أبرز الأخبار

“السّلطة” تتلاعب بقائد الجيش

“ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح

ما أنتجته نقاشات الأيام الأخيرة حول مصير قيادة الجيش لم يكن سوى “زوبعة في فنجان”، أو جولةً جديدة من تلاعب الطبقة السياسية بالمؤسسة العسكرية، بدليل النتيجة التي رست عليها جلسة حكومة تصريف الأعمال التي دعيَ إليها أمس.

في المعلومات، أنه سبق أن توسّعت النقاشات خلال اليومين الماضيين تحت شعار “التوافق على تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزاف عون”.

لذلك، سارعَ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بناءً على ما تقدم، إلى تبليغ الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتحضير نفسها لاحتمالية السير في التمديد لقائد الجيش. ومن جهة ثانية قادته عاطفته إلى إبلاغ من زاره أن “الحكومة” ستسير بموضوع تأجيل التسريح، وهو لديه رغبة في ذلك.

هذا كلّه، ولّد أجواءً وصلت إلى “ميرنا الشالوحي”، التي قرّرت المواجهة عبر القصف بجميع صنوف الأسلحة المتوفرة.

عملياً، تلقّى مشروع تأجيل تسريح قائد الجيش، صفعةً قوية أمس من خلال تعمّد بعض مكوّنات الحكومة ممّن يفترض أنهم “داعمون” لفكرة التمديد، الفرار نحو خاصيّة “تعطيل النصاب”.

ويدور في الكواليس كلام مفاده أن “التعطيل” جاء منسّقاً بين المكوّنات كافةً، بمن فيهم رئيس الحكومة، حيث جرى تبادل أدوار في ما بينهم لإسقاط الجلسة، بعد توفّر معطيات مفادها أن بتّ الموضوع سيولّد أزمةً حادة، إلى جانب أنه يفتقد إلى أي دعم قانوني من حيث النصوص.

لذا، جاءت التخريجة على شكل طلب من بعض الوزراء إختلاق أعذار، فمنهم من تذرّع ب”زحمة السير”، ومنهم من علق بـ”عجقة الواجبات الإجتماعية”، فطارت الجلسة.

في الواقع، وضعت بعض المصادر تسريب “خبر التمديد” قبل يوم من طرحه في خانة المتعمّد ولفضح ما يجري طبخه، ما دفع بمكوّنات الحكومة إلى القيام بـ”حركة تكتيكية” قوامها إسقاط إمكانية انعقاد الحكومة لترك احتمالية التمديد قائمة.

ونقل عن محيطين برئاسة الحكومة، أنه من بين أسباب تطيير النصاب، ما تبلّغه مجموعة وزراء عن احتمال حضور وزير الدفاع موريس سليم “المقاطع للجلسات” إلى السراي بهدف “فركشة” ما يحصل.

وفي معلومات المصادر أيضاً، أن من يدعم فكرة تأجيل التسريح، ما زال مصراً عليها رغم كل الظروف السلبية المحيطة بها، وهو أراد من خلال الدعوة إلى الجلسة، ولاحقاً “تطييرها”، إبلاغ رسائل “إيجابية” من أنه سيفسح في المجال أمام بحث الحلول، وفي نفس الوقت يترك “ورقة تأجيل التسريح” على الطاولة.

قضية يخالفها قانونيون، يعتقدون أن إبطال مفعول الجلسة تمّ عن إدراك مسبق لخطورة ما يمضي إليه هؤلاء من مخالفة قانونية صريحة تشكّل سابقة، وقد تصبح قاعدة أو عرفاً، كاشفين أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تعمل على إعداد “دراسة قانونية” تتيح اتخاذ قرارٍ لتأجيل التسريح.

تؤكد أوساط مجلس الوزراء لـ”ليبانون ديبايت”، أن ميقاتي كان في صورة أن الجميع سيسيرون بتأجيل التسريح بمن فيهم “حزب الله”، قبل أن تتغيّر الأحوال صباح أمس مع تسريب الأنباء حول احتمالية السير في التمديد.

تقول المصادر، إن ميقاتي وقع في لغط حول موقف الضاحية أو أساء تقديره أو تفسيره. ووفقاً لما نقل عن مرجعيات معنية في الحزب، أن الأخير يؤيد “أي حل يُبعد الفراغ عن المؤسسة العسكرية”، ما يعني أن الضاحية لم تؤيد ضمناً موضوع التمديد أو تأجيل التسريح، بل كانت على مسافة واحدة من كافة الخيارات المطروحة (تمديد أو تأجيل تسريح، تعيين رئيس للأركان، او تعيين قائد الجيش + سلة كاملة).

ثمة مسألة ثانية ما زالت تحتل بعض الأدمغة، تعيدهم إلى حالة قريبة ومشابهة حصلت مع المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي “اشتغلت” فيه الطبقة طيلة أشهر بموضوع التمديد، وحين حلّ الموعد تبيّن أن بعضها كان يعمل في سبيل “إحراق مراكبه” فخرج إبراهيم مغدوراً. فهل يتكرّر المشهد مع قائد الجيش، بمعنى هل هناك من يريد إحراق جميع فرصه لتبرير السير بواحدة من إثنتين: تعيين رئيسٍ للأركان أو تولّي الرتبة الأعلى مهام القائد؟

يعيدنا ما تقدّم إلى كلامٍ نقل عن لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري ولم يتم نفيه، مفاده أن “ما طُبّق في مصرف لبنان والأمن العام يطبّق في قيادة الجيش”. وأحدث ما نقل عن بري كلام أطلقه خلال لقائه مع نواب من كتلة “الجمهورية القوية”، محدداً مهلة أسبوعين كموعد أمام الحكومة لحسم الموضوع، وإلاّ ستكون هناك جلسة برلمانية مطلع الشهر المقبل.
في هذه الأثناء، ما زالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، تترأس “جبهة” القتال من أجل التمديد لقائد الجيش جوزاف عون. وهنا تُشير مصادر، إلى أن الأميركيين يستأنسون بموقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في هذا الصدد، ولو أن أهدافهما متضاربة.

أمّا ما الذي تريده واشنطن من دعم عون تحديداً؟

ينقلنا هذا الجو إلى مخاوف أميركية من استغلال “محور المقاومة” حالة اللا- توازن في الجيش واختلاف التفسيرات، من أجل تمرير شخصية قيادية مختلفة عن “البروفايل” المطلوب أميركياً. لذلك، نُقل باستمرار عن زوار السفارة تخوّف الأخيرة من أن يأتي ضابط إلى سدّة القيادة في الجيش “لا ترتاح له إدارتها، ويعيق التعاون ما بين الجانبين والخطط الموضوعة لتطوير قدرات الجيش”.

ما زاد الطين بلّة، أن بعض الأوساط أخذت تطرح اسم العضو المتفرّغ في المجلس العسكري اللواء بيار صعب، كاحتمال واقعي كونه يحوز الرتبة الأعلى في الجيش، فيما ذهب البعض إلى الوشاية به أمام الأميركيين كالقول إنه محسوب بالكامل على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وإن “حزب الله”، “له فيه” بمقدار ما لباسيل، فيما هو يورّط نفسه أحياناً في مواقف تزيد الأمور تعقيداً.

لذا، لوحظَ أن السفارة أخذت تتدرّج في مواقفها من دعم التمديد إلى فكرة تعيين رئيسٍ للأركان أخيراً، وفي ما بعد “تغطية” الحكومة في حال وقع خيارها على تعيين قائد جديد للجيش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى