أخبار دولية

“رفعت الأسد هو من قتل كمال بك… وسليم الحص معلّمي”…عصام نعمان يكشف عن أحداث الماضي

عصام نعمان. نائبٌ مرّة، وزيرٌ مرّة، والقهوة التي شربناها بضيافتِهِ إخترناها مُرّة مثل هذا الزمان. هو صديقُ كمال جنبلاط وسليم الحصّ. وهو من صاغ أفكار الحركة الوطنية في لبنان التي تبعثرت لاحقاً إرباً وانتهت بقرارٍ من وليد جنبلاط. شاهدٌ هو على مراحل ومواقف ونتائج وأحداث. وهو ردّد مراراً في حديثِهِ: أقول ذلك للتاريخ. لقاءٌ وتفاصيل بدأها بتعليق: نوال نصر، الإسم غير طائفي، فأهلا وسهلا بك.

راح في البداية «يتحزّر» عن آل نصر. إذا كنتِ من الجنوب فأنت ربما من القليعة. وإذا كنتِ من جزين فأنتِ إذاً من بكاسين. وإذا كنتِ من الشوف فأنتِ من بشتفين. وإذا كنت من قضاء عاليه فأنتِ من بحمدون وإذا وإذا… وإذا كنتِ من بيروت فأنتِ من الأشرفيه. وجدها أخيراً. وانطلقنا في الحديث. هو «في مرحلة الشباب الثاني – كما سماها – أصلي من عترين في الشوف، الواقعة بين بعقلين وبيت الدين. جدي هو علي نعمان حسن كان شيخ صلح. أصل العائلة حسن ونعمان من جب حسن. وانتقلت العائلة مع الجد الى صيدا. هناك ولد عصام نعمان. وأتت قبله نجلاء (طبيبة نسائية) ونهلا ثم عفيف ومنيف وعصام (هو) ووجدي وزياد. الأسماء كلها علمانية. والوالدان هما حسين ورتيبة.

في الطفولة، دخل الى مدارس صيدا «دخلت مدارس من كل الألوان. درست في المقاصد الخيرية الإسلامية ثم انتقلت الى الفرير ماريست ثم الى معهد جيرارد الإنجيلي. كنت متميزاً في اللغات. وفي المرحلة الجامعية نزلت الى بيروت». والإنطباع الأول الذي تولد في ذاكرته وقلبه يوم كان في صيدا «أنه بعد هزيمة الجيوش العربية وفصائل المقاومة الرديفة أمام العصابات الصهيونية بدأت تنكفئ تلك الجيوش لكنها استمرت تتصرف وكأنها انتصرت في حين أنها هزمت. فكرتُ كثيراً في الموضوع وأدركت منذ ذاك الحين أننا شعوب تعشق الإثارة. تهزم وتتصرف على أنها منتصرة».

إنطباعٌ شكّل رؤيته في المراحل اللاحقة. دخل الجامعة الأميركية في بيروت ونال شهادة بكالوريوس في الإدارة العامة. ثم نال دبلوماً في علم السياسة وانتسب الى الأكاديمية اللبنانية وهي أوّل معهدا لتدريس الحقوق في موازاة كلية الحقوق في اليسوعية. هو معهد علّم فيه أفذاذ لبنان في ذاك الحين: إدمون رباط وإدمون كسبار وغيرهما. ومن معلميه كان كمال جنبلاط وغسان تويني ويقول «نحن طلاب الأكاديمية فرضنا إنشاء الجامعة اللبنانية، وذلك من خلال تظاهرات قمنا بها في الشارع». درس في الجامعة اللبنانية الحقوق وكانت الأطروحة التي أعدها في ذاك الحين: مجلس الوزراء في لبنان «وجدتُ في أطروحتي أن السلطة التنفيذية كانت معقودة الولاء الى رئاسة الجمهورية. ويوم شنّ الطيران الإسرائيلي غارة على المبنى الذي يسكنه في منطقة الروشة ودمره إحترقت أطروحتي». بعدها أكمل درجة الدكتوراه في القانون العام من جامعة كولومبيا – سان رافائيل في كاليفورنيا.

لم يدخل والده في المجال السياسي لكنه كان صديقاً لكثير من السياسيين وبعضهم تسلّم مناصب عليا في لبنان وسوريا ويقول «كان يحضر هؤلاء الى منزلنا ويتجاذبون الكلام في السياسة وفي سواها. وكان والدي معجباً بكمال جنبلاط لصدقه والتزامه مصالح الناس وقيامه بتوزيع بعض أملاكه في سبلين – في إقليم الخروب – الى أبناء قريته والعاملين في مزرعته». ويستطرد «كان طبيعيا أن اعجب به أيضا. وأكثر ما أعجبني في حينها أنه اعترض وبقوة على ما أسماه هو وغيره إعدام انطون سعاده من خلال محاكمة صورية. كتب جنبلاط في حينها مقالة عنها: المدرسة التي أقفلوها بعد إعدام سعاده. نشأتُ في بيت معارض للنظام الطوائفي القائم. وبقيت هذه الإنطباعات والتوجه في أعماق تفكيري. بعد ذلك، في سنتي الجامعية الأولى إنتسبتُ فترة وجيزة الى الحزب الإشتراكي ووجدتُ أن هناك مجتمعاً سياسياً في الجامعة أوسع مما هو خارجها. العديد من الأحزاب الوطنية والعلمانية العروبية واللبنانية كانت متمثلة ولها اعضاء في الجامعة. وكان التيار العروبي السائد متأثراً بشدة بجمال عبد الناصر وتجربته في مصر وتأميمه قناة السويس ومواجهته العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني والإسرائيلي. تأثرتُ بمبادئ وتجربة حزب البعث العربي الإشتراكي المؤيد آنذاك لعبد الناصر لكنه ما لبث أن اختلف معه بعد دخوله الى السلطة، الأمر الذي حملني على الإبتعاد عن البعث وعن كل الأحزاب القائمة، عن خيرها وشرها. إبتعدتُ تنظيمياً لكني بنيتُ لنفسي من خلال قراءاتي وعملي الوطني». – ظل يشدد طوال حديثه على كلمة وطني – فكرة ورؤية متميزة استمرّت معي وألخصها بستة مبادئ: الحرية والديموقراطية وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع».

كل تلك المحطات أسّست لدخوله وإسهامه لاحقاً في تأسيس الحركة الوطنية. ويقول: «كنتُ معجباً جدا بكمال جنبلاط». ماذا يتذكر عن اللقاء الأول معه؟ يجيب «في الحقيقة، ما اذكره أنه في مرة من المرات أخذني جدي، الطاعن في السن، مع مجموعة من محبي كمال جنبلاط في قريتي عترين إليه في المختارة. كان جنبلاط قد أخذ موقفاً وطنياً مهماً. ذهبنا إليه لإبداء الإعجاب. وما رسا في ذاكرتي يومها أنه فسّر لنا لماذا اتخذ موقفه ضدّ السلطة الحاكمة وضرورة أن يكون السياسي وفياً للمبادئ والشعارات التي يرفعها وأن يقرن القول بالعمل. بعدها تعاونتُ مع كمال جنبلاط كرأسٍ للمعارضة ولاحقاً كرئيس للحركة الوطنية. وأتذكر أنني كتبت مقالة في مجلة الصياد، التي كان يرأسها صديقي جان عبيد، حول ضرورة قيام جبهة وطنية كي لا تبقى القوى مشرذمة. أذكر أن كمال جنبلاط دعاني لزيارته وتناقشنا حولها. واجتمعنا بعدها مع كل من الأحزاب التالية: الحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة الإشتراكيين التي كان يرأسها محسن إبراهيم وغيّر إسمها الى منظمة العمل الشيوعي وحزب البعث العربي الإشتراكي وكان معنا منظمة الناصريون المستقلون بقيادة إبراهيم قليلات، وبعض الشخصيات المستقلة الوطنية المعارضة مثل ألبير منصور».

ماذا عن اللقاءات الأولى التي ضمّت تلك الأحزاب؟ يجيب: «حدثت مناقشات حثيثة بيننا من أجل البحث في إمكانية الجمع بين هؤلاء في إطار جديد. وأذكر أنه حين طُرح السؤال عن الإقتراح لإسم الإطار الجديد قال كمال جنبلاط: قرأتُ كتاب صديقنا عصام بعنوان رؤية جديدة للقضية العربية اطلق فيه على القوى الوطنية الحركة الوطنية فما رأيكم في هذه التسمية؟ أجابوه بالموافقة».

عصام نعمان هو صاحب إسم «الحركة الوطنية». ويقول: «بعد نحو عام من قيام الإطار جرى طرح بوجوب أن يكون للحركة برنامج. ومرة جديدة قال كمال جنبلاط: لا يمكن أن نكتب جميعنا البرنامج فلنكلف أحدنا بذلك وعرض المسودة علينا. وأنا أقترح صديقنا عصام لذلك. سماني. حصل ذلك بحضور إنعام رعد رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي ومحسن إبراهيم أمين عام منظمة العمل الشيوعي وجورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي وابراهيم قليلات وهاني فاخوري وغيرهم. إنتهيت من كتابة البرنامج في أسبوع واستخلصته ليس من خلال ما كنت أكتب وأطالب بل من خلال كل ما تطالب به مختلف أحزاب الحركة الوطنية. وقمت بنشر المسودة في جريدة السفير قبل عرضها على مجلس قيادة الحركة الوطنية بصراحة كي لا يذهب جهدي سدى. عرضت المسودة ونوقشت وتم الأخذ بنحو تسعين في المئة منها».

يسرح عصام نعمان في الذكريات. ويقول: «أذكر أن رشيد كرامي – وكان رئيساً للوزراء – إستخلص من المطالب المطروحة من الجميع، من اليسار واليمين والوسط، وثيقة سماها: الوثيقة الدستورية حتى ولو لم يكن لها علاقة بالدستور ولم تعرض على المجلس النيابي لتعديل الدستور. على أثر ذلك تقرر في عهد سليمان فرنجيه إجراء حوار في السراي يضم جميع القيادات وكل قيادي تمثل بمستشارين. كمال جنبلاط إختار أحد أركان حزبه وهو عباس خلف الذي كان نائباً له وأنا صديقه في الحركة الوطنية. وشارك في الهيئة الوطنية للحوار منتصف السبعينات عبدالله اليافي وبيار الجميل وكميل شمعون… ولم ينتج عن الحوار شيء. إجتمعوا، ناقشوا، تجادلوا، ولم يخرجوا بشيء.

ما أشبه اليوم بالأمس. إضطربت الأمور سياسياً وأمنياً وصار بحث مع المسؤولين السوريين في عهد حافظ الأسد ووزير خارجيته آنذاك عبد الحليم خدام. إبّان حرب السنتين . وأذكر أن حافظ الأسد أرسل خدام الى لبنان، الذي مكث في القصر الجمهوري طوال يومين، من اجل متابعة سير الحوار. وذات يوم، إستيقظت من النوم على رنين الهاتف. كان المتصل كمال جنبلاط الذي دعاني لزيارته. كان منزله بالقرب من فرن الحطب المتفرع من مار الياس. وحين وصلت كان في غرفة نومه. كان مستلقياً على فراشه أرضاً. وهذا من مظاهر الصوفية التي يعتنقها. كان بين يديه كتاب ومعه شخصان من المتصوفين هما الشيخ عمر الخطيب والشيخ عاطف العجمي. قال لي: تفضل عمي. جلست على طراحة أرضاً وقال لي مبتسماً: يجب أن تنضم إلينا. كان يقرأ أشعارا لأحد المتصوفين وكان الخطيب وعجمي يرددانها وراءه. بعد ربع ساعة أغلق الكتاب وقال لي: أعجبتُ بملاحظاتك على الوثيقة الدستورية. وأنا اخذتها وأضفت عليها ملاحظتين او ثلاثاً. إستلّ مقالاً من تحت وسادته ودعاني لأقرأه. وقال: سأنشرها. إعتقدتُ أن اللقاء قد انتهى. إنتقل جنبلاط الى الغرفة المجاورة وبدأ في حلاقة ذقنه أردتُ المغادرة فقال لي: هناك أمر آخر قد يكون أهم. هناك إتفاق أتى عبد الحليم خدام على أساسه وهو تشكيل حكومة جديدة لتنفيذ الوثيقة الدستورية، ستكون من إثني عشر عضواً، أربعة تسميهم الحركة، أربعة تسميهم الجبهة اللبنانية، وأربعة مستقلون. أنا سميتك. أجبته: ممنونك كمال بك لكن قد يكون هناك من هم أفضل مني. ذكرت له أسماء. أجابني: يا عمي أنا اخترتك أنت. رفضت. لم أكن مستعداً للجلوس مع أفراد من الجبهة اللبنانية على طاولة واحدة. كنت معارضاً في فورة شباب وفتوّة. في كل حال – يستطرد نعمان- حصل بعد يومين إنقلاب الأحدب فغادر خدام من دون تشكيل الحكومة».

إغتيال جنبلاط

نتابع الإصغاء الى عصام نعمان: «في تلك الفترة كان الفلسطينيون أقوياء عسكرياً ويستلمون الساحة اما الحركة الوطنية فلم تكن تحمل السلاح، في حين كانت الكتائب قد تسلحت». نقاطعه بالقول: كانت الكتائب بلا شك بحاجة ان تحمي نفسها لذلك تسلحت. أليس كذلك؟ يجيب: «في البداية كان السوريون أقرب الى اليمين. ودخل الجيش السوري الى لبنان لأمرين: تهدئة الوضع الأمني وتهدئة الفلسطينيين. ما أقوله الآن أحاول تصحيح التاريخ به. علاقتنا مع السوريين ساءت لأنهم إنحازوا الى الجبهة اللبنانية ثم إتهامهم بقتل كمال جنبلاط، مع أنني أعرف أن من قتله هو رفعت الأسد. حافظ الأسد حينها أصيب مرتين بغيبوبة، ورفعت كان اولى من غيره لاستلام مكانه. كان لديه سرايا دفاع يرتدي عناصرها اللون الخمري. لا أعرف ماذا حدث سوى أنه أجهز على كمال جنبلاط. بتقديري أن حافظ الأسد أذكى من أن يرتكب هكذا فعل. هذا تحليلي».

سنسلّم جدلا أن رفعت الأسد فعلها لكن، هل كان يملك القدرة على إعاقة التحقيق في ملف إغتيال كمال جنبلاط؟ يجيب: «القاضي قواس (حسن قواس هو من تولى ملف التحقيق في الجريمة) أجرى تحقيقاته ولا أملك، في الحقيقة، معلومات عما إذا حصلت عرقلة أم لا». لكنك كنت مقرباً من الضحية ومحام؟ يجيب «كنت مقرباً منه يوم كان حياً. في كل حال، هناك مقولة عن أن القاضي القواس لم يصل بالتحقيق الى آخره. هناك أمور كثيرة حدثت على الأرجح».

جريمة إغتيال المعلم كمال جنبلاط تستمر ضمن «القيل والقال». نتجاوزها ونتابع. يقول نعمان: «بعد إستشهاد جنبلاط إستمرت الحركة الوطنية لكنها فقدت رأسها وزعيمها فاستمرت ضعيفة الى حين حصول الإجتياح الإسرائيلي العام 1982. يومها كان وليد جنبلاط قد إنتخب أميناً عاماً للحركة كرمى لوالده، لكنه قرر حلّها من دون مراجعة المجلس السياسي الوطني والأمانة العامة للحركة الوطنية واللجنة التنفيذية». هل قصد ذلك؟ يجيب: «لا أدري لماذا فعل ذلك وماذا كان دافعه. وأتمنى لو يطرح هذا السؤال عليه. كل ما عرفته أنه قرر حلّها». ألم تسألوه؟ «لم نجتمع بعدها».

ماذا عن علاقة عصام نعمان مع وليد كمال جنبلاط؟ يجيب: «علاقتي به عادية، لا باردة ولا حارة. هو أتى بأشخاص ومتعاونين من جيله لقيادة حزبه. بعد العام 1982 لم يشهد لبنان قيام جبهة ولا حتى إئتلافاً للقوى الوطنية التقدمية. الحركة الوطنية كانت آخر إطارجبهوي في تاريخ لبنان المعاصر. وأنا منذ ذلك الوقت أعمل من أجل تجديد الإطار».

هو يصر على تجديد الإطار الحركي وأنشأ العام 2021 الحركة الوطنية للإنقاذ والتغيير لكنه يعترف انها «ما زالت قاصرة عن ضمّ جميع القوى الوطنية».

سعادة النائب

بعد الطائف، في العام 1992، أصبح نعمان عضواً في مجلس النواب اللبناني. لماذا إختير؟ يجيب: «قبل أن يصبح الياس سركيس رئيساً للجمهورية كان حاكماً لمصرف لبنان المركزي. هناك تعرف على الرئيس سليم الحص الذي كان رئيسا للجنة الرقابة على المصارف. ويبدو انه أعجب به. كان سليم الحص أيضا استاذ الإقتصاد في الجامعة الاميركية وعلمني. وقد اختاره سركيس رئيساً للحكومة ثلاث مرات. كان متميزاً في تفكيره واسلوبه الخاص في العمل السياسي وتميّز بالعلم والنزاهة. في تلك الأثناء كانت محاولة لإجراء حوار وطني واختارني وليد جنبلاط لأمثله فيه. لا اعرف لماذا ربما لان الشباب الصغار معه لم يكن عودهم قاسياً بعد. اختارني انا ومروان حماده وفؤاد شبقلو. وانتهى الحوار الى فشل».

هكذا تنتهي الحوارات في لبنان دائماً. وصلنا الى الطائف. وكان سليم الحص رئيساً للحكومة. وتبنى الطائف. وأنجز مشروع قانون دستوري عرضه على مجلس النواب عدل بموجبه الدستور اللبناني وأدخل فيه كل إصلاحات الطائف ما عدا اللامركزية الإدارية التي سماها البعض تقسيماً. إتفاق الطائف أدرج في الدستور بمسعى من سليم الحص». هنا نقاطعه بسؤال: كيف صحّة سليم الحص اليوم؟ يجيب: «متوعك جداً وابنته نقلته من بيروت الى منزله في دوحة الحص».

بعد الطائف، قرر رينيه معوض بموجب إستشارات أجراها قبيل إستشهاده تسمية سليم الحص رئيساً للحكومة. إغتيل معوض. أتى الياس الهراوي وسماه وشكّل الحكومة. كنت في ذاك الحين قد انتسبت الى ندوة العمل الوطني التي يرأسها سليم الحص ونائبه كان عصام سليمان الذي أصبح رئيس المجلس الدستوري. ترشحت الى الإنتخابات على لائحة سليم الحص ونجحت معه. ورفيق الحريري حاربنا كثيراً.

نائب مرّة (بين 1992 و1996) ووزير مرة (بين 1998 و2000) فكيف اختير وزيراً؟ هل حصل ذلك بالصدفة؟ يجيب: «سليم الحص هو من شكّل الحكومة. ألّفها وحده. وسأعطيكم مثلاً حياً. في البداية إتصل بي سكرتيره عماد جوديه (كان سكرتير رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود أيضا) وقال لي: مبروك أنت وزير الإعلام. أجبته: شكراً. بعد ساعة عاد واتصل مجدداً وقال لي: أنت وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية. سألته: لماذا؟ أجابني: لأنك أفضل من سينفضها (الشهيد رفيق الحريري كان سلفه فيها)». نسأله: وماذا وجدت فيها؟ يجيب: أووووه. كل أعضاء النادي الأهلي في صيدا عينهم رفيق الحريري موظفين مياومين في الوزارة ويقبضون آخر الشهر. وجدت مخالفات عديدة. وقمت لاحقاً بفرض سند تحصيل بقيمة 500 مليون ليرة على كل من شركتي الخليوي اللتين خالفتا دفتر شروط الإلتزام ونهبتا المال العام. وأنصفت 800 أجير مياوم كان مضى على توظيف بعضهم اكثر من ثلاثين عاماً من دون إجراء مباريات لتصنيفهم وإدخال الناجحين في الملاك…».

في السياق، يتحدث نعمان عن يوم صعد فيه الى القصر الجمهوري للمشاركة في التقاط الصورة التذكارية للحكومة الجديدة: «كنت على طريق القصر الجمهوري حين رنّ هاتفي. سمعت من يقول لي: مبروك معالي الوزير (نسمعه يقلد اللهجة السورية). كان اللواء غازي كنعان. شكرته. أجابني: لا تشكرنا أبداً. هذه حكومة إميل لحود وسليم الحص». ويستطرد نعمان بالقول: «كانت حكومة الحص بالفعل والتدخل الوحيد كان من إميل لحود الذي تمنى أن يسمي والد صهره ميشال المر وزيراً للداخلية»

صداقات عصام نعمان في السياسة بغالبيتها، 99,999 في المئة منها، ممن ينادون بالعروبة. بشاره مرهج صديقه. عباس خلف أيضا. عبد الرحيم مراد أيضا وأيضا. ويقول حين يتفوه باسم مرهج: «قصدته ذات يوم في وزارة الداخلية (وكان وزيراً لها) ورأيته مع ريمون روفايل. قلت له كلمتين: أنا حين كنت نائباً أنجزت قانوناً جديداً للجنسية. لم يأخذوا به. لذا، فلتقم أنت بإعطاء الجنسية الى مستحقيها ومكتومي القيد ولتتذكر أن العروبة لا تعني الإسلام. لا تتوقف عند الطائفة».

أحداث وتفاصيل ومفاصل وخبريات وأسماء يتناولها في حديثه. هو الأب لثلاث بنات هن: هلا وليلى وديمه. أما زوجته، رفيقة العمر، عائدة نعمان فتوفيت قبل عشرين شهراً. كانت إمرأة ناشطة تركت فراغاً في حياته وحياة الكثيرين. هو يقرأ اليوم كثيراً. هو أحب القراءة دائماً. ولديه مقال أسبوعي في القدس العربي. و… نقاطعه بسؤال: ترى ألا يشعر عصام نعمان أن كثيراً من الأفكار المستهلكة التي طالما حملوها لم تعد اليوم صالحة بعدما أصبح العالم في هذا الزمان قرية صغيرة؟ يجيب «لا، أنا صورت فكرة العروبة كثيراً. العروبة مفهوم متعدد المضمون ولا شك أن لها معاني قد تختلف في كل زمان ومكان. لا معنى رسمياً نهائياً لها».

عصام نعمان أين أخطأت؟ سؤال بديهي لرجلٍ له تجاربه. يقول: «يصعب على الإنسان أن يحدد أخطاءه. لكني أقولها بصراحة: أخطأت ولم أرتكب خطايا. أخطأت يوم أعطيت ثقتي الى بعض من تعاونت معهم لكنني عدتُ وابتعدت عنهم من دون الإقتصاص منهم».

هو ينشد الدولة المدنية. هو يتحدث ويسهب عن العلمانية. لكن، هل هي قابلة للتحقيق؟ يجيب: «على المرء أن يسعى».

قبل أن نختم يتذكر صديق لازمه فترة طويلة أيضا هو حسين الحسيني ويقول: أتذكر أنه إتصل بي وسألني وهو في الطائف: عصام هل قرأت وثيقة الطائف؟ أجبته: نعم. ردّ: وكيف وجدتها؟ أجبت: ليست عاطلة. رد مستغرباً: أخذنا أكثر من نصفها من البرنامج الإصلاحي للحركة الوطنية».

نودعه. يهنئنا من جديد بالإسم: ليس طائفياً.

نوال نصر – نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى