أبرز الأخباربأقلامهم

سجال في النتائج وتجاهل للسبب

المحامي لوسيان عون

عندما يتناسى المحللون الأسباب التي تقف خلف كل ما يجري من أحداث، فيغوصون في تفاصيل الحدث ،وقد عاش اللبنانيون كم من المجلدات تضمن خبر انقلاب شاحنة حزب الله في الكحالة، لكن القلة هم من ذهبوا الى ” راس نبع” الازمة ومصدرها الذي شكل منذ القدم علة العلل، فالعودة الى الجزور فيها منفعة، وبلوغ الإجابة الشافية بشكل حتمي.
فما نفع التقصي عن قياس دواليب شاحنة الكحالة وهوية سائقها، وحجمها ووزنها الإجمالي ووجهة سيرها ولونها وبلد منشئها، وتاريخ تسجيلها في دوائر النافعة، وعدد عناصر المواكبة الذين كانوا برفقتها، طالما أن الحزب بصواريخه وعديده وعتاده يحوز على ترخيص حكومي شرعي يتم تجديده تباعاً في سائر البيانات الوزارية، ويحوز على رضى رؤساء الجمهوريات الذين تعاقبوا مع رؤساء الحكومات والوزراء ممثلي القوى السياسية في البلد منذ العام ١٩٩٠ تاريخ انتهاء الحرب الاهلية في لبنان حتى اليوم وان كان بعضهم – لحفظ ماء الوجه تجاه ممثليهم – يبدي تحفظاِ على البيان الوزاري.
ما نفع التقصي عن جنس الملائكة في وطن كلما تم تشكيل حكومة والسؤال عن مضمون البيان الوزاري العائد لها، يكون الجواب استنساخ البيان الوزاري للحكومات المتعاقبة لكسر الشر وتفاديه، وتأجيل ” المشكل” فتكون ” الثلاثية الذهبية” اي شعب وجيش ومقاومة هي الطبق الأساسي في البيان، ويكون مخرج ” حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال على كل اراضيه” مع ما تعنيه هذه المصطلحات من حق لكل مواطن ان يحمل السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل بما فيها الراجمات والصواريخ والمدافع والذخائر، وان يتجول بها على كامل تراب الوطن دون استئذان من احد ام ترخيص، بل استخدامها ساعة يشاء وكيفما شاء، دون تحديد اي ادارة لاستخدامه، او اي حزب او اي هيئة او مجلس او منظمة مع ما يستلزمه ذلك من وسائل نقل الاعتدة والذخائر والآليات مهما اختلف حجمها.
نذكر اللبنانيين بما جنت ايديهم…. نعم لان مصدر القرار شرعي مئة في المئة ،وان هذه البيانات الوزارية تعد بمثابة اعلان حالة طوارىء عسكرية دائمة وتدبير رقم ١ على غرار ما يتخذه الجيش أحياناً وهو غير خاضعة لاية رقابة عسكرية أم مدنية ام سياسية ام قضائية، وهو بمثابة توكيل عام شامل مطلق لقرار الحرب، مع مجهولية سلطة الشخص الآمر.
نورد ذلك لان شاحنة الكحالة شكلت نقطة في بحر هذه المنظومة الضخمة المتحركة على مستوى الوطن، وان سقوطها من جراء فعل انزلاق مروري كشف احدى نشاطاتها ، انما تبقى مئات الشاحنات المتنقلة التابعة للحزب على مدى اليوم الواحد من أقصى لبنان الى اقصاه، اما الحل، فلم يكن يقتصر على حجز الشاحنة وحمولتها انما في البحث عن استراتيجية دفاعية تم اجهاضها سابقاً مراراً وتكراراً ، والامر مرتبط بنزاع اقليمي واشتباك شرق اوسطي ذاهب الى تفاقم وربما انفجار ،
بمعنى آخر، هل اذا اتلفت الذخيرة انتهى وجود حزب الله، أم ضعفت قدراته وإمكاناته، أم سيطرت القوى الشرعية اللبنانية على كامل تراب الوطن؟
لا بد من التذكير ان مشروع ” المقاومة” المشرع تباعاَ كما أسلفنا ذكره مرتبط بقضية فلسطين، وهزيمة إسرائيل وعودة الشعب الفلسطيني الى ارضه، بل اكثر من ذلك، لقد ربطت إيران مشروع ” تحرير القدس” بسيطرتها على دول ساحل الشرق الاوسط بشهادة كبار القادة الايرانيين، وما لم تتغير المعادلات في المنطقة، بحرب ام بدونها، يبقى حزب الله مدعوماً ببيانات وزارية رسمية شرعية يتمتع بصلاحية توفير جهوزية عسكرية دائمة براً وبحراَ وجواً لمقاتلة اسرائيل حتى تحرير القدس، مع ما تشمله هذه الوكالة المطلقة الغير محددة في الزمان والمكان من تحويل لبنان الى معسكر دائم بجميع مقوماته وقدراته،…
وعليه ، لن تؤخر ولن تقدم شاحنة مع حمولتها في تغيير مجرى الأحداث، وان شكلت تذكيراً لتحكم جيش بكل ما للكلمة من معنى بسلطة اشعال الحرب أو ارساء السلم وفق ما سمي توازن الرعب، لكن ما كشفته الشاحنة معنوياً سلط الضوء اكثر من قبل وارسى معادلةً قوامها ان الجيش اللبناني حتى الساعة داعم لحزب الله، ولن يطعن بخاصرته، وهو تعهد بعدم التعرض لاي تحرك عسكري للمقاومة مهما كان حجمه، بل اكثر من ذلك، من يعترض على اي تحرك لها سيكون الجيش بالمرصاد تبعاَ لاقرار بان شرعية حزب الله مستمدة من قرار سياسي حكومي دائم وثابت اقله حتى تاريخ اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى