أبرز الأخبار

المسيحيون يتحضّرون… معركتنا الكبرى في هذه المكان

“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح

كُلّما اقتربنا من شهر كانون الثاني موعد إحالة قائد الجيش إلى التقاعد، كُلّما ارتفعَ الضجيج المتصل بوضعية قيادة الجيش. ما يبدو حاسماً لغاية اللحظة (في حال لم تنجح التدخلات لتعديله)، أن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، لن يرفع اقتراحاً إلى مجلس الوزراء بتعيين رئيس للأركان، ولن يقبل أن تتولى الحكومة طرح التعيين بمعزل عن وجوده أو عدم وجود اقتراح مرفوع منه. ويدعم موقفه عملاً بقرار مرجعيته السياسية على اعتبار أن الحكومة الحالية “مقيّدة ضمن الحد الأدنى لتصريف الأعمال”.

على النحو ذاته، لم يلاحظ أن سليم يُقفل الباب على الخوض بنقاشات مهما اختلفت تفسيراتها إفساحاً في المجال أمام “خيارات أخرى” لإعفاء الجيش من “معمودية النار”، لكنه ليس في وارد المساومة. أما التخريجة التي ما برحَت مرجعيته ومقرّبون منه ومنها وضباط يتولون تسريبها، فلا تزيد عن تكليف الضابط الأعلى رتبة إدارة شؤون المؤسسة مؤقتاً، وهو في الوضع الحالي عضو المجلس العسكري اللواء “الكاثوليكي” بيار صعب.

ما يُنبئ عن المباحثات الأخيرة جملة قضايا. بداية يعتبر وزير الدفاع أن الموقع الحالي في قيادة الجيش واقع تحت تهديد الشغور مع ترجيح كبير في حصوله. وربطاً بعدم القدرة على تعيين قائد جديد في ضوء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية والعطب في مجلس الوزراء، وعدم وجود رئيس للأركان تُحال المهمة إليه ربطاً بالمادة 21 من قانون الدفاع الوطني لعلّة الشغور أيضاً، فإن وزير الدفاع يصبح صاحب الحق الحصري والمسؤول عن التقرير بمصير قيادة الجيش.

على طاولته جملة اقتراحات “يُنظر فيها”، ومن خلفه “جيش” من قانونيين ودستوريين تطوّعوا لدرس احتمالات الخروج من المأزق وفق تخريجات لم تُسقط من بالها، إحتمال التوجه صوب الحكومة للضرورة القصوى. إضافة إلى ذلك، ثمة رهان أن المرجعيات السياسية أو غيرها، ليست في وارد بعث رسائل سلبية إلى ما يسمى “المجتمع الدولي” وتحديداً إلى الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها “حاضنة الجيش” ويهمها وضعه القانوني تسهيلاً لانتظام التعاطي المؤسّساتي معه، وتحرص على إبعاده عن أي هزّة أو شغب أو تفسير قانوني خاطئ لا يخدم نظرية “الإنتقال السلس”.

في ما مضى من أيام، قدم اقتراح إلى وزير الدفاع بأن تتولى الحكومة المصرّفة للأعمال تعيين رئيس للأركان، دون الخوض في أي تعيينات أخرى. وبرّر الطلب أنه يأتي في سبيل استمرار تسيير عمل مؤسسة الجيش كمرفق، إضافة إلى عدم تعريض الجيش لأي خضّة سواء داخلية أو خارجية. وقد استخدمت روح القانون الإداري لتبرير أي مخرج، عملاً بمبدأين إداريين: “تسيير المرفق العام، والضرورات تبيح المحظورات”. وبالتالي نذهب ضمن توافق “الحد الأدنى” إلى الحكومة لتعيين رئيس للأركان. لكن ما عطّل ذلك فضلا عن عدم تشجيع وزير الدفاع له، موقف “حزب الله” المتكامل مع الخيار المسيحي “الطابش” لأن تخوض هذه الحكومة في أي شأن ذات صلة بالتعيينات. في هذا الوقت ما تخلت قوىً عن الدفع قدماً صوب هذا الخيار، معتقدةً أن اللحظة السياسية إضافةً إلى الضغوطات الخارجية قد تفعل فعلها. لذلك، شهدت الأسابيع الماضية حصول “لقاء تعارفي” بين المرشح الأبرز لتولي رئاسة الأركان، العميد الركن حسان عودة، ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي تيمور جنبلاط ووالده الزعيم وليد جنبلاط، فيما وصفت مصادر اللقاء بالإيجابي، ما فسرّ أن عودة نال بركة المختارة.

بعيداً من ذلك، كان ثمة من وضع “خطة باء” لطرحها في حال اقتناع الجميع أن إمكانية التعيين في مجلس الوزراء قد سقطت نهائياً، وتولي الرتبة الأعلى أمامها عقبات ليست سهلة. من بين الأفكار المشجعة، الإستعانة بمرسوم “تنظيم دعوة الإحتياط إلى الخدمة في الجيش”، الصادر تحت الرقم 2345 عام 1992 بناءً على قانون الدفاع الوطني، والمعدل بموجب المرسوم رقم 16426 لعام 2006 والمرسوم 1823 لعام 2009، والذي ينصّ في المادة الأولى منه على “تقسيم الإحتياط إلى 3 فئات” – الفئة الأولى “تتألف من المتطوعين المُسرّحين من الخدمة الذين لا يزالون ضمن مدة الإحتياط”، بالإضافة للمادة 3 المتصلة بـ “استدعاء الإحتياط”. إذ يجوز لوزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش أن يقوم بـ”الإستدعاء للإلتحاق بالخدمة لمدة لا تتجاوز الستة أشهر”، مع ضرورة الإشارة إلى كون النص لم يجب عن سؤال بديهي: هل يجيز الإستدعاء تولي المستدعى ذات المركز السابق أم لا؟

عملياً وفي حال طبّق الإستدعاء المنظور إليه كوسيلة أفضل وأكثر قانونيةً حتى الآن، يستفيد من مضمون المادتين الأولى والثالثة رئيس الأركان السابق اللواء الركن أمين العرم، المُحال إلى التقاعد منذ مطلع العام الجاري والموضوع في الإحتياط. وبعد، ثمة سوابق تدعم هذا التوجّه. ففي العام 2015 صدرَ عن وزير الدفاع السابق سمير مقبل القرار 1437 وتضمن “استدعاء اللواء الركن الإحتياطي إدمون فاضل إعتباراً من 21 أيلول 2015 ولمدة ستة أشهر”، ما أفاد في استمراره مديراً للمخابرات، مع العلم أنه استفاد عام 2013 إبان ولاية وزير الدفاع الراحل فايز غصن بقرار تأخير تسريح. ومع الأقرار بأن الإقتراح جائز، فإن ما يعرقله، موقف وزير الدفاع والنزاع المتفاقم بينه وبين قائد الجيش، علماً أن سليم كان رفضَ في السابق توقيع قرار بتأخير تسريح العرم.

لكن ثمة من يعتبر أن استدعاء فاضل من الإحتياط، صدر آنذاك أثناء توليه مسؤولياته، وقبل يوم واحد من إحالته إلى التقاعد، ما يختلف عن حالة اللواء العرم المحال إلى التقاعد منذ 7 أشهر. التبرير لهذه “العّلة” يأتي من خلال مرسوم تنظيم الإحتياط. وطالما أن العرم ما زال مدرجاً ضمن قوائم الإحتياط، إذاً يحقّ لوزير الدفاع الإفادة منه.
غير أن العبور إلى هذا الحال يحتاج إلى قرار يصدره الوزير. فهل أن سليم في هذا الوارد؟

طبقاً للمعطيات المتوفرة، لا يبدو الأمر في المتناول. يؤكد ما يسرّب أن سليم مبدئياً، مؤيد لفكرة أن يتولى الضابط الأعلى رتبة في الجيش (اللواء بيار صعب) مهام تسيير شؤون القيادة بالتكليف، والوزير ينتظر اللحظة المناسبة لإصدار قراره، فيما الإنتظار يأتي إفساحاً في المجال أمام حصول تطورات على صلة بموضوع رئاسة الجمهورية.

في حال حصل، فإن تولي الضابط الأعلى رتبة أمامه عقبات ومحاذير. أولها يرتبط بنقاش قانوني – إداري جار، مفاده أن اللواء صعب يتبع عملياً لمؤسسات وزارة الدفاع، ومعين في المجلس العسكري كعضو مستقل ربطاً بموقعه. وطالما أنه لا يتبع هرمياً لأركان الجيش، إذاً لا أمرة له على أي من الأركان. فهل يجوز تعيين ضابط لا أمرة لديه على ضباط الجيش وعناصره ولو كان أعلى رتبة؟

نظريةٌ تجد، كحال أي موضوع آخر، من يدعمها ويدحضها، على اعتبار أنه وفي حالة الشغور الكامل في القيادة، فإن الأمرة تعود لوزير الدفاع، وللأخير الحق في تكليف من يشاء، لاستمرارية تسيير المرفق العام، مع العلم أن لا نصّ يدعم هذه النظرية.

ثمة أمر آخر لا يقل شأناً. فربطاً بالجو المسيحي العام لا سيما جو “التيار الوطني الحر” المحسوب وزير الدفاع عليه، هناك دفع لتقديم خطاب عنوانه رفض “تفريغ المواقع المسيحية” من شاغليها. وإن سلّموا بما يمليه القانون في رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، فإن الأمر سيان في قيادة الجيش، وستكون المواجهة قدراً محتوماً أمام المسيحيين كعنوان لـ”رفض الخضوع والإستسلام ولفرض التوازن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى