أبرز الأخبار

باسيل في سوريا… دريان وميقاتي في الجامع العمري

بقدر ما يُشكّل انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحلبة السياسية انكساراً لمحازبي تيّار المستقبل وجمهوره، بقدر ما يتأكّد لراصدي مصير زعامة “الشيخ سعد” أمران أساسيّان:

1 – لا خبز لبهاء الحريري داخل الملعب المستقبليّ والسنّيّ. قد “يتقمّص” الرجل على شاكلة مرشّحين مستقلّين في غالبيّة المناطق، حتّى تلك التي لا وجود فيها للصوت السنّيّ المؤثّر، أو يقرّر الترشّح مكان شقيقه في دائرة بيروت الثانية، وهو أمر مستبعد، لكنّ رجل الأعمال لن ينجح في تشكيل حالة سنّيّة مرادفة لبيت الوسط. الأرقام تقول ذلك، إضافة إلى المناخات السياسية المتقاطعة بين الداخل والخارج. وعندئذٍ لا يهمّ إذا أوفد صافي كالو أو غيره من المستشارين الذين يمثّلونه على الحلبة اللبنانية. تقول إحدى الشخصيّات البارزة: “شخصيّة بهاء الحريري بكلّ ما فيها لا تؤهّله لأن يلعب دوراً مؤثّراً أبعد من تحريك بعض وسائل الإعلام عن بعد، وركب موجة ثورة لم يبقَ منها لا ثوّار ولا برامج تغييرية”.

2 – لا خبز أيضاً لنجيب ميقاتي داخل الحاضنة المستقبليّة. رئيس الحكومة ونائب طرابلس يملك الثروة والسلطة (في الوقت الراهن)، لكنّه يفتقر إلى العصب مفتاح الخرق الوحيد في “البيئة الحريريّة”. ثمّة نماذج كثيرة تُدلّل على عدم امتلاك ميقاتي لهذا العصب. لن يكون تفصيلاً بسيطاً أن تطغى صفة رجل الأعمال ورجل “الأدوار” المطلوبة في الأزمات على أيّ صفة أخرى لنائب طرابلس. حينئذٍ قد يُفهم مثلاً لماذا لا يُسأل رأيه في تشكيلات داخل قوى الأمن الداخلي شملت أكثر من 80 ضابطاً. وحين يستدرك الأمر يعلّق قائلاً: “كان بيسوى تسألوني!”.

في سياق رصد تداعيات ما بعد انكفاء الحريري وحزبه عن الساحة السياسية والانتخابية بدت لافتةً جدّاً زيارةُ مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان للسراي الحكومي ولقاؤه ميقاتي، ثمّ أداء صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير بمشاركة الرئيس فؤاد السنيورة.

“أساس” عَلِم أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون سيزور اليوم أو غداً دار الإفتاء، ويلتقي المفتي دريان من باب “التضامن والتأكيد على ضرورة التكاتف الوطني بعد قرار الحريري”.

كما سبق للنائب جبران باسيل أن أكّد أنّ “المقاطعة (السنّيّة) يجب أن لا تحصل، ولا نقبل أبداً أيّ استهداف لأيّ مكوّن، وخاصة السنّيّ الذي هو تكوينيّ وتأسيسيّ”.

فيما تخشى أوساط عونية من أن “يؤدّي قرار الحريري تعليق العمل السياسي إلى الفراغ والتطرّف والشرذمة”.

المفتي في السراي

أتت زيارة المفتي دريان الأولى للسراي بُعيد تعيين ميقاتي رئيساً للحكومة إثر مضيّ خمسة أيام على “الإعلان الحريريّ”، ووسط أحاديث متزايدة عن احتمال حصول مقاطعة سنّيّة للانتخابات النيابية.

وفق أوساط رئاسة الحكومة بدأ الأمر باتصال الرئيس ميقاتي بالمفتي دريان والاتفاق على قدوم الأخير إلى السراي، ثمّ التوجّه إلى الجامع العمري لأداء صلاة الجمعة.

بدا الأمر وكأنّه لملمة للمشهد السنّيّ المُضَعضع والفاقد للبوصلة، ومؤازرة من دار الإفتاء لرئاسة الحكومة لا تحمل شكل المبايعة، وسط غموض كلّيّ يلفّ مرحلة “ما بعد سعد” ولائحة الترشيحات السنّيّة في الانتخابات.

ميقاتي حسم الأمر بتأكيده حصول الانتخابات النيابية في موعدها وعدم الدعوة إلى المقاطعة السنّيّة للانتخابات “لِما فيه خير الطائفة”، ولاقاه الرئيس فؤاد السنيورة على الموجة نفسها.

حتى الآن يبرز توجّهٌ لدى كلّ أعضاء نادي رؤساء الحكومات إلى عدم المشاركة الشخصية في الانتخابات النيابية، لكن مع سعي رئيس الحكومة إلى محاولة الإمساك بمفاتيح “قوى التأثير” لدى الطائفة السنّيّة، ويُتوقّع أن يوسّع بيكار تواصله مع هذه القوى في الأشهر المقبلة.

ميقاتي لن يترشّح

تفيد المعلومات أنّ ميقاتي كان يردّ على كلّ سائليه في شأن الاستحقاق النيابي قائلاً: “أنا رئيس حكومة، كيف بدّي في هذا الظرف الدولي أن أترشّح للانتخابات”. ولا يبدو أنّ ميقاتي سيغيّر رأيه بعد تعليق الحريري العمل السياسي والانتخابي لتيار المستقبل وعزوفه شخصيّاً عن الترشّح.

تخشى أوساط عونية من أن “يؤدّي قرار الحريري تعليق العمل السياسي إلى الفراغ والتطرّف والشرذمة”.

أيضاً هو أوحى بذلك أمس من خلال القول إنّه “ليس المهمّ المشاركة الشخصية في الانتخابات أو عدمها. نحن لدينا غنى في الطائفة وكلّ المؤهّلات والقدرات للمشاركة في الانتخابات”، مؤكّداً أنّ “الطائفة السنّيّة أساسيّة ولا يمكن أن تُقاطِع الانتخابات”.

لكنّ العارفين يقولون: “حتى الآن هذا هو موقف نجيب ميقاتي في شأن عدم المشاركة في الانتخابات، وقد يتغيّر في اللحظة الأخيرة إذا وجد مَن “يشتري” منه تغيير هذا الموقف”.

وفق المعلومات كذلك، لم يتمّ التطرّق في لقاء دريان وميقاتي إلى موضوع الانتخابات، وحضر الردّ اللبناني على عناوين المبادرة الكويتية، فجرى التأكيد على “ضرورة الاتفاق على جواب موحّد وإيجابي في شأن المبادرة”.

لكن بالتزامن كان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان يؤكّد أنّ “الحلّ لا يبدأ بالقرار 1559 ولا 1701، بل بقرار عربي يعيد العرب للعرب”، مشدّداً على أنّ “سلاح المقاومة ضمانة للعرب وللبنان، وهو الآن أكبر حاجة وطنية لمنع أيّ حرب أهليّة أو مغامرة طائفية أو غزو إسرائيلي أو تكفيري. ووجود لبنان اليوم على الخريطة إنّما هو بفضل سلاح المقاومة”.

تركيب طرابيش

تحت سقف المشاركة السنّيّة في الانتخابات “من دون سعد” ستشهد الساحة السياسية إعادة تموضع وتغييرات و”تركيب طرابيش” حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. وقد بدأت بعض التحالفات تأخذ مكانها انتخابياً، وأبرزها إشهار النائب السابق وليد جنبلاط ورقة التحالف مع القوات اللبنانية. ويمكن القول إنّ قرار جنبلاط بـ”الاستمرار بالمواجهة السلمية” والتحالف مع معراب، خصم الحريري، وقرار رئيس الحكومة ودار الإفتاء وشخصيات سنّيّة بعدم مقاطعة الانتخابات، هما بمنزلة “إقفال الباب” على الحريري بعد وضع نفسه في غرفة “العزل السياسي”.

رسائل باسيل

في المقلب الآخر يبرز التحالف “على القطعة” بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، بحسب مصلحة الطرفين. تماماً كما حصل في انتخابات 2018 حين تواجها في مناطق وتحالفا في مناطق أخرى.

تُسجّل في هذا الإطار الزيارة الأولى من نوعها، أقلّه إعلامياً، لوفد من التيار الوطني الحرّ برئاسة نائب رئيس التيار الوزير السابق طارق الخطيب إلى دمشق ولقاؤه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي أشاد بـ”المواقف الوطنية والثابتة لرئيس الجمهورية ميشال عون، وثبات النائب جبران باسيل في المواقف الوطنية على الرغم من الضغوط التي تعرّض لها في الداخل كما من الخارج”.

يصعب فصل الزيارة عن إطار إرسال الرسائل من باسيل إلى الحزب والرئيس نبيه بري. خصوصاً على مسافة أشهر قليلة من الانتخابات النيابية والرئاسية وانتخاب رئيس مجلس نواب. ويرى كثيرون أنّ هذه الزيارة قد تكون مقدّمة لأن يزور باسيل سوريا تحت عنوان “بتّ ملفّ النازحين السوريين”.

اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى