أبرز الأخبار

القطريون يُغرون “حزب الله”… فرنجية أم البيسري؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

ضاع الملف الرئاسي اللبناني في بهو التطورات الجارية في فلسطين المحتلة وغزّة ومعركة “طوفان الأقصى” وما استحوذت عليه من إهتمام محلي، وطابع إقليمي ودولي. وأمام هذا المشهد غير المألوف فلسطينياً يكاد الملف اللبناني يتحول ثانوياً، أو لا قيمة ظرفية له في هذا التوقيت.

عند هذا الحدّ، بدت عطلة نهاية الأسبوع هادئة وفق المعنى السياسي اللبناني. لا جولات أو لقاءات سُجلت للمبعوث القطري ـ الأمني جاسم بن فهد آل ثاني “أبو فهد” أو غيره. تفرّغ الجميع لمتابعة ما يجري في فلسطين. وفُهم أن تطورات غزّة تتفوّق على ما عداها من قضايا أخرى. وإنه عند هذه النقطة يجب الإفادة من لحظة لـ”التقاط الأنفاس” لبنانياً، تعيد الجميع لتقييم ملفاتهم من حيث انتهوا والبناء وانتظار التطورات. وفي هذا الصدد، عُلم أن الإنكفاء “الظرفي” عن الملف اللبناني لم يكن قطرياً فحسب، إذ سُجل انكفاء فرنسي ايضاً.

ولوحظ أن الوسيط الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي كان يُفترض أن يعود إلى بيروت على الأقل في النصف الأول من الشهر الجاري، عدّل في خياراته، ولم يبلغِ أحداً بموعد زيارته. كما أن التواصل بينه وبين المرجعيات المعنية مقطوع، ولا جديد مرتقب من جانب السفارة الفرنسية.

قبل ذلك كانت التطورات على الساحة الفلسطينية آخذة بالتفاعل تدريجياً. قبل معركة “طوفان الأقصى” سجلت جولات عديدة لـ”أبو فهد”. ولوحظَ أن الاخير قلّص لائحة المرشحين لديه لتستقر على إسمين فقط هما قائد الجيش العماد جوزاف عون والمدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري. ونقل عن متابعين للحراك القطري، أن الأخير أزاحَ العماد عون إلى المرتبة الثانية من حيث الأهمية على اللائحة، ورفّع مقابله اللواء البيسري إلى المركز الأول. وكان سبق أن أسلف “ليبانون ديبايت” في مقال سابق، أن شكوكاً تدور حيال الموقف القطري.

إذ يبدو أن الأخيرة أدركَت صعوبات لبنانية في مجال تسويق عون. ولاحظت إندفاعاً لبنانياً ولو شكلياً تتبناه مجموعة القوى صوب “الخيار الثالث”، ما دفع لإجراء إستدارة “تكتيكية”، بحيث أخذ القطريون يسوّقون لهذا الإحتمال، وخصّ به اللواء البيسري تحديداً، إعتقاداً بأنه ذات قدرة على خرق جدران “قوى سياسية” في لحظة معينة. لكن ذلك وعلى أهميته، لا يعني أن قطر تخلّفت عن فكرة “ترئيس” العماد جوزاف عون أو تراجعت عنها.

عند هذا الحد لوحظَ أن المندوب القطري عمل خلال جولاته الأخيرة على محاولة فهم مدى إمكانية إعلان رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إنسحابه من السباق الرئاسي، ومدى احتمال قبول “الثنائي الشيعي” بهذا الخيار. ويبدو أن ثمة من أشار إلى القطري في أن يعمل على تسويق هذه الفكرة مع فرنجية نفسه لقاء “مكرومات” تقدمها الدوحة، وهو ما لم يكن موضع ترحيب من جانب فرنجية بالذات، الذي أعاد إبلاغ الموفد القطري خلال اجتماعهما الأخير قبل نهاية الأسبوع المنصرم رغبته الإستمرار بالترشّح، متكئاً على كتلة صلبة تتألف من 51 صوتاً في مجلس النواب.

على أهمية ذلك، لا يبدو أن الموفد القطري في صدد التراجع عن تسويق “الخيار الثالث”، إنما يعتقد أن تقديمه اللواء البيسري إلى رأس اللائحة، قد يوجد ـ في حال استمر الدفع – مكاناً له، أو قد يتحول إلى مرشح جدي في مرحلة من المراحل، على اعتبار أن البيسري شخصية مقبولة من الجميع. وكما بات واضحاً، إن اختيار القطريين للبيسري، يعود لرغبة أساسية لديهم في إغراء الحزب تحديداً، على اعتبار أن العلاقة جيدة بين الطرفين ويحظى بالإحترام ولا اعتراضات عليه، وأن للحزب دوراً أساسياً في الموافقة على تولّي البيسري موقع المدير العام للأمن العام العائد من حصة الشيعة، سيّما وأن الحزب ـ وفق التقسيم الداخلي بينه وبين حركة “أمل”- هو المخوّل تسمية من يشغل هذا الموقع. وفي اعتقاد القطريين، أن قبول الحزب بالبيسري مرشحاً رئاسياً ليس مستحيلاً إن توفرت له مجموعة ظروف معينة!

في الظاهر، ثمة قضايا أساسية يُراهن عليها في البيسري. في إعتقاد القطريين، ما يطلبه الحزب في سليمان فرنجية متوفر في اللواء البيسري بحكم الثقة التي وضعها فيه حين قبل به بدايةً لتولي مركزه الحالي. إلاّ أن تتبّع عقل الحزب السياسي يكشف أنه لا يعمل بهذه الطريقة. فحينما أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله دعمه لفرنجية عبر الإعلام وبشكل رسمي ومن خلال خطاب واضح، كان قد حسم الجدل حيال موقف الحزب من المسألة، وبات ملتزماً التموضع إلى جانب فرنجية، ولا شيء يغيِّر هذه القاعدة إلاّ تحولاً يطرأ على صعيد موقف فرنجية نفسه، القابض على ورقة استمراره في السباق، والراكن إلى التزام الحزب إلى جانبه ما دام مستمراً، ولا يبدو أنه مقبل على اعتزال الترشيح، بدليل ما أبلغه إلى الضابط القطري في ثلاث مناسبات رسمية وليس إثنتين كما سبق وقيل.

بهذا المعنى، من غير الوارد أن يفكر الحزب بشخص غير فرنجية أو تكون لديه “خطة ب”، أقلّه حتى الآن، وليس في وارد المغامرة في مصداقيته أو أن يضعها على المحك، وإن كان معجباً بالبيسري وأسلوب إدارته للأمن العام أو ثقته به ومدى أهمية التعاون بينهما. فهذا لا يعني أن يتخلى عن خيار إستراتيجي أو ينقلب على حليف ثابت. القضية المتعلقة بسليمان فرنجية تتجاوز مسألة الثقة السياسية به، وتتعلق تحديداً بتموضعه السياسي السابق والحالي والمستقبلي، وطبيعة شخصيته. الحزب لا يسعى إلى رئيس حليف يثق به فحسب، بل قبل أي شيئ آخر يسعى إلى رئيس قوي، ذي مواقف صلبة وقادر على المحافظة عليها، “عنده ركاب” ويضع أقدامه على الأرض.

وهذا ربما لا يراه الحزب من خلال مصطلح “الخيار الثالث” سواء المعلن عنه من أسماء أو المُضمر، التي تبقى، في النتيجة، خيارات سياسية وسطية لا بدأ ان تأتي منزوعة القدرات أو محكومة بشيء من الطبيعة التسووية اللبنانية التقليدية، أو هي شخصيات تسووية لتمرير مراحل ليس إلاّ. ولا يبدو أن الوضع الراهن والمستجد واحتمالاته وتحدياته، من لبنان إلى فلسطين وما أبعد من ذلك، يحتمل هذا النوع من الرؤساء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى