أبرز الأخبار

الإستثمار القواتي في البيئة المسيحية: صفر مكعّب!

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

الحزب الذي يقلّد “حزب الله” بكل شيء، ويحاول أن يكون ندّه، ويطمح إلى كسب المزيد من الإهتمام السياسي “على ظهره”، عالق في زمن “حزب الله”. في أدائه ومواقفه وخطاباته. يعيش بشكل يومي سباقاً من أجل اللحاق به، ويوظّف فريقاً طويلاً عريضاً لمهمة رصده، بقيَ بعيداً عن تقليده في المسار الإنمائي. ومقابل تمدّد الحزب إجتماعياً وعلى صعيد المؤسسات، تكاد تنحصر “القوات اللبنانية” إلى حد تحوّلها كائناً مجهرياً.

منذ أن دخل “حزب الله” الحقل السياسي والعسكري والإجتماعي مطلع ثمانينات القرن الماضي، كرّس اهتماماً إستثنائياً في البيئة الشيعية. من منّا لا يذكر مشروع “مياه الشفّة” (مشروع العبّاس اليوم) حيث كان الحزب عبر مؤسسة “جهاد البناء” ينشر “حواويز” المياه في كل شوارع الضاحية، الرئيسية والفرعية، لسد حاجات الناس وقد فرّغ لها شاحنات تتولى تعبئتها على مدار اليوم؟ المشروع هذا الذي يعتقد على نطاق واسع أنه مثّل باكورة دخول الحزب إنمائياً، سبقته مؤسسات تولّت تنفيذ مشاريع إنمائية واسعة، كمؤسستي “الإمداد” و “الشهيد”. الأولى تعنى بالفقراء والأيتام وتتولى مدّهم بالمساعدات وتوفير التعليم، والثانية تولّت الوقوف إلى جانب عائلات شهداء الحزب في كافة المجالات، مع ضمان تأمين مستقبل لائق لهم.

تفرّعت عن مؤسسة “الشهيد” مؤسسات صحية باكورتها مستشفيات تقدم الخدمات الطبية نشرها الحزب من بيروت امتداداً نحو البقاع والجنوب. أشهرها مستشفى “الرسول الأعظم”، المنفتح على تطور دائم ومستمر، وبات يمتلك فرعاً رائداً في معاجلة أمراض القلب، وكُليةً تخرّج عشرات الممرضين سنوياً. كذلك لدى “حزب الله” مؤسسة إسعافية ودفاعاً مدنياً، وفريق إطفاء وجهازاً صحياً متكاملاً (الهيئة الصحية الإسلامية). وحيث لم يتمكن الحزب من إنشاء مستشفى، أسّس مستوصفاً يكاد يكون مستشفى مصغّر يؤمن الخدمات الإستشفائية بأسعار تكاد تكون مجانية، وتكاد لا تخلو القرى الجنوبية والبقاعية من مركز. أما في الضاحية فحدِّث ولا حرج.

على المستوى الحزبي الداخلي، لدى “حزب الله” جهاز داخلي منتظم، ومؤسسة تعنى بالجرحى، وأخرى بالمساعدات الإجتماعية للعناصر، من تجهيز للزواج وصولاً إلى ضمان تعليم الأولاد.

ولدى الحزب برنامج إسكان لعناصره بكلفة رمزية. في الحديث عن القطاع التربوي، أسس الحزب وقياديين فيه، صروحاً تعليمية، بدءًا بسلسلة مدارس الإمام المهدي لغاية مدارس المصطفى وبينهما الكثير، وأسس جامعة (المعارف) بفروع عدّة، ولديه معاهد متنوعة متخصصة في كافة المجالات. ولدى الحزب أيضاً مراكز تسوق وأخرى تجارية (مخازن النور)، وقد أنشأ نظام مكننة شامل، قام خلاله بتوزيع بطاقات ممغنطة (السجاد) على الفقراء وذوي الدخل المحدود، وانشأ قاعدة بيانات رقمية لمساعدته على تأمين الخدمة، ما أتاح لهم الإستفادة من بضائع مدعومة بجودة مناسبة ومن أصناف شتى بات يغلب عليها الإنتاج اللبناني، وأتاح تقديم مساعدات شهرية للمحتاجين منهم من خلال البطاقة، وأتاح لهم كذلك شراء المواد الكهربائية والمنظفات والثياب، حتى الأحذية بأسعار مدعومة، وافتتح فروعاً لتوفير تجهيزات المنازل من مفروشات وبياضات وغير ذلك. وافتتح صيدليات أيضاً.

ول”حزب الله” مصرفه الخاص (القرض الحسن) المنتشر من البقاع إلى الجنوب. أدى هذا المصرف إلى ثورة داخل “المجتمع الشيعي”، ما مكّنه من توفير وتأمين سيولة على شكل قروض بالعملة الصعبة لمن يريد من الناس لقاء رهن الذهب وبفائدة متدنية جداً، وبتسهيلات متنوعة، وأخيراً تحول إلى ملاذ آمن لأصحاب رأس المال الفارين من جحيم المصارف.

وللحزب جمعيات إغاثية إجتماعية متنوعة، منها ما هو معروف ومنها ما لايزال مستتراً، توفر مساعدات عينية وغذائية واستشفائية شهرية وتغطي فواتير أدوية ومساعدات صحية واجتماعية وخدماتية، وتتلقى دعماً مالياً وعينياً، ويسهم الحزب في جزءٍ منها. ولدى الحزب أيضاً بنكاً للدم، ومركزاً لوهب الأعضاء، ومحطات وقود وحتى شركة تقديم خدمة التزويد بالمحطات الفضائية. وفي الضاحية وداخل القرى سواء البقاعية والجنوبية، تنتشر خدمات ولائم “أم البنين” و”مائدة الإمام زين العابدين”.

وفي شهر رمضان، تجوب السيارات التي تقدّم لوازم الإفطار بشكل يومي في المناطق وتمنح الحصص للناس من دون تفرقة. وأخيراً، افتتح الحزب مطابخ تؤمن وجبات الإفطار والسحور ساخنة وطازجة للنازحين الجنوبيين من دون أي كلفة، عدا عن تشكيل لجان تهتم حصراً لشؤونهم… وغير ذلك من الخدمات، ولا مجال لذكر كل شيء.

في المقابل، أين تجد “القوات اللبنانية” وماذا تقدم لـ”المجتمع المسيحي”؟ لا تجدها. لا تقدّم شيئاً. حزب يريد مقاتلة “حزب الله” لا يصرف ليرة واحدة لقاء ذلك. يمتلك أكبر كتلة مسيحية تتألف من 22 نائباً، وليس مستعداً لصرف دولار واحد على حسابها، طالما يعتقد أنه يضمن الحصول على أصواتها مجاناً. كما سائر اللبنانيين، ينتشر الفقر والعوز بين المسيحيين. وكغيرهم من أبناء المجتمع اللبناني، يغرق المسيحيون في المشاكل، من طبابة وسكن ومدارس وجامعات. أمام ذلك، تمضي “القوات” وكأنها غير مسؤولة عما يحصل. كأن لا علاقة لها. لا تهتم إلاّ بتجميع الأصوات، وتجييرها في معارك فارغة، وأخذ المسيحيين إلى البحر وردهم عطشى.

من يتجوّل من بشّري نزولاً باتجاه جبيل وجردها والمتن وريفها إلى بيروت، وامتداداً نحو البقاع وعاليه والشوف وجزين وشرقي صيدا لغاية أقصى بيت في الجنوب، لا يجد مشروعاً إستشفائياً واحداً تولّت “القوات” عليه أو نفّذته، ولا مستشفى. ولا مستوصفاً. لا يوجد مركز إسعاف مدعوم قواتياً أو “حاكورة” يعمل فيها ناشطون بمجال “حقن الإبر”. لا يوجد صيدلية حتى. القوّات التي تُنادي بـ”مجتمع مسيحي أفضل”، لم تنفذ منذ 2005 لغاية اليوم، مشروعاً إغاثياً واحداً يستهدف المسيحيين من أبناء الشرائح المسحوقة.

لا أسّست جمعيات تعاونية، ولا أسّست مدرسة أو جامعة، لا تهتم إلاّ باحتلال المدارس والجامعات الخاصة وفرض سطوتها، والرسمية تحصيل حاصل. لم تؤسّس جمعية تعنى بالمحتاجين من المسيحيين، ولا بالمسنين أو بمرضى السرطان. لم يظهر، لمرة، أن “المقاومة المسيحية” التفتت إلى فقرائها من أبناء المناطق، ولم نشهد مرة على تقديم مساعدات عينية أو فتح مطابخ. لم تؤسس “القوات” محطة وقود لتكون بجوار ناسها خلال الأزمات.

وجدت في دعم “كارتيل” النفط استثماراً أفضل عوض إنشاء المحطات. مستحيل أن تجد في منطقة ما سوبرماركت “قواتية”. تفضل معراب “الإستقواء بغيلان المواد الغذائية” على صرف المال لقاء “كرتونة”.

على الرغم من كل الأموال التي تأتيها من الخارج، رأت قيادة القوات بشراء زوجات المسؤولين لـ”الصيغة” أمراً أفضل من افتتاح مؤسسة لتوفير القروض الميسّرة، بل وجدت في دعم “مؤسسات مكتّف وشركائه” سياسة أفضل.

أخيراً وعند هذه المقارنة، يريد حزب “مفلس” أن يقارع حزباً غنياً ويقلب ناسه عليه. أخيراً أيضاً، لم تؤدِ سياسات معراب إلاّ للإفلاس. مثلاً، مؤسسة إعلامية افتتحت تحت عنوان “مواجهة حزب الله” وناطقة بلسان “القوات”، باتت تبحث عمّن ينقذها من السقوط. لم تجد من ينجّيها من الإفلاس.

حتى “القوات” التي قاتلت وفرّغت صفحات لأجلها، ابتعدت عن دعمها. حزبٌ يعجز عن تأمين موارد صحيفة، كيف له أن يقارع حزباً قدّم ويقدِّم؟ معراب المتبنية نظرية “مقاتلة حزب الله”، إقبض ولا تدفع، تذهب نحو حرق مجتمع كامل لأجل أسباب وأحقاد وغايات. عقم استراتيجيات “القوات” واستغلال البيئة المسيحية كرّسه مصير “نداء الوطن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى