أبرز الأخبار

السُّنة في لبنان وخيارات الحريري.. الانسحاب “فيلم هندي”

 صهيب جوهر – عربي بوست

ربما لم تعد تكفي الانهيارات الداخلية التي يعيشها لبنان وشعبه منذ التسوية الرئاسية وصولاً إلى اليوم، حتى تضاف إليها أزمات تداعيات تدخل حزب الله في توترات المنطقة من سوريا، وليس انتهاءً باليمن، فلم تكد تنتهي أزمة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي بتقديم استقالته حتى أتت الأزمة الجديدة، مع إعلان المتحدث باسم التحالف العربي حول دور الحزب إياه في تدريب وتأهيل عناصر حوثية.

في خلفيات الحزم السعودي.. “لبنان معنيٌّ بأمننا”
وكلام التحالف يحمل إشارات واضحة تجاه حزب الله، وأن السعودية لن تمرر ما قام به من نشاطات خارجية تستهدفها. وهو مؤشر إلى مزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة. وهذا الكلام يجري على وقع لجولة حوار يجري التحضير لها بين السعودية وإيران. وقد يكون هدف هذا التصعيد السياسي والإعلامي هو استباق لتلك المفاوضات، في سياق المحاولة للحصول على تنازلات من قبل طهران.

وهذا الموقف السعودي يأتي عقب مواقف أطلقها سفير السعودية في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الذي أكد أنه لا تطبيع مع نظام بشار الأسد، يضاف إلى ذلك معطيات تفيد بالتحضير لعقد مؤتمر موسع لإعادة جمع شمل المعارضة السورية وإعادة هيكلتها من جديد، ضمن تجمع يضم مختلف مكونات المعارضة بتنظيم قطري ودعم سعودي-تركي.

لكن الأهم يتعلق بتوقيت الإعلان عن هذا الأمر، وما يحمله من تصعيد بالمعنى السياسي، الذي يفترض به أن يشكل ضغطاً على لبنان الرسمي، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية، ومحاولته ترتيب العلاقة وإعادة فتح قنوات التواصل مع لبنان، ويمكن ملاحظة أن التحالف العربي لم يعلن أي شروط سياسية من لبنان ولا من الحكومة اللبنانية، ما يعني أن الموقف التصعيدي لم ينطوِ على أي مطلب سعودي جديد.

ضائقة ودعوة انتخابات
وعليه تضيق الحلول أمام الشعب اللبناني المنكوب، حيث باتت السياسة محصورة بتفاصيل يومية تتحكم بها حسابات الأحزاب السياسية، وكل جهة باتت تبحث عن مخرج سياسي يلائمها آنيّاً وانتخابياً، فيما لا جلسات لمجلس الوزراء، ولا حتى بديل عنها.

يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الاستثمار في الوقت الضائع، بسبب تعليق جلسات مجلس الوزراء، منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، بسبب مطالبة الثنائي الشيعي بعزل المحقق العدلي في جريمة المرفأ طارق البيطار.

انتخابياً وعقب “لا قرار”، الصادر عن المجلس الدستوري، حيال طعن التيار الوطني الحر بقانون الانتخابات، وقّع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، في 15 مايو/أيار المقبل، يعتبر المولوي نفسه بهذه الخطوة أرضى معظم الأطراف، أولاً رئيس الجمهورية، الذي أصر على عدم دعوة الهيئات الناخبة في شهر مارس/آذار، بعدما تم التوافق السياسي على هذه النقطة، وثانياً المجتمع الدولي الحريص على إجرائها وتحديد مواعيدها، ما يعني أن جزءاً من المجموعة الحاكمة يود تفويت الفرصة على جهات ليست حريصة عليها.

الحريرية في خياراتها الصعبة
بالمقابل تبرز مؤشرات انتخابية حول انسحاب الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي اللبناني، وهذا الكلام بعيد إذا ما كانت أوساط الحريري حريصة على ترويجه لأهداف سياسية، لكن أوساطاً سياسية ترى أن الحريري يتصرف حتى الآن على قاعدة أن الانتخابات النيابية مؤجلة إلى آجال غير واضحة المدة، هذا هو الاحتمال الأكبر بالنسبة له وهو يمارس حياته السياسية على هذا الأساس.

وفي لبنان نقاشٌ حامٍ حول مصير “الحريرية”، وهناك روايتان حول الموضوع.

الأولى: تقول إن الحريري لن يترشح ولن يتدخل بالترشيحات ربطاً بالدولة المستضيفة أي الإمارات، والتي وفقاً لرواة القصة اشترطت عليه خروجه من عالم السياسة اللبنانية، مقابل السماح له بالدخول لعالم “البزنس”، والتي بات ممرها الإلزامي “أبوظبي القابضة”.

وخيار كهذا فتح الساحة السنية أمام مجهول سياسي وأمني واختراق لوجهين لا يفضلهما السنة المؤيدون للدولة الوطنية، وهما وجه حزب الله الممانع، فيما الوجه المرعب بتصدر متطرفين سياسياً (أشرف ريفي وخالد ضاهر)، ومتطرفين مذهبياً للمشهد السني، وهذا ما تسعى القاهرة والدوحة لمنعه عبر نقاشاتهما المستمرة حول لبنان مع السعوديين والإماراتيين منذ مدة ليست ببعيدة.

وتقول معطيات سياسية أُشيعت في الساعات الأخيرة، إن اجتماعاً عقده الحريري مع كتلته البرلمانية، جرى فيه التداول في التطورات السياسية واستعراض الواقع الانتخابي للتيار، وجرى طرح فكرة مقاطعة الانتخابات، لأنها لن تؤدي إلى أي تغيير مهما كانت النتائج، وليترك البلد لحزب الله وجماعاته وليتحملوا المسؤولية.

عدد كبير من نوابه الذي نفوا هذا الكلام هم من جادلوا الحريري بأن هذا الخيار يعني الانتهاء والاندثار، وهذا الموقف من النواب مرتبط بطموحات شخصية يغذيها طرفا الصراع في المستقبل (أحمد الحريري وأحمد هاشمية)، لأن الجميع يدركون أهمية مظلة الحريرية لخوض معركة انتخابية أمام المد السياسي لعائلات أقفلت بيوتها رغم حصولها على دعم النظام السوري وحزب الله، لذا فالحريري بات يواجه معارضة داخل تياره إذا ما كان هذا النقاش حول الانسحاب جدياً.

الثانية: تقول إن صمت الحريري السلبي وغيابه عن مركز القرار اللبناني هو لتحصيل أمرين معاً؛ التعاطف الشعبي السني المرتبك بدليل أن القوى السنية باتت غير مدركة لأي معركة ستحضر في غياب الحريري، وما هو حجم الفراغ الذي ستملأه في المقاعد البرلمانية، فيما الأمر الآخر هو استعادة الحريري دوره وحضوره السياسي عبر تحوله لحاجة وطنية لبنانية، وهذا ما يبدو في حراك جنبلاط لإعادة الحريري، ورسائل بري له، وصولاً لمحاولة حزب القوات اللبنانية استدراكه بالقول أن لا بديل عن التحالف مع سعد الحريري، وهذه الحاجة في حال باتت أمراً ملزماً بات لزاماً على الحريري العودة للمشهد السياسي وترشحه شخصياً لإنقاذ “جماعته الطائفية” المرتبكة بغيابه.

وعليه، تقول المراجع المطلعة إن هناك لقاءً عقده الحريري مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وهو وفقاً للتعريف السياسي عميد نادي الرؤساء ومنقذ الحريري في أزماته السياسية، هذا اللقاء والذي لم يتمخض عنه أي جديد سياسي، ناقش ملياً أفق المرحلة القادمة. والسنيورة نفسه، وعكس ما يُروّج له، حريص على عودة الحريري، لكن بنفس آخر.

“عامود لا يمكن هدمه” يقول السنيورة عن الحريري، وهو الأكثر تخوفاً من فراغ سياسي في الطائفة السنية، وأن غياب الحريري عنها يعد “تطهيراً عرقياً أبيض”، بحق مكون رئيسي في المنطقة.

الحالمون ونجيب ميقاتي
في النهاية هناك حالمون لوراثة بيت الوسط، بهاء شقيق سعد بات يتصرف أن أخاه انتهى، وأنه يمهد لعودة قوية عبر سلسلة جمعيات ومنصات إعلامية، وبقايا سنة 14 آذار (ريفي ومن يشبهه في التطرف السياسي) يعتقدون أن المشهد سيخلو لمغامرات سياسية، وأن المال السعودي سيعود إلى جيوبهم، والجماعة الإسلامية التي أنهكتها الهزائم والصراعات تعيش ذروة الخروج من “المصباح السياسي”، وهي تعد العدة للترشُّح في مناطق عدة لا تمتلك بها ربع حاصل انتخابي.

 وحده نجيب ميقاتي يتصرف بشكل آخر، الرجل فاتح السفراء قبيل تكليفه أنه غير مرشح في طرابلس، لكنه عقب اتصال بن سلمان بات يحدثه مريدوه أنه ينوي خوض “أم المعارك”، متحزماً بالقدرات المالية والسياسية وعلاقاته في واشنطن وباريس، لذا فإن أحاديث تُنقل عن ميقاتي حول دعم لوائح في مناطق وترشحه شخصياً في طرابلس بكونه حصل على أعلى الأصوات في انتخابات 2018، وعليه فإن هذا الخيار يحتاج وفق المثل الطرابلسي “هز كتاف”، وهذا الهز يعني أن الرجل يرصد ميزانية ضخمة للحظة اختيار الحريري خيار الانسحاب.

فلننتظر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى