أبرز الأخبار

إلى أي مدى اقترب فرنجية من قصر بعبدا ؟

انشغل البعض منذ أيام بحركة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط التي استهلها بدعوة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية المرشح المدعوم إلى رئاسة الجمهورية من قبل الثنائي الشيعي إلى مائدة عشاء في دارته في كليمنصو وأكملها بزيارة السفارة الإيرانية تلبية لدعوة إلى عشاء من قبل السفير الإيراني مجبتى أماني وختمها بإطلاقه موقفاً حول عدم وجود مشكلة لديه بالسير بانتخاب فرنجية أو غيره إضافة إلى اقتراحه «دوزنة اللجنة الخماسية» المعنية بمتابعة الاستحقاق الرئاسي في لبنان والمطالبة ضمناً بضم إيران إليها لتصبح 5 زائداً واحداً.

وقد رأى بعضهم في هذه الحركة الجنبلاطية بداية انعطافة سياسية نظراً لتجارب سابقة أقدم عليها سيّد المختارة الذي شكّل لفترة طويلة بيضة قبّان لصالح هذا الفريق أو ذاك كما فعل لدى فك تحالفه مع الرئيس سعد الحريري وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة بعد انتفاضة 14 آذار في حين أنه كان رأس حربة في قيادة انتفاضة الاستقلال ضد النظام السوري مثلما كان وراء الشرارة التي أدت إلى اجتياح حزب الله بيروت في 7 أيار/مايو ومحاولة الدخول إلى الجبل.

ولكن إذا كانت هذه الرسائل الجنبلاطية جعلت البعض يقرأ فيها بداية انعطافة تقرّب سليمان فرنجية من قصر بعبدا وتتسبب في إرباك في صفوف معارضي انتخاب رئيس «تيار المردة» في الجانب المسيحي، إلا أن آخرين لا يتناغمون مع هذه القراءة ومع هذه التحليلات. وكان لافتاً تعليق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على موقف جنبلاط بالقول: «إذا متكلين على موقف صديقنا وليد جنبلاط بانتخاب فرنجيه حرير رح يلبسوا». وكأن جعجع مطمئن إلى وضعية الحزب التقدمي الاشتراكي وكيفية تصويت «اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب تيمور جنبلاط الذي تموضع في أكثر من جلسة إلى جانب المرشح ميشال معوض ثم إلى جانب مرشح التقاطع جهاد أزعور انطلاقاً من رفضه السير بخيار فرنجية الذي يعتبره من الخيارات التقليدية. ولعل ما شجّع جعجع على البوح بما قاله هو أن جنبلاط الأب نفسه قال إن موقفه «شخصي وثمة من لا يوافقه على ذلك من اللقاء الديمقراطي».

وبالتزامن مع قراءة رئيس القوات حرصت أوساط في منطقة الجبل على عدم توصيف الموقف المستجد لسيّد المختارة على أنه «استدارة» بقدر ما هو محاولة لتحريك المياه الرئاسية الراكدة وضرورة إنهاء الشغور الرئاسي. وتشدد هذه الأوساط على الحوار الذي يؤمن به تيمور كمعبر للخروج من الأزمة الرئاسية من دون أن تحسم إذا كان على قاب قوسين من رفع الفيتو الموضوع من قبله على فرنجية رغم العشاء الذي جمع العائلتين في كليمنصو تجسيداً للعلاقات التاريخية بين البيتين السياسيين ولتبديد حالة الجفاء بين الطرفين وفتح صفحة إيجابية في موضوع تعيين رئيس للأركان.

والواقع أن لا أحد من الأطراف السياسية في لبنان لديه مشكلة شخصية مع سليمان فرنجية حتى القوات اللبنانية والكتائب، إنما المشكلة هي مع مَن يدعم فرنجية وهو حزب الله وعدم الرغبة في تكرار التجربة المريرة التي حصلت مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، إذ راهنت القوات في حينه على أن عون سينتقل بعد انتخابه وحصوله على دعم أكبر حزب مسيحي إلى نقطة وسطية ولن يبقى متحالفاً مع حزب الله أو متمسكاً بتفاهم مار مخايل، إلا أن النتيجة كانت معاكسة وأدت تغطية العهد للحزب وسلاحه إلى مضاعفة قوته وترسانته العسكرية وإلى مد هيمنته على كل مرافق الدولة ومرافئها.

وإذا كان فرنجية يؤكد أنه سيكون منفتحاً على الجميع بعد وصوله إلى قصر بعبدا وأن «كلمته كلمة» فلا يشك المعارضون بذلك، لكنهم في الوقت ذاته يعتبرون أن فرنجية، الذي يتميّز بوفائه منذ أكثر من 30 سنة لما يسميه «الخط» وللعلاقة المتينة بسوريا والمقاومة، لن يدير ظهره لهذا الخط ولمن دعموا انتخابه، ما يعني أن المشكلة السياسية ستبقى على حالها وسيبقى حزب الله متحكماً بقرار الدولة اللبنانية رغم كل الوعود والتطمينات.

أما الاجتماع الذي جرى الحديث عنه بين مسؤول الإعلام في بكركي وليد غياض ومسؤول الملف المسيحي في حزب الله أبو سعيد الخنسا في دارة النائب فريد هيكل الخازن في محاولة لجس نبض البطريركية المارونية من ترشيح فرنجية، فلا يعدو كونه اجتماعاً عادياً لم تسع خلفه البطريركية المارونية التي لم تلمس لغاية الآن أي جدوى من سلسلة الحوارات التي جرت مع ممثلي الحزب سوى كلام معسول لم يوصل إلى مساحات مشتركة ولا إلى اقتناع لدى الحزب بالشراكة الحقيقية مع مختلف المكونات وبالتخلي عن السياسة الفوقية وإرادة الفرض وخطف قرار الدولة اللبنانية وتوريط البلد في صراعات وحروب ليس بمقدور لبنان المنهك اقتصادياً وحياتياً تحمل أعبائها.

يبقى أن الاستحقاق الرئاسي وإن عاد إلى البروز بعد الدينامية التي أطلقها اجتماع سفراء اللجنة الخماسية في دارة السفير السعودي وليد البخاري للبحث في وضع خريطة طريق لخروج لبنان من المأزق الرئاسي، فإن السؤال المطروح هو هل يمكن فصل انتخابات الرئاسة في لبنان عن الحرب في غزة وعدم ربطها بانتهاء تلك الحرب؟ وهل يعوّل فريق الممانعة على معادلات تلك الحرب لتحسين شروط التفاوض في الداخل اللبناني أم أن النتائج ستأتي معاكسة لطموحاته؟ وإلى حين تبيان النتائج والتحولات بعد حرب غزة ستتعدد التفسيرات لموقف الزعيم الدرزي الذي سيبقى «يتكتك» ويسخر من هذا الشعار أو ذاك ويتقدّم ثم يتراجع قبل أن يلتقط الموجة ويحسم نهائياً موقفه من دعم هذا المرشح أو ذاك حسب الظرف كما يقول فرنجية، فهل يأتي الظرف لمصلحة فرنجية أم لمصلحة قائد الجيش العماد جوزف عون؟

 

سعد الياس – القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى