أبرز الأخبار

جعجع وباسيل يأخذان المسيحيين إلى الهلاك

“ليبانون ديبايت” – المحرر السياسي

قلما تحالف المسيحيين فيما بينهم، وإن تحالفوا كانوا يعودون في أسبابهم ليس إلى نظرة وحدوية تجعل أحوالهم أفضل وحضورهم أمتن، إنما رغبة في إقصاء أو عزل مكون ما. وفي كل مرة كانت ترتد العواقب سلباً، ويتحولون إلى ضحية، ويكونون أول من يدفع الأثمان. ويبدأ مسلسل خسارة الامتيازات، والتراجع السياسي، والعودة بالمسيحيين قروناً سياسية إلى الخلف، ونعود إلى حيث بدأنا، إلى وضعية أسوأ من ذي قبل.

مناسبة الحديث العودة إلى تكرار التجربة على صورة ما سمي “تقاطع القوى المسيحية على مرشح لرئاسة الجمهورية هو جهاد أزعور”، أو على نحوٍ أصح تقاطع القوتين المسيحتين المركزيتين المتمثلتين بجبران باسيل وسمير جعجع؛ من ثم جر المسيحيين إلى مبارزة مع أحد أكبر المكونات اللبنانية.


عام ١٩٧٥ جرَّ المسيحيون إلى مبارزة مع المكون السني انتهت إلى عراك مسيحي – إسلامي ومسيحي – مسيحي، وبعد ١٥ عاما جاءت النتيجة على حساب المسيحيين في الطائف ١٩٩٠، فخسروا الامتيازات كلها التي حصولها عند الاستقلال. الآن التاريخ يعيد نفسه. نعود إلى مرحلة تشبه ما قبل عام ٢٠٠٥ والعزلة المسيحية، ونكاد نكون أقرب إلى مرحلة ٢٠٠٥ بملامستها لذات الشرخ العامودي بين المكونات. عام ٢٠٠٥ خروج المسيحيين من شرنقة الـ٩٠ وما تلاها وذهبوا في اتجاهين، ولو انقسموا لكنهم توحدوا وطنياً مختارين التحالف مع القوتين الإسلاميتين الكبريين، كل على حدا.

المثقفون المسيحيون تحدثوا عن فوائد تلك التحالفات. بالممارسة استرجع المسيحيون شيئاً في الحضور والتوازن، ودفنوا سنوات ما بعد الـ٩٠، ولعل تحالفم مع القوة الشيعية أكثر من عاد عليهم بالأثمان. وهنا لا مجال في السياسية لإنكار فوائد اتفاق مار مخايل وما جناه المسيحيون من وراء الاتفاق. في الرئاسة والوزارة والإدارة والتعيينات. كرست المناصفة وجعلت فوق كل اعتبار، وأكثر المنظرين كرهاً للتحالف مع حزب الله ما أنكر أن الحزب الذي انتصر في لبنان عام ٢٠٠٦ و ٢٠٠٨، وفي سوريا منذ عام ٢٠١٢، وفي اليمن والخليج وفلسطين، وكرس نفسه حالة استثنائية – إقليمية أربكت دولاً أولها إسرائيل. جعل من المسيحيين شركاء في انتصاره عبر التيار الوطني الحر. كرسهم في الإدارة والتعينات، وفي المواقع والرئاسات، ومن على طريق حلب أوصل ميشال عون إلى الرئاسة الأولى. ميشال عون ليس زعيم التيار الوطني الحر. ميشال عون المسيحي القوي والأب الروحي والزعيم المسيحي التاريخي وما يختزنه العقل المسيحي من مفردات “شرعية” وحول الشرعية.

الآن ما الذي يحاول الثنائي المسيحي الجديد فعله؟ يجرون البلد إلى انقسام أخطر من ما جرى عام ٢٠٠٥. يساهمون في محاولة عزل مكون لبناني أثبت حضوره وانتصاره في الإقليم. يذهبون إلى مواجهة “الأسد” الشيعي في أثناء دخول المارد السني في القمم حيث لا مرجعية ولا زعيم ولا شريك مسلم سني لفريق مسيحي لا من يحزنون. يقرر المسيحيون مبارزة الأسد الشيعي المحقق للانتصارات في مواجهة إسرائيل وسوريا واليمن والسعودية وفلسطين فيما الواقعية السياسية لا تطلق صفة من يريد إسقاط هذه الانتصارات في ساحة النجمة بغير المجنون.

السؤال الأكبر: من يدفع المسيحيون إلى أن يكونوا “حجر زاوية” الشرخ في المجتمع اللبنانية، لأي ثمة لا مصلحة.

عام ١٩٩٠ انتهت الحرب بحوالي نصف مليون مهجر مسيحي في أصقاع الأرض. “زمطنا” من التهجير الجماعي على متن البواخر، وكان الثمن الحقيقي أن جنس ما يوازي من هاجر وما زلنا نعيش الخلل الديمغرافي وأبعاده والآتي أسوأ. هل يحتمل المسيحيون جرهم مرة جديدة إلى الهلاك. متى يعقل الثنائي المسيحي، ومتى نكف من المغامرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى