أبرز الأخبار

حقيقة العلاقة بين “القوات” والسعودية!

كتب جورج حايك

يصوّب “حزب الله” ومن يدور في فلكه على العلاقة بين “القوات اللبنانية” والمملكة العربية السعودية، ويبدو ان هذه العلاقة توتّر “الحزب”، لذلك تنشط وسائل اعلامه لفبركة أخبار لا تمت إلى الحقيقة بصلة حول طبيعة هذه العلاقة التي نشأت بعد خروج رئيس “القوات” سمير جعجع من السجن عام 2005 وتطورها في الأعوام اللاحقة.

هناك سلسلة أخبار واستهدافات لهذه العلاقة، كان آخرها ما قاله رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب، معتبراً أن السعوديين منزعجون من جعجع بسبب التقارير غير الدقيقة التي أرسلها بحق سعد الحريري إلى السعودية، والتي ساهمت في إبعاد الحريري عن الساحة اللبنانية. رئيس تيار المستقبل نفسه سعد الحريري لم يتّهم مرة واحدة “القوات” بهذا الأمر.

العلاقة بين “القوات” والسعودية لا تشبه كل هذه الأقاويل، وهي أعمق من ذلك بكثير، ولو كانت العلاقة متوترة كما يُشاع منذ أشهر، لقاطع السفير السعودي وليد البخاري معراب، وتوقفت الاتصالات بين قيادة “القوات” والسعودية نهائياً.

والمفارقة أن العلاقة ليست بين دولتين، إنما بين حزب سياسي له تمثيل وازن في البلد من جهة ودولة اقليمية عربية نافذة من جهة أخرى، وبالتالي لا اتفاقيات ولا معاهدات ولا تمثيل ديبلوماسي، إنما علاقة صداقة تعود جذورها إلى الثمانينات وتحديداً خلال حقبة مؤسس “القوات” بشير الجميل، عندما تلقى دعوة رسمية لزيارة المملكة، وشكّلت هذه الدعوة أول “اعتراف عربي” بـ “القوات اللبنانية” في اشارة ضمنيّة إلى عدم الاعتراض على بشير كمرشح للرئاسة.

أما المحطة الثانية فكانت على نحو غير مباشر، عندما وافقت “القوات” على اتفاق الطائف، إلا أن العلاقة دخلت في جمود قسري بعد ان حلّت “القوات” وتم اعتقال جعجع، ودام هذا الأمر أحد عشر عاما أي حتى عام 2005.

مع ثورة الأرز، حصل تقارب بين “القوات” وتيار “المستقبل”، فجمع بينهما النضال من أجل تحرير لبنان من الاحتلال السوري، وشهدت هذه المرحلة ولادة قوى 14 آذار التي تألفت من “المستقبل”، “القوات” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” واحزاب اخرى وبعض الشخصيات السيادية المستقلة من كل الطوائف. هذا التجمّع العابر للطوائف لاقى دعماً استثنائياً من السعودية التي أرادت لبنان حراً، سيداً ومستقلاً، مقابل قوى 8 آذار التي ضمّت “حزب الله” وحركة “أمل” و”المردة” ولاحقاً “التيار الوطني الحر”.

تدريجياً، توطدت العلاقة بين السعودية و”القوات” كأحد المكوّنات الأساسية في جبهة 14 آذار وخصوصاً انها تمثّل المسيحيين، وكانت هناك رغبة سعودية في كسب ثقة المسيحيين، علماً ان هناك علاقة تاريخية بين السعودية والموارنة تحديداً.

استمعت القيادة السعودية لطروحات “القوات” المؤمنة بدولة لبنانية يعيش فيها المسيحيون والمسلمون على قدم المساواة، دولة عصرية تؤمن بنهائية لبنان وانتمائه العربي. وبدا ان المشروع الايراني الذي يمثّله “حزب الله” في لبنان يتناقض مع رؤية السعودية و”القوات” الاستراتيجية، وكانت هناك لقاءات لجعجع مع القيادة السعودية ممثلة بالملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وبعد التعرّف عليه جيداً، كسب ثقة السعوديين أكثر، إذ اكتشفوا رجلاً وطنياً.

في المقابل، وجد جعجع في القيادة السعودية ايماناً قوياً بدور “القوات” وشخص محمد بن سلمان الطموح إلى عالم عربي معاصر بعيداً من الحروب والاضطرابات والمشاريع المذهبية. التناغم السياسي بدا واضحاً بين السعودية و”القوات” حتى في أدق تفاصيل المواجهة.

تنازلات الحريري “الحريص” على السلم الأهلي أوصله إلى ترشيح فرنجية عام 2016، مما دفع “القوات” الرافضة لفرنجية، باتجاه التفاهم مع ميشال عون، في إطار اتفاق حول بنود سيادية.

كان ل “اتفاق معراب تأثير على الحريري الذي ارتضى انتخاب عون، وتأمّن الاجماع عليه، وهذا ما حصل. ورغم كل ما قيل عن الموقف السعودي آنذاك، إلا انه احترم خيارات القوى السياسية اللبنانية، وكان ما كان بعدها من ارتماء عون في أحضان “الحزب” وأمضى 6 أعوام من الإدارة السيئة للبلد أوصلته إلى الانهيار، بعدما عزل “الحزب” لبنان عن المجتمعين العربي والدولي. علماً ان السعوديين لم يتوقعوا أفضل من ذلك من عون، وكل ما كانوا يرغبون به تدخل عون لترسيم الحدود بين الدولة والدويلة، إلا انه لم يفعل ذلك.

تحول جعجع إلى المعارضة، وبقيت علاقته مميزة بالسعوديين، بل علاقة مبنية على الاحترام المتبادل، وفق قول “أهل مكة أدرى بشعابها، “فلا يحاول رئيس “القوات” التدخل بخيارات القيادة السعودية وانتقادها، ولا تسعى السعودية إلى فرض مقاربتها على اصدقائها في لبنان وخصوصاً “القوات”. أما العلاقة بين السعودية وتيار “المستقبل” الذي كان يمثّل الأكثرية السنيّة في لبنان فتتميّز بخصوصيتها واعتباراتها، ولم يحاول جعجع يوماً التدخّل في هذه العلاقة، رغم كل ما كتبته الأقلام المغرضة في هذا الموضوع وخصوصاً المقربين من “حزب الله” محاولين الاستثمار فيه للنيل من علاقة “القوات” بالسعودية من جهة، وعلاقة “القوات” بـ “المستقبل”.

فموقف القوات إن كان سلبياً من بعض القوى السياسية في الوطن، تقوله علناً من دون مواربة، وهذا ما بات أكيداً بالنسبة إلى السعوديين. واللافت ان السعودية دولة كبيرة لها أجهزتها ومخابراتها ودبلوماسيتها وهي تعرف التفاصيل عن كل القوى السياسية اللبنانية، ولا تحتاج إلى “مخبرين” في لبنان لتستعلم تفاصيل ما يحصل، ولا تعتمد هذه الوسائل مع اصدقائها. واللافت أن اداء الحريري السياسي أزعج السعوديين في إحدى المراحل من دون تأثير من أي حزب آخر، وما حصل في السعودية هو ملك الحريري والسعودية فقط. أما الاجتهادات في هذا الموضوع والاستثمار فيه فهو سيئ النيّة وهدفه الحاق الأذى بالجبهة التي تواجه “حزب الله” ومشروعه.

ولا يُخفى على أحد ان قاعدة الاحترام المتبادل لا تزال مستمرة بين “القوات” والسعودية في ذروة استحقاق الانتخابات الرئاسية، وحاول كثيرون دقّ الاسفين بينهما في المرحلة الأخيرة على خلفية علاقة السعودية بفرنجية، إلا ان الصداقة بين الطرفين لم تتأثر. وقد حصل الاتفاق الايراني – السعودي، وراهن “حزب الله” على ممارسة السعودية الضغط على “القوات” للقبول بفرنجية رئيساً، إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل. واعتبرت “القوات” ان السعودية لها رؤيتها ومصالحها ولا علاقة للبنان بهذا الاتفاق الاقليمي، وكانت تقديرات “القوات” دقيقة، والعقم الرئاسي مستمر حتى اليوم. وهذا ما يؤكد ان السعودية لا ترشّح اسماء اي لا فرنجية ولا غيره، إنما الذي لديه مواصفات.

من جهة أخرى، انفتح السعوديون على النظام السوري، وكان لـ “القوات” رأي آخر، إلا ان الاحترام لمقاربة القيادة السعودية استمر. فـ”القوات” لها مقاربتها انطلاقاً من تاريخ النظام السوري في لبنان وعدم اعترافه باستقلال لبنان وسيادته.

لكن هذه الاختلافات في وجهات النظر بين السعودية و”القوات” لا تُفسد بالود قضية، وما يهم “القوات” هو رؤية السعودية للبنان واحترامها لسيادته وخصوصيته وانتظام العمل في مؤسساته والمحافظة على انتمائه العربي، وهذه نقاط مشتركة بين الطرفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى