أبرز الأخبار

لا مشكلة عند نصرالله ما طلبه باسيل

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

بدا واضحاً أنّ ما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في عاشوراء حول الحوار، كان يقصد به رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وكان جوهر موقف نصرالله هو أنّ “الحوار الذي يجمع الجميع في مكان واحد وعلى طاولة واحدة “، بات متعذراً. لذا، فالبديل هو “حوارات ثنائية”.
في المقابل، كانت إطلالات باسيل المتتالية في نهاية الأسبوع الماضي، تخاطب نصرالله من دون أن تسمّيه. فهو قال مساء الخميس الفائت: “نعمل بجدّية ومع غيرنا على مشروعيّن”. فـ”غيرنا” هو “حزب الله”. أما “المشروعين” فهما: “اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الإئتماني.
هذا ما طلبه باسيل وهذا ما أيّده نصر الله مبدئياً. فهل أصبحت الطريق سالكة أمام الانتخابات الرئاسية كي تنتهي معها أزمة الفراغ في المنصب الأرفع للطائفة المارونية؟
لعلّه من المفيد قبل الإجابة على هذا السؤال، الإشارة إلى ما تردّد أخيراً حول موقف أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي. فالأخير كرّر بعد لقائه مرتين الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أنّ “كوّة” قد فتحت في جدار الإنتخابات الرئاسية. وقد أوضحت أوساط برّي أنّ “الكوة” التي قصدها هي حوار “الحزب” و”التيار”. وبناءً على هذا الحوار، الذي أكّده نصرالله وباسيل، سيكون هناك اصطفاف جديد للنواب يغيّر وجهة النتائج التي انتهت إليها جلسة 14 حزيران الماضي، وأظهرت تفوّق مرشح تقاطع المعارضة مع “التيار” على مرشح الثنائي الشيعي.
وبالعودة إلى السؤال السابق عمّا إذا كانت الطريق أصبحت سالكة أمام الانتخابات الرئاسية بعد معاودة الحوار بين “الحزب” و”التيار”؟
تجيب المواقف التي صدرت عن أطراف المعارضة ، وفي مقدّمها “القوات اللبنانية”، أنّ هذه الطريق ما زالت غير سالكة. غير أنّ أجواء ثنائي “تفاهم ما مخايل” تبدو غير آبهة بالانتقادات ولو كانت بحجم يمثل أكثرية اللبنانيين. وفي اعتقاد أوساط سياسية واسعة الاطلاع، أنّه في حال وصلت صفقة المقايضة الجديدة بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك إلى مجلس النواب لانكشفت حقيقة مؤيدي الصفقة. وسيتبيّن عندئذ أنّ الصفقة وأصحابها هم في عزلة عن الواقع اللبناني. والسؤال عندئذ: ما دام الأمر على هذا النحو، فلماذا أقدم باسيل على ما أقدم عليه، وتجاوب نصرالله مع وريث شريكه في “التفاهم”؟
تجيب الأوساط نفسها أيضاً فتقول، إنّ أزمة نصرالله التي برزت في طروحات باسيل المثيرة للجدل، هي في تمسكه بمقاربته للاستحقاق الرئاسي. وعلى الرغم من أنّ فرنسا تخلّت عن نظرية المقايضة على مستوى هذا الاستحقاق، إلّا أنّ نصرالله ما زال مستعدّاً لمثل هذه النظرية . وفي النتيجة، يبدو أنّ باسيل أدرك ما يتمسك به نصرالله، فدخل من هذا الباب، كي يحقّق مكاسبه.
ولكن ما دام باسيل ليس مؤهلاً ليطلب لما طلبه من ثمن، وما دام نصرالله ليس مؤهلاً لأن يدفع من كيس الدستور والقانون، سيدخل لبنان بالتالي مجدداً في دائرة تضييع الاستحقاق الرئاسي على غرار المرحلة التي سبقت وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا عام 2016. غير أنّ تجربة انتخاب ميشال عون تختلف كلياً عن مرحلة الانتخابات الرئاسية الحالية. ويكفي هنا لإظهار أوجه الإختلاف، أنّ شريك نصرالله المسيحي ليس هو الأوّل مسيحياً. ولما كان واقع “التيار” على حال من الضعف، ولا يسمح له بتصدر المشهد المسيحي، فلا يمكن لـ”الحزب” أن يقول أنّه يتحالف مع “الأقوى في طائفته” كما تذرّع عام 2016.
وفي انتظار جلاء غبار هذه المناورة الرئاسية في حقل رماية “تفاهم مار مخايل”، صار واضحاً، أنّ نصرالله يتصرّف في مسألة وطنية حساسة ينطوي عليها مطلبا باسيل بطمأنينة انطلاقاً من أمرين:
الأوّل، أنّ “حزب الله” يتصرّف عملياً على أساس أنّ اللامركزية الإدارية والموسعة ، هي عملياً مطبقة في لبنان. ويكفي هنا التمعن في هذه اللامركزية، لوجدنا أنّ “الحزب” يطبقها منذ عقود. فهو يدير مناطق نفوذه على أساس أنّ لا دولة يعود إليها في الإدارة والمال. والدليل أنّ موارد “الحزب” تأتي من هيمنته على منافذ لبنان البحرية والجوية والبرّية والتي يفرض سيطرته عليها كي يجبي موارداً بصورة غير شرعية. أضف إلى هذه اللامركزية التي يطلبها باسيل هناك السلاح غير الشرعي الذي يسرح “الحزب” به ويمرح، على أساس أنّه غير خاضع للدولة المركزية.
الأمر الثاني، أنّ “الصندوق” الذي يحلم به باسيل، لا يمثّل شيئاً مقارنة بـ”الصندوق” الذي بحوزة “الحزب” حيث تتدفق فيه موارد لا تقدر، وهي غير خاضعة للأنظمة اللبنانية المرعية الإجراء.
من راقب نصرالله في كلمته في عاشوراء، تبيّن له كم كان السيد مطمئناً إلى أنّ ما يطالب به باسيل هو تماماً يشبه اللادولة التي يريدها نصرالله أن تبقى في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى