أبرز الأخبار

من أين تأتي قوة “حزب الله” والتمويل؟

من المعروف أن “حزب الله” يمتلك أسلحة “جيش متوسط الحجم”، مستنداً إلى كمية الصواريخ التي يمتلكها ونوعيتها، بحيث اعتبرته تقارير عدة “كأقوى جهة غير حكومية في العالم”، لكنه يستمد قوته من الدعم الإيراني، وهو لذلك لا يخفي ولاءه الأيديولوجي للنظام الإيراني، ويذكر في بيان صادر عنه في 16 فبراير (شباط) 1985، “أننا أبناء أمـة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسـست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسـد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”.

ولكن قوة الحزب الحقيقية تكمن في مصادر تمويله، إذ يعترف نصرالله بأن مصادر التمويل تأتي من طهران، ويقول في خطاب له في يونيو (حزيران) 2016، “نقول للعالم كله، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من إيران، ولا أحد له علاقة بهذا الموضوع…”. وكانت مصادر لبنانية قد قدّرت أن المبالغ التي كان يتلقاها الحزب في فترة الثمانينيات بنحو 100 مليون دولار سنوياً، لتصل إلى 600 مليون دولار عام 2017، لكن تقارير غربية وعربية استقصائية كثيرة ذكرت منذ سنوات، ما يلي: “إذا ما تابعنا لائحة العقوبات التي تصدرها الولايات المتحدة الأميركية بشكل دوري، وراقبنا البلدان التي تنتمي إليها المؤسسات أو الأشخاص، لوجدنا أنها تغطي مساحة شاسعة جغرافياً من هذا العالم، يعني أن حزب الله لا يعتمد في تمويله فقط على إيران”، كما أن الحزب لا يعتمد في حركته المالية على الحوالات أو الحسابات المصرفية، حتى نواب ووزراء الحزب يتلقون رواتبهم نقداً من الدولة اللبنانية، وهذا معروف”. وإذا عدنا إلى كلام نصر الله خلال مقابلة تلفزيونية في يوليو (تموز) 2019، بعد العقوبات الأميركية التي أنزلت بنوابه، قال: “بالنسبة إلينا هي معركة بيننا وبينهم، وبالنسبة إلى الإخوة، لا أموال لديهم في البنوك، وهي جزء من الحرب القائمة”.

شبكات تمويل “حزب الله” السرية

لا شك أن الحزب تمكن من بناء اقتصاد خاص به مُوازٍ للاقتصاد اللبناني، حتى بات يعرف بـ”الاقتصاد الرديف“، منها “جهاد البناء”، و”شركة وعد”، و”القرض الحسن”، و”النية الحسنة الخيرية”… إلخ. كما أن أمواله لا يتم تحويلها عبر الجهاز المصرفي الرسمي في لبنان، بل إنه وبحسب مصادر مراقبة لحركة نقل الأموال للحزب من إيران، ودول أميركا اللاتينية، وأفريقيا إلى لبنان، فإنها تحصل عبر مطار بيروت الدولي ومن سوريا براً.

وفي هذا السياق، تظهر وثيقة بحثية صادرة عن معهد Chatham House “تشاتام هاوس” البريطاني، المتخصص في الأبحاث الاستراتيجية، أعدتها مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد، لينا الخطيب، في يونيو الماضي، الطرق المختلقة التي يسيطر بها “حزب الله” على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكيف يمكن النظام السياسي في لبنان الحزب والجهات الفاعلة الأخرى من ممارسة السلطة من دون مسؤولية. وتستند الورقة البحثية بشكل أساسي على زيارات ميدانية للبنان بين 2005 و2020، ومقابلات بحثية وجهاً لوجه وعبر الإنترنت، فضلاً عن محادثات غير رسمية مع مجموعة واسعة من الفاعلين وأصحاب المصلحة، بمن فيهم أعضاء الجماعات السياسية والخدمة المدنية والجيش والمنافذ الإعلامية.

وتقول الخطيب، إن الحزب بصفته لاعباً هجيناً صعد ليصبح أكثر المنظمات السياسية نفوذاً في لبنان، وبات يتمتع بالشرعية داخل الدولة اللبنانية، وقادراً على العمل من دون المساءلة المطلوبة، سواء من الدولة أو المسؤولية تجاه الشعب اللبناني. وترى أن من شأن سيطرة الحزب على وزارة المالية أن “تغطي تورطه في غسل الأموال ضد تدقيق الدولة، لا سيما في ما يتعلق بالتدفق النقدي إلى حزب الله من الشتات الشيعي، وهو مصدر تمويل لا تتمتع به الأحزاب السياسية الأخرى في لبنان”. وتتابع أن انخراط الحزب في غسل الأموال كمصدر للإيرادات موثق جيداً، وقد غزز ضعف الدولة اللبنانية ذلك من خلال ضعف المراقبة وتنظيم المؤسسات التجارية والمالية، فضلاً عن التشريعات السرية المصرفية طويلة الأمد في البلاد. وكانت وزارة الخزانة الأميركية تتعقب النشاط المالي غير المشروع لـ”حزب الله” في لبنان والعالم، ما أدى إلى إغلاق عدد من البنوك في لبنان (مثل البنك اللبناني – الكندي)، ثبت أنه سهل مثل هذا النشاط.

التورط بتهريب المخدرات

وبحسب الوثيقة البحثية، يعتبر تورط “حزب الله” في عمليات التهريب عبر الحدود، بما في ذلك المخدرات، مصدر دخل مهماً للجماعة. وتؤكد أن انخراطه في تهريب البضائع قد ازداد خلال العامين الماضيين حين تضرر كل من لبنان وسوريا بأزمات اقتصادية حادة. وفي عام 2020، اجتذب تهريب “حزب الله” للبضائع المدعومة من الدولة اللبنانية لبيعها في سوريا، اهتماماً عاماً كبيراً. ويمكن ربط انخراطه في تهريب القمح والوقود المدعومين بالضغوط الاقتصادية التي يواجهها وداعمته الرئيسة إيران، نتيجة العقوبات الأميركية على طهران وعليه بسبب انخراطه في الحرب السورية. وتشرح الوثيقة كيف يقوم بتهريب زيت الديزل والبنزين من لبنان إلى سوريا من خلال التعاون مع ماهر الأسد ولوائه الرابع. فزيت الديزل المدعوم من الدولة في السوق اللبنانية يباع بسعر وسطي يبلغ 9000 ليرة لبنانية، ما يعادل (47 سنتاً أميركياً)، إلا أنه يقوم ببيعه بالاشتراك مع اللواء الرابع في سوريا بسعر وسطي يقدر بـ15 ألف ليرة لبنانية، (78 سنتاً أميركياً).

وتضيف الخطيب أن النفوذ الذي يتمتع به “حزب الله” على الخدمة المدنية هو بمثابة قناة أخرى لتحقيق الأرباح، كما الحال مع الأحزاب الأخرى في لبنان، مشيرة إلى أن المدير العام لكل وزارة يستطيع الوصول لأموال مخصصة يمكن استخدامها من دون توقيع الوزير.

وأضافت، “هذا يسمح للحزب، بالوصول للأموال بغض النظر عمن هو الوزير وفي أي وقت. وتحصل الأحزاب في الحكومة، من بينها “حزب الله”، على مثل تلك الأموال من خلال وجود وزراء يقدمون منحاً للمنظمات غير الحكومية، (بعضها وهمي) التابعة لهم”.

وتخلص إلى أنه في حين يعد “حزب الله” عاملاً مساهماً في ضعف الدولة اللبنانية، فهو أيضاً نتاج النظام السياسي في لبنان، لافتة إلى أنه مع استمرار وجود النظام السياسي الحالي هناك، لن يكون ممكناً الحد من قدرة سيطرة الجماعة على لبنان.

ومع تصنيف دول غربية عدة تلك الجماعة “إرهابية”، فإن سيطرتها على السلطة ستحرم لبنان من المساعدات الخارجية التي يعتمد عليها.

سوسن مهنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى