل يفترض أن تكون سوريا متدخلة فيه قد يحول الأنظار عن الخليج وسيكون لفرنسا والفاتيكان الفرصة لمعارضة اتفاق الطائف. ولذلك فإن السيد الرئيس نصح اللبنانيين أن يتشاوروا حتى لا تستغل فرنسا والفاتيكان هذا الموقف. وفي هذا الإطار عندما قال كيلي إنه عندما سألنا اللبنانيون عن إمكانية اللجوء إلى العمل العسكري، قلنا إن الولايات المتحدة ليست في وارد إعطاء الضوء الأخضر لتلك العملية رغم أننا كنا على اتفاق بأن عون يشكل عقبة وأن الولايات المتحدة لن تذهب إلى السوريين في هذا المجال. كما طلب منا اللبنانيون وكما أعاد السيد كيلي للسيد الشرع أنه لدى الولايات المتحدة أسباب تدفعها لترضى بعمل عسكري، كما تحدثنا سابقا في هذا الموضوع، وقال كيلي إن التقدم السياسي الذي أحرزته الحكومة اللبنانية مؤخرا وأكد كيلي أنه ليس من جانبنا أي شيء يشير إلى أننا ندعم عون، نريده أن يتنحى”.

وزاد: “الولايات المتحدة لم ولن تعطي (اللبنانيين) الضوء الأخضر من أجل أي عمل عسكري، إنها مسؤوليتهم. أريد أن أقول لكم الكلمات الدقيقة التي تحدث بها السيد بيكر؛ إن أي هجوم على عون قد يساء فهمه ويستغل من العراق، نحن لا نقول إننا ندعم عون، نحن لا ندعمه”.

ورد خدام: “على كل حال الحكومة اللبنانية لديها انطباع آخر عن الموقف الأميركي، الحص استنتج بشكل واضح، وكذلك الهراوي، أن الحكومة الأميركية لا مانع لديها وأن الأمر يتعلق بالحكومة اللبنانية، طبعا دقة الموضوع بالنسبة لنا، نحن فعلا نرى الآن في الظروف الراهنة أنها غير ملائمة بسبب الوضع في الخليج. لكن المشكلة الكبرى التي نواجهها أن عون وجماعته واتجاهات أخرى في لبنان تروج أن سوريا لا تريد إنهاء عون وهي عمليا ضد اتفاق الطائف رغم أننا كل يوم نصدر مائة تصريح حول تأييد الطائف وتأييد الشرعية في لبنان ولم نترك وسيلة لنحاول إقناع اللبنانيين أننا مع الشرعية ولكن مع ذلك هناك تشويش كبير على موقف سوريا”.

رسالة من الهرواي للأسد: قررنا إنهاء التمرد ونريد دعم القوات السورية 

إزاء تطور الأوضاع في لبنان وأزمة الخليج، جرت مناقشة إمكانية العمل العسكري والذي تلح عليه الحكومة اللبنانية، وجرت عدة لقاءات على المستوى العسكري بين عسكريين سوريين ولبنانيين، واتخذت كافة التحضيرات لتنفيذ هذا العمل. وبعثت دمشق رسالة إلى بيروت، تفيد بأن المشاركة السورية في العملية العسكرية تتطلب وجود طلب لبناني “حتى يكون العمل في إطار الشرعية وإسقاطا لأية حملات في المستقبل، لاسيما وقد دخلنا لبنان عام 1976 بطلب من الرئيس سليمان فرنجية والجبهة اللبنانية”.

في 9 تشرين الأول 1990، سلم فارس بويز مبعوث الرئيس الهراوي، وصهره، لخدام رسالتين للأسد وخدام، ومحضر اجتماع الحكومة اللبنانية وقرارها بالتحرك العسكري. وهذا نص رسالة الهراوي للأسد: “سيادة الأخ الرئيس الفريق حافظ الأسد حفظه الله، تحية طيبة وبعد: عطفا على مباحثاتنا السابقة التي تناولنا فيها الرأي حول الأوضاع اللبنانية العامة وما تعانيه من الحالة الشاذة المتمثلة في تمرد القائد السابق للجيش وعصيانه على السلطة الشرعية. وبالإشارة إلى القمة السورية- اللبنانية الأخيرة التي ضمت في الجانب اللبناني كلا من دولة رئيس مجلس النواب السيد حسين الحسيني ودولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص، وتناولت بالبحث استمرار القائد السابق للجيش في تمرده ومواقفه السلبية وما ينبغي اتخاذه من تدابير وإجراءات لوقف النزف اللبناني والقضاء على التمرد مما يتيح للسلطة الشرعية إكمال مسيرة الإنقاذ والوفاق والسلام، يسرني أن أعلم سيادتكم بأن مجلس الوزراء تداول في التاسع من هذا الشهر في كل هذه الأمور وقرر بالإجماع تأكيد قراراته السابقة بتكليف الجيش اللبناني إنهاء تمرد القائد السابق للجيش، ومناشدة سيادتكم، عملا بوثيقة الوفاق الوطني ومن واقع العلاقات الأخوية التي تربط بين سوريا ولبنان، إعطاء أوامركم الكريمة إلى القوات العربية السورية المتمركزة في لبنان لمؤازرة الجيش اللبناني في تنفيذ المهمة الموكلة إليه.

إنني على ثقة كبيرة، يا سيادة الرئيس، بأن استجابتكم السريعة لهذا المطلب إنما تعكس عزمكم الأكيد على المساهمة الفاعلة في إنقاذ لبنان وفي تحقيق أماني الشعب اللبناني وآماله بوطن عزيز يعمه الأمن والسلام والاستقرار، وأن لبنان السليم المعافى سوف يحفظ لسوريا الشقيقة بقيادتكم الحكيمة، الدعم الكبير الذي يلقاه منها كلما اشتدت عليه الصعاب وكلما احتاج إلى العون والمساعدة. حفظكم الله يا سيادة الأخ الرئيس، وسدد خطاكم لما فيه عزة الشعب السوري الشقيق، ولما فيه مصلحة العرب ومصلحة بلدينا. والسلام عليكم. أخوكم، إلياس الهراوي”.

وتضمّن المحضر الذي سلّم لخدام، مراحل “تمرد” عون وتعاطي الحكومة معه، و”حيث إن استمرار القائد السابق للجيش في مواقفه يشكل عقبة في وجه تنفيذ مراحل هامة وأساسية من وثيقة الوفاق (…) قرر مجلس الوزراء ما يلي:
أولا: تأكيد قراره السابق القاضي بتكليف الجيش اللبناني وضع حد نهائي لحركة العصيان والتمرد التي يقودها القائد السابق للجيش، وبالطلب من القيادة السورية إصدار أوامرها إلى قواتها المتمركزة في لبنان لمؤازرة الجيش اللبناني في تنفيذ المهمة الموكلة إليه وبسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية.

ثانيا: تـفويض فخـــــامة رئيــــــــس الجــــمهوريـــــــة إعـــــلام الـــــقيادة السورية العليا بمضمون هذا القرار. أمين عام مجلس الوزراء، هشام الشعار”.

الفصل الأخير… عون إلى السفارة الفرنسية 

في 13 تشرين الأول 1990، قامت القوات السورية الموجودة في لبنان بالاشتراك مع الجيش اللبناني بشن هجوم واسع على منطقة سيطرة عون مهدت بقصف مدفعي وبتدخل الطيران. أعلن عون استسلامه وانتقاله إلى السفارة الفرنسية في بيروت، وفي الساعة الثانية عشرة كانت المنطقة كلها تحت السيطرة. وهكذا انتهى “الجنرال المتمرد”.

وتم اتفاق بين الحكومة اللبنانية والسفير الفرنسي بعد مفاوضات دامت عدة أيام على ترحيل عون إلى فرنسا ضمن شروط معينة، منها أن “لا يعود إلى لبنان قبل فترة محددة” (عاد بعد خروج القوات السورية في 2005 وعاد إلى العمل السياسي وصولا إلى لقائه الرئيس بشار الأسد في دمشق).

وفي 23 تشرين الثاني 1990 التقى الأسد ببوش في جنيف. كان الأسد قد تخلص من خصمه اللبناني وحليف خصمه العراقي. هكذا فهم الأسد ومستشاروه رسائل مبعوث الرئيس الأميركي في الانقضاض على عون في لبنان بـ”شرعية” الجيش اللبناني، بعد أشهر من فهم خاطئ لصدام للرسائل والإشارات الآتية من السفيرة الأميركية إبريل غلاسبي قبل غزو الكويت.

في قمة بوش، ذهب الأسد حاملا “رأس عون” ومحاصرا جعجع بانتظار لحظة الانقاض عليه في 21 نيسان 1994. وتقررت مشاركة سوريا في التحالف الدولي لإخراج صدام من الكويت والانتقال من ضفة دولة إلى أخرى، وإطلاق عملية سلام عربية- إسرائيلية في مدريد شهر تشرين الأول 1991، وتلقي سوريا مساعدات مالية واستضافتها لتشكيل تكتل جديد باسم “إعلان دمشق” ضم دول الخليج وسوريا ومصر، وفك العزلة ونجاة النظام من الرياح العاتية التي هبت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية وبروز النظام العالمي الجديد بقيادة أميركا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى