أبرز الأخبار

مراقبة الياس الحصروني استمرت ٣ أيام قبل الجريمة، وشاهدت عيان أبلغت القوى الأمنية.

طوني بولس

independentarabia

لم تهدأ الاغتيالات الحزبية والسياسية في لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم حيث ‎يمكن إحصاء حوالى 250 اغتيالاً أو محاولة اغتيال في سياقات سياسية ‎متعددة. ومنذ عام 2005 أخذت منحى متصاعداً، بدأ مع محاولة اغتيال ‎الوزير مروان حمادة، ثم اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ‎وبعدها كرّت السبحة لتتجاوز العشرين اغتيالاً، وقد طاولت بالشق الأكبر منها، ‎سياسيين ومحازبين وصحافيين وأمنيين، والقاسم المشترك بين تلك الجرائم أن ‎الضحايا في أغلبهم من معارضي “حزب الله” وتحالفه الإقليمي، في وقت لم يتوصل ‎القضاء اللبناني إلى أي نتيجة، على رغم كفاءة الأجهزة الأمنية في لبنان، ‎وإمكاناتها وقدراتها التي ثبتت في عمليات نوعية واستباقية عديدة.‎ آخر عمليات الاغتيال كانت مقتل أحد كوادر ‎حزب “القوات اللبنانية” الياس الحصروني، إذ حاولت الجهة المنفذة إخراج العملية ‎لتظهر وكأنها وفاة طبيعية نتيجة حادث سير، قبل ‎أن يكتشف أهله بعد أيام على وفاته ودفنه، أن الحادث مدبر، وجرى الإعداد له بحرفية.

كاميرا المراقبة

بعد الحادث راود الشك أهل الحصروني واصدقاءه حيث طلب ابن أخت الضحية مايكل الصيداوي ‎من المواطن إيلي فرح في “عين إبل”، أثناء تقديم واجب العزاء أن يطلع على ‎كاميرات المراقبة المحيطة بمنزله. وتبين من تسجيل ‎الكاميرات أنه في التاسعة و16 دقيقة مساء الأربعاء 2 ‎أغسطس (آب)، وقفت سيارة من نوع “جيب” داكن اللون أمام سيارة الحصروني بشكل أعاقت سيره ‎ولحقت بها سيارة لونها رصاصي من نوع “هوندا CRV” وأقفلت الطريق ‎ثم ترجل منها عدد من الأشخاص وركبوا مع الضحية بسيارته، ثم اتجهت ‎السيارات الثلاث إلى مكان حصول الحادث قرب بلدة “حانين”. سُلِّم الفيديو ‎إلى بلدية “عين إبل” التي قامت بدورها بتسليمه إلى القوى الأمنية التي باشرت ‎التحقيق في الجريمة.

شاهدة عيان

وكشفت التحقيقات وجود شاهدة عيان كانت تمر بالمنطقة ‎وصادفت سيارة بداخلها ‎أشخاص ملتحين يضعون قبعات فسجلت رقمها، وعند عودتها من الطريق نفسه ‎شاهدت سيارة “هيونداي” متوقفة إلى جانب الطريق، وسجلت أيضاً ‎رقمها ليتبيّن أن أرقام اللوحات مزورة وتعود إلى سيارات من نوع آخر. ‎

“شعبة المعلومات” التي قامت بالتحقيق، راجعت المحامي العام الاستئنافي في ‎النبطية عباس جحا فأشار بترك المستمع إلى إفادتهم، واحتفظ بالـفيديو وبهاتف ‎الضحية وختم المحضر.‎

شاهدة العيان كانت أبلغت مركز الشرطة في المنطقة عن تواجد تلك السيارات مع الأرقام، قرب ‎ملعب للكرة لثلاثة أيام متتالية قبل الجريمة، إذ تخوفت على الأطفال الذين يتواجدون فيه يومياً.

 

“الهيئة الصحية”

وفي هذا السياق يروي الناشط السياسي هشام بو غنام، وهو قريب الضحية الياس ‎الحصروني، أنه ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الخبر كانت الشكوك تراود الأهل ‎والأقارب، إذ الطريق المؤدي الى مكان الحادث وتوقيته يثيران التساؤلات، كذلك ‎بدا لهم أن آثار الاصطدام على السيارة ليست قوية بما قد يؤدي الى مقتل من بداخلها. ‎

ويوضح بو غنام أن قرابة العاشرة ليل الأربعاء 2 أغسطس، عثر مختار بلدة “الحنية” ‎وهي قرية مجاورة لـ “عين إبل” ومعه شخصان من خارج البلدة، على ‎جثة الحصروني في منحدر إلى جانب سيارته المصطدمة بشجرة زيتون. المختار أبلغ “الهيئة الصحية الإسلامية” ‎التابعة لـ “حزب الله”، ويضيف بو غنام أنه في هذه الأثناء وصل شاب من البلدة وسأل ‎المختار عن سبب توقفه الى جانب الطريق فأبلغه بالحادث، ‎وفوراً نزل الشاب من السيارة ليتعرف مباشرة على هوية الجثة فاتصل على الفور بشرطة بلدية “عين إبل”، ثم وصلت سيارة “الهيئة الصحية” التي نقلت ‎الجثة الى “مستشفى صلاح غندور” في بنت جبيل.‎

وبو غنام يقول إن جريمة كهذه لا يمكن أن تنفذ إلا من جهة نافذة ‎ومتمكنة، إذ المنطقة تخضع لتدابير أمنية استثنائية كونها قريبة من الحدود ‎الإسرائيلية، مؤكداً وجود مراقبين لـ “حزب الله” في الأحراج، ومشيراً الى أنه في حال ‎توقفت أي سيارة في المكان الذي نفذت فيه الجريمة لدقائق، فستتوجه ‎فوراً عناصر من الحزب للتأكد من هوية السيارة وركابها، متسائلاً عن غيابهم أثناء ‎تلك العملية، بالرغم من مشاركة ما بين ستة الى تسعة أشخاص في العملية وفق ‎ما وثق شريط الفيديو.‎

تحقيق أولي

ووفق المعلومات التي توافرت عن التحقيق الأولي، أفادت الأدلة الجنائية ‎والطبّ الشرعي على أثر تشريح الجثّة، بأن الحصروني “قضى نتيجة ‎كسور في القفص الصدري ما تسبب بضغط على الرئتين ونزيف داخلي حادّ أدى ‎إلى الوفاة”، مؤكدة أنه أيضاً تعرض لضربة غير “قاتلة” على الرأس، قد تكون بهدف السيطرة عليه أثناء اختطافه.‎

كذلك هناك غموض حول أسباب نقل الجثة الى المستشفى قبل وصول الأدلة ‎الجنائية الى مكان الحادث، علماً أن المسعف برر ذلك بأنه لحظة وصوله كان لا يزال قلب الحصروني ينبض.‎

ورغم أن التحقيقات لم تتوصل بعد الى نتائج حاسمة، لم يتردد حزب “القوات ‎اللبنانية” بتوجيه أصابع الاتهام إلى “حزب الله”، حيث أكد رئيس جهاز الإعلام ‎والتواصل شارل جبّور أن الشكوك قوية جداً حول دور “حزب الله” ومسؤوليته عن ‎الجريمة بالاستناد إلى أربعة عوامل:

خمس سيارات وتسعة مسلحين شاركوا في العملية مما يدلّ ‎على احتراف منفذي الجريمة.

تضليل التحقيق عبر تدحرج سيارة الضحية ‎في منحدر إلى يمين الطريق ووجود الجثّة قرب السيارة لإظهار أنه قتل نتيجة ‎حادث.

تغييب دور الأجهزة الأمنية والقضائية، ‎وعدم تقديم أي معلومات حاسمة عمّا حصل.‎

كذلك أشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى أنّ “الجريمة وقعت في عمق مناطق سيطرته (حزب الله) حيث لديه ‎السيطرة الأمنيّة والعسكريّة الكاملتين”، وقال “بكلّ صراحة، ‎كلّ أصابع الاتّهام متّجهة نحو الحزب انطلاقاً من ظروف حدوث الجريمة”. ‎

في المقابل ترفض مصادر “حزب الله” التعليق على حيثيات الجريمة، وتكتفي ‎بالإشارة الى أن المناطق ذات الأغلبية المسيحية غير خاضعة كما يحاولون ‎التصوير لسيطرة الحزب، وهناك نفوذ لأحزاب أخرى، إضافة إلى التواجد ‎الكثيف لاستخبارات الجيش اللبناني التي تحرص أن تكون هي الجهة الضامنة لأمن ‎تلك القرى.‎

“أخضر بلا حدود”

ولطالما شهدت تلك القرى الحدودية، إشكالات مع جمعية “أخضر بلا حدود” ‎التابعة لـ “حزب الله”، كان آخرها في بلدة “رميش” الحدودية، على خلفية التعدي ‎على أراض تعتبر “مشاعات” (أي تملكها البلدية أو الدولة) ومحاولة استغلالها ووضعها تحت سيطرة “الحزب” عبر نصب ‎‎”خيم”، وحملات تشجير وأنشطة بيئية لتغطية أنشطة عسكرية، لاسيما أن ‎تلك المناطق خاضعة للقرار الدولي 1701 الذي يحظر تواجد عناصر “حزب الله”.‎

ومؤخراً فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على جمعية “أخضر بلا حدود”، مشيرة ‎الى أنّ “الجمعية التي يتمثّل هدفها المعلن بالحفاظ على المساحات الطبيعية وإعادة ‎زراعة الأشجار، تشكّل في الواقع غطاءً لأنشطة “حزب الله” على طول الخط ‎الأزرق، حيث لدى الجمعية مواقع يديرها أعضاؤها في عشرات النقاط”.‎

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى