أخبار محلية

ما بدأ في دمشق انتهى في الضاحية

“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح

شرّق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وغرّب، وفي الآخر عادَ إلى حارة حريك.

كثر نصحوه، حينما استعرّت نيران الخلاف مع “حزب الله”، أن “أحداً لا يمون على الحزب” لتعديل موقفه. ولكي لا يسبح بعيداً وحتى يحفظ خط الرجعة، دعوه إلى “دَوزنة” مواقفه.
لكن باسيل هو باسيل. فضّل اللعب على حافة الهاوية. حينما أدركَ بعد اجتماعه بالسيد حسن أن الحزب ليس في وارد التغيير، انتقل للاستعانة بـ”عمّه الجنرال” مستفيداً من مكانته لدى الرئيس السوري بشار الأسد. فطلب إليه أن يذهب لدمشق، ويطلب من الأسد التدخل لدى “حلفائه”، علّه يعدِّل في موقفهم في شأن دعم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. ومن باب التطمين، ذكر عون أمام مضيفه، أن مرشّحهم الحقيقي هو الوزير السابق زياد بارود، وليس جهاد أزعور الذي “ينقز منه” “حزب الله”.

 

ربطاً بفرضية أن الأسد لا “يكعم” الحزب، طلب إلى الجنرال أن ينتقل إلى حارة حريك، ويتحدث مع “السيد حسن” ويتّفق معه. بعدها جرت محاولات عدة لإجراء لقاء بين الرجلين، دونما يحصل. هناك من فضّل أن يتوِّجا، بما يمثّلان، مساراً وليس أن يفتتحا مساراً.

أما باسيل، فلم يجد الإنتقال بسرعة إلى “الحارة” مناسباً. كان في طور “التقاطع” على جهاد أزعور مع مجموعة مسيحية وازنة. ومن الحق القول أنه ذكي، “وقطفها”. إقتنصَ اللحظة ليقضي على فكرة عزله، وما كان ليحصل عليها في ما لو تقرّب من الحزب. فضلاً عن ذلك، كان في باله أن “الأزعور” لن يبلغ مراده من أرقام تجعله رئيساً. أكثر، كان باسيل وبشهادة عارفيه مستعداً لفرط التقاطع، لأتفه سبب، فيما لو تأكد لديه أن أزعور “جايي رئيس”. أما الخبثاء، فما كانوا يعفون باسيل من الإستفادة على ظهر أزعور، ويؤكدون معرفته حدود “اللعب” مع الحزب. إذاً إستفاد من مرحلة التقاطع. أولاً لتعزيز أوراق الحوار مع الحزب، والبدء في حوار حول “خيار ثالث”، وثانياً حتى لا يظهر أنه ذهب إلى حارة حريك تلبية لرأي سياسي سوري.. وهكذا كان.

الآن مضى ما مضى. هل أيقن باسيل أن مشروع جهاد أزعور ساقط وأنه أصبح خارجه؟ ربما. هل أيقن أن مشروع سليمان فرنجية إنتهى؟ قد يكون في باله. هل ذهب إلى “حزب الله” الآن لمحادثته بمستقبل الرئاسة أو مفاوضته على الأسماء؟ الثانية صحيحة، الأولى محل شك. فما بدأه في دمشق يستكمله في الضاحية. وإن توسّعنا وأخذنا كلام المصادر، لقلنا إنه “بدأ توطئة الخيار الثالث مستبقاً مجيء المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان حاملاً الفكرة ذاتها”.

إذاً مكانك راوح. وثيقو الصلة بالحزب، يعتقدون أن الحوار الذي بدأ لتوّه بين الطرفين “مهم جداً” لكنه لشراء الوقت ولكل منهما مصلحته ولا يعوّل عليه في إنتاج حلّ. على طرف “الباسيليين” من يجزم أن “التيار” يهمه إظهار أنه ليس معزولاً مسيحياً ووطنياً. ما زال يتمتع بحيوية سياسية، ويستفيد من فكرة أنه الطرف المسيحي الوحيد الذي يمكنه مخاطبة “حزب الله” ويحظى بقبوله. ومستفيداً من اللحظة، يشيّع أنه ذهب إلى حوار الحزب من خلفية القوي والمقتدر والقادر على تعديل مفاهيم الحزب، فيما الحزب الذي يعلم خلفيات مواقف باسيل، “يطنّش ويطحش”. ما يهمّ،ه الوصول إلى قواسم مشتركة، أما الأهمّ بالنسبة إليه من حوار بادرَ إليه وكان من دشّنه، تهدئة الشارعين الشيعي والمسيحي (الماروني)، وتحصينهما من شرور مرحلة تقفز شياطينها بالتدرج، ويعمل الحزب على لجمها قدر المستطاع، ونظرته أنها المفتاح لتقسيم المجتمع وخلق الحواجز… وتخدم إسرائيل.

يعلم باسيل أنه آتٍ إلى الحزب دون شروط ولبدء حوار “جدي ومفتوح”، ويعلم الحزب أنه ذاهب إلى باسيل “الصلب والمتصلِّب في موقفه”، ويعلم كلاهما أن أحداً ليس في وسعه إقناع الآخر. باسيل حسمها معارضاً لسليمان فرنجية رافضاً له، والحزب حسمها أن فرنجية “رجل ثقة، شجاع ومؤتمن”. قالها السيد، وفيما لو مضى الحزب إلى النهاية في دعم سليمان فرنجية حتى يصبح رئيساً، أقلّها، لن يجد التيار شريكاً في الحكم، وهنا بداية المعضلة لا نهايتها.

في خطاب الأمس، غازلَ “السيد حسن” الرئيس ميشال عون كثيراً. أعاد وصفه بالجبل وشدّد على كلمة جبل. جدّد التذكير بميّزاته وأنه لم يطعن ظهر “المقاومة”. أهم علامة وردت حينما كشف سراً يوم أقدمَ على إرسال مكتوب إلى “الجنرال” خلال وجوده في الدوحة في أعقاب أحداث السابع من أيار 2008 يشكو إليه بعض مسؤولي “التيار” من الذين يهاجمون الحزب بسبب عدم طرحه ترشيح “الجنرال” بنداً. يكرِّر السيد الطلب اليوم، ويفهم من مكتوبه الجديد محاولة استحضار دور جديد للجنرال في التيار والقول له: “ثمة من عادوا لشتمنا من خلفية رئاسية. أين أنت منهم؟”. في السياق، لم يعفِ نصرالله “التيار” من الغزل: وصف جبران باسيل بالصديق، و”التيار الوطني الحر” بالأخوة. العارف بأدبيات الحزب يعلم جيداً موقع “الأخوة”، ومصطلح الصديق ومعانيه وميزات من يحق له أن يكون صديقاً.

في آخر الكلام تذكير. لم يسبق أن مرّت العلاقة بين الحزب والتيار بهذا السوء. الحوار الجاري الآن من أحد أهدافه “شطب” هذه الفترة من التاريخ. وطالما أن الشيء بالشيء يُذكر، يقول مصدر قريب من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، أن “جبران” ما أقلعَ يوماً عن مهاتفة “الحاج وفيق”. مصدر آخر يؤكد أن مسؤولي الحزب والتيار لم ينقطعوا عن بعضهم طيلة فترة إنقطاع التواصل الرسمي. يعني ذلك أن التواصل كان موجوداً والحاجة أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى