أبرز الأخبار

تفاصيل التحقيقات بفرار الرشيد: العميد براك كبش فداء اللواء صليبا

  • خاص بيروت تايم

لا يمكن وصف خبر فرار المتهم داني الرشيد من سجن أمن الدولة في ساحة العبد في بيروت أمس الأول، وهي منطقة أمنية متشددة، ووصوله بسهولة بعد ساعات من هربه فقط لسوريا وتوقيفه من قبل الأمن العام اللبناني، إلّا بـ «الفضيحة» التي طالت جهاز أمن الدولة، والتي استتبعت بتوقيف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي فادي عقيقي، العميد بيار براك المسؤول عن حماية الشخصيّات حيث كان الرشيد موقوفاً في أحد مكاتب أمن الدولة (وفق رواية جهاز أمن الدولة)، وترك مديرها العام اللواء طوني صليبا رهن التحقيق.

الإشارات عديدة إلى أنّ مديرية أمن الدولة بشخص مديرها العام، مهّدت لتلك«التهريبة » منذ زمن. فالرشيد المتهم بتأليف عصابة أشرار ومحاولة قتل المهندس عبدلله حنا، هو مستشار مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا ومدير مكتب الوزير السابق سليم جريصاتي، وأتى تسريب أمن الدولة لرواية هربه، بعد نجاح الضغوط السياسية-الأمنية على الهيئة الإتهامية في البقاع لتبرئته من التهمة المثبتة في القرار الظني للقاضية أماني سلامة وشعبة المعلومات بتأليف عصابة أشرار وقتل المهندس عبدلله حنا والجناية وفقاً للمواد 335 و336. وفي وقت، كان من المفترض فيه أن يحوّل من سجن أمن الدولة إلى سجن رومية، بعد عدة مطالبات من نائب عام التمييز القاضي جمال الحجار بذلك أسوة بغيره من السجناء من عليهم مذكرات توقيف في أمن الدولة، وتهرّب متكرّر من التنفيذ من قبل أمن الدولة.
«بيروت تايم»، إطلعت على تفاصيل التحقيقات التي خلصت إليها قوى الأمن الداخلي حتى وقت متأخر من أمس، تعرض في هذا المقال أبرز خلاصات التحقيق، وفي طليعتها فرضية أنّ الرشيد لم يسجن أساساً في سجون أمن الدولة، بعد انتقاله إليها من سجن عاليه إذ لا آثار خلع ولا كسر في السجن الذي كان من المفترض أنّه مسجون فيه!
العميد بيار براك: أبرز المتورطين
وأمس الأول، سربت رواية أمن الدولة التي ارتكزت على «خلع الرشيد باب سجنه وهربه عند الساعة الثامنة». وعلى الفور، طلب النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار فتح تحقيق داخل أمن الدولة بحقّ المتورطين بتسهيل هروب  الرشيد.
وبعد ساعات من إستماع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الفاضي فادي عقيقي لمسؤولين في أمن الدولة، تمّ توقيف العميد بيار براك رئيس فرع حماية الشخصيات حيث كان داني الرشيد موقوفاً.
وبحسب مصادر «بيروت تايم»، وخلال التحقيق معه، تبيّن بأنّ الرشيد مسح «داتا» هاتفه، وقام بإزالة كل الإتصالات والمراسلات في اليوم نفسه لفراره.
وهنا السؤال يطرح نفسه: لماذا مسح العميد براك كل شيء عن هاتفه من اتصالات ومراسلات، وتحديدا ليلة إختفاء الرشيد، لو لم يكن متورطا بعملية تهريبه…
لكن رغم مسحه «داتا» هاتفه، ودلالات تورطه، إلا أنّه لا يجب الإكتفاء بتوقيفه بمعزل عن الأعلى منه من المتورطين، عبر تحويله الى كبش محرقة، كونه الضابط  الذي وضع الموقوف تحت عهدته، كما أنّه لم يكن موقوفاً عادياً بل صديقاً مقرباً لرئيس الجهاز الذي يعمل فيه.
فرئيس هذا الجهاز الأمني طوني صليبا وصل به الإهتمام بالرشيد، إلى حد تكليفه النقيب فراس عويدات ليهتم بالرشيد ويؤمن كلّ إحتياجاته. فمن الأبدى اليوم التحقيق معه والتوسّع بالتحقيق وتوقيفه لا إبقائه رهن التحقيق؟
نتائج التحقيق: أمن الدولة تكذب!
في المرة الأولى التي طلب فيها النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار إرسال جدول المسجونين بمذكرات توقيف لدى أمن الدولة، أرسلت بدورها جميع الأسماء باستثناء إسم داني الرشيد، ولدى سؤال المديرية عن داني الرشيد، أجابت بأنّنا سنرسل إسمه في جدول ملحق، طلبه حجار لاحقاً، وأيضا، لم ترسل المديرية الملحق المطلوب، وكسرت إشارة نائب عام التمييز.
وهرب داني أمس الأول، أي قبل ليلة من تنفيذ إرساله إلى سجن رومية بعد ضغط من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، وبحسب رواية أمن الدولة فإنّه «خلع» و«كسر» السجن الذي أوقف فيه.
لكن التحقيقات تقول عكس ذلك. ففرضية أخرى تفرض نفسها بقوة، وتتجلى بالسؤال التالي: هل هرب داني الرشيد أم هُرّب أم لم يكن في السجن أساساً تلك الليلة؟!
وبالأدلة، وفي معاينات الأدلة الجنائية التابعة لقوى الأمن الداخلي التي كانت تجمع الأدلة من سجن أمن الدولة أمس، إنكشفت جملة تناقضات رافقت رواية أمن الدولة، لاسيّما تلك التي تحدثت عن خلع الرشيد لباب السجن والهروب منه. إذ تبين الآتي:
أولاً: تكشف مصادر «بيروت تايم» القضائية أنّه لا آثار خلع ولا كسر لباب السجن الذي إدّعت أمن الدولة أنّ الرشيد كان موقوفاً فيه، أي أنّ رواية أمن الدولة تدعو الى الشكّ والريبة بشأن هرب الرشيد، وهو ما يأخذنا إلى فرضيتين أساسيتين: إما تمّ تهريب الرشيد من قبل عناصر في أمن الدولة الأمر الذي يعزّزه توقيف العميد براك، والإشارات على تورطه بعملية التهريب، وإما، لم يكن الرشيد موقوفا أساساً في أمن الدولة، ولعل المماطلة بإرساله لسجن رومية وكسر إشارة الحجار أكبر دليل على ذلك.
ثانياً، ووفق المنطق، فإنّ الموقوف الذي يهرب لا يجد متسعاً للوقت لأخذ بقية ثيابه معه، ولا يكترث لها أصلاً، في لحظة حرجة كهذه.
أما داني الرشيد، فلا أثر لثيابه في سجن أمن الدولة، وكلّها أُخذت من النظارة التي كان موجوداً فيها، باستثناء قميص واحد كان لا يزال معلقاً.
أما عندما تمّ سؤال حراس النظارة عن هذا الأمر غير المنطقي، إذ من غير المعقول أن يمكث لديهم مسجون لأشهر، دون أثر لثيابه، فكانت إجابتهم بأنّه من المحتمل أن يكون قد أخذ ثيابه إلى الغسيل.
وهي حجة غير مقنعة طبعاً، تظهر المزيد من التضارب والتخبط لدى أمن الدولة حيال ظروف توقيف الرشيد لديها، وعما إذا كان أوقف أصلاً، قبل التشكيك حتى بظروف هربه أو تهريبه.
أما بالشكل، فحجة أمن الدولة لم تكن مقنعة أيضاً.
فإذا خلع داني باب النظارة، الذي لا أثر للخلع فيه، فكيف إستطاع الهرب بعد خروجه من النظارة، ومبنى حماية الشخصيات في أمن الدولة يقع في منطقة محصنة أمنياً، وتحصيناتها تُرى بالعين المجردة؟
ثم، فرضاً أنّ هذا ما حصل، فكيف كانت رحلة هربه إلى سوريا هي الأخرى سريعة؟ ومن مهد وساعد في عملية تهريبه من داخل أمن الدولة وخارجها؟
ثمّ ألا تشير المماطلة بإرساله لرومية، والإنتظار إلى وقت تنفيذ إرساله أمس، للإعلان عن هربه، إلى أنّ ما حصل هو أكبر من مجرد عملية هرب، لسجين هو مستشار مدير عام هذا الجهاز الأمني؟
وكل المعطيات تشير إلى ذلك، وفي مقدمتها سعي المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا إلى ضمان تحويل صليبا من رومية إلى نظارة أمن الدولة منذ أشهر.
لعويدات «قرص… في كل عرس»
كل هذا الموضوع يطرح تساؤلات إذا كان فعلاً في السجن وإذا كان فعلاً قد هرب منذ أن استلمه أمن الدولة من سجن عاليه، لاسيّما وأنّ إحتجازه عند أمن الدولة بحد ذاته موضع شبهة.
فالحال أنّ الرشيد كان موقوفاً لدى شعبة المعلومات، ثم تمّ تحويله إلى روميه، و«بسحر ساحر» أصبح في سجن عاليه، قبل أن يعطي مدّعي عام التمييز السابق القاضي غسان عويدات، وعلى قاعدة «يا رايح كتّر القبايح»، إشارة بتاريخ 22 شباط الماضي، أي قبل يومين فقط من مغادرته منصبه، بتحويله لسجن أمن الدولة.
بيان أمن الدولة… و«جرصة» جريصاتي
في هذه الأثناء، تشيح أمن الدولة النظر عن فضيحتها، تردّ على الإعلام الباحث عن الرشيد بالتالي : «لا تردّ على أيّ تشكيكٍ طبيعيّ أو مُفتعل، إلّا بالإنجازات الأمنيّة المناسبة»
وموازاة لذلك، تقاد حملة «تبييض» لصفحة اللواء صليبا من الفضيحة لاسيّما وأنّه ترك رهن التحقيق. وأحد قادة هذه الحملة، الوزير السابق سليم جريصاتي، المشتبه به معه بالضغط السياسي على الهيئة الإتهامية في البقاع للإطاحة بتحقيقات شعبة المعلومات والقرار الظني للقاضية سلامة.
ففي تصريح له، قال جريصاتي «المقصود الإنقضاض على قادة اجهزتنا الأمنية على غرار ما يحصل راهناً مع المدير العام لأمن الدولة لمجرد فرار موقوف من سجن ، في حين أنّ التحقيق جارٍ بإشراف قضاة نأتمنهم على الرخيص والغالي».
هكذا سخّف جريصاتي حادثة «فرار موقوف» من سجن محصن أمنياً، ويصدف أنّ الموقوف هو مستشار مدير عام هذا الجهاز الأمني، ومدير مكتب جريصاتي!
أما مديرية أمن الدولة، فما زالت على نيتها بإعادة الرشيد إلى نظارتها مرة جديدة، إذ قالت بيانها أمس أنّ «الموقوف سُلّم إلى المديريّة العامّة للأمن العامّ اللبنانيّ للقيام بالإجراءات القانونيّة المطلوبة، على أن يحال مجدّداً على المديريّة العامّة لأمن الدولة صباح غدٍ الجمعة، لإجراء المقتضى القانونيّ بحقّه تحت إشراف القضاء المختصّ»، في وقت من المفترض فيه إجراء المقتضى القانوني بحقّ عناصرالمديرية  المتورطين بقضية تهريب الرشيد، بدءا من رأس المديرية، اللواء طوني صليبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى