أخبار محلية

هل يُغري فرنجيّة باسيل… بالتعيينات الكبرى

كتب وليد شقير في أساس ميديا

انتهت الجلسة النيابية الخامسة إلى ما انتهت إليه.
ماذا عن الجلسة السادسة وكيف سيتواصل اللعب في الوقت الضائع؟
كان بعض نواب “التيار الوطني الحر” يعمل للخروج على خيار الورقة البيضاء التي يلعبها “حزب الله” تجنّباً للمجاهرة بتبنّي مرشّحه المفضّل سليمان فرنجية، في انتظار تبلور تسوية ما، ولا سيّما بعدما فشل في إقناع رئيس “التيار” النائب جبران باسيل بالقبول بفرنجية.

لم تنجح محاولة بعض نواب “التيار” في هذا الصدد لأنّ باسيل مضطرّ إلى مراعاة طلب الحزب منه أن يبقى ملتزماً بالورقة البيضاء، وهو ما أحرج كلّاً من نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب، الذي أعلن قبل أيام أنّه لن يلتزم هذا الخيار وسيصوّت لأحد المرشّحين، وكذلك النائب آلان عون الذي يلحّ منذ فترة على انتقال “التيار” من لعبة الورقة البيضاء إلى تسمية مرشّح يتّفق عليه نواب كتلته. وهو عكَس أمس امتعاضه في تصريحه بعد الجلسة، متمنّياً وقف “هذه المسرحية”، مشدّداً على أن لا أفق مفتوحاً زمنياً لهذه المناورة، وهو ما يوحي بأنّه وزملاء له في تكتّل “لبنان القوي” سيواصلون العمل لأجل تسمية مرشّح في جلسة 17 تشرين الثاني.

تبقى مناورة ترشُّح باسيل من دون أفق لأنّ برّي يرفض هذا الخيار بقوّة، وربّما هذا ما قصده رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط حين قال إنّه اتّفق مع برّي على رفض مرشّح التحدّي
من جهتهم، مهّد بعض النواب التغييريين للخروج من تسمية مرشّح لا يحظى بعددٍ عالٍ من الأصوات مثل الدكتور عصام خليفة، الذي تناقصت الأصوات الداعمة لترشّحه من 10 إلى 7 أمس، والانضمام إلى دعم ترشيح النائب ميشال معوّض لكي يتمّ رفع رقمه إلى 60 صوتاً، بحيث يصبح ممكناً التفاوض مع مستقلّين على دعمه بناءً على ارتفاع حظوظه. في هذه الحال يراهن هذا البعض على ضمّ أعضاء كتلة “الاعتدال الوطني” الستة وأكثرية التغييريين الـ13 إلى خيار معوّض.

في حال بقي عدّاد معوّض في حدود خمسين صوتاً ينتقل البحث إلى مَن يجمع عدد أصوات أعلى، وفي الحسابات اسم صلاح حنين الذي كان ضمن السلّة التي تناولها التغييريون. وفي الحالتين يعتقد هؤلاء أنّه حتى لو استمرّت لعبة تعطيل النصاب من “الثنائي الشيعي” و”التيار الحر”، فإنّ الانتقال إلى هذين الخيارين سيعزّز قدرة معسكر السياديين والتغييريين والمستقلّين على التفاوض على مرشّح تسوية. وقد تدفع نقلة كهذه حزب الله إلى المجاهرة بتبنّي فرنجية.

لا مفاعيل للضغوط الخارجيّة
يرى قطب سياسي أنّ الوضع الحالي سيطول على هذا المنوال في انتظار اتضاح موقف حزب الله، أو ما يأتي من الإقليم، ومن حركة التدخّلات الدولية الضاغطة لأجل انتخاب رئيس جديد. لكنّ هناك من يرى بين النواب الفاعلين، ولا سيّما في صفوف السياديين والتغييريين، أنّ القوى السياسية تقف أمام تحدّي الإقدام على مبادرات تنقل الوضع من المراوحة إلى تحريك المياه الراكدة. وهذا لا بدّ أن يحصل ولو بالحدّ الأدنى في الجلسة السادسة، على الرغم من أنّ الضغوط الخارجية وتلويح الاتحاد الأوروبي بعقوبات على معرقلي انتخاب الرئيس لم ينتجا أيّ مفاعيل على الأرض. في كلّ الأحوال ليس حزب الله محشوراً في الوقت كما سائر الفرقاء.
كان يمكن، حسب القطب إيّاه، لذلك الحوار الذي كان رئيس البرلمان نبيه برّي ينوي الدعوة إليه، ثمّ عاد عنه بحجّة معارضة “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”، أن يؤدّي إلى التقدّم خطوة. فالرئيس برّي كان ينوي في خلال الحوار المتعلّق بالرئاسة الطلب من الكتل النيابية أن تقترح اسماً أو اسمين من المرشّحين، على أن تجري لاحقاً غربلةٌ للأسماء ينجم عنها تفاوض على اسم تُجمع عليه أكثريّة تستطيع إكمال نصاب الثلثين، لضمان انعقاد دورتَيْ الانتخاب الأولى والثانية، بدل البقاء على المراوحة الحالية، وإذا نجحت الفكرة تُعقَد جلسة لانتخابه.

إلا أنّ الأوساط المطّلعة على نيّة رئيس البرلمان تشير إلى أنّه اصطدم بحدّة التنافس المسيحي، وبعدم جهوزيّة حليفه حزب الله الذي يريد تعبيد الطرق لمرشّحه سليمان فرنجية، وبأنّ فكرة ترشُّح جبران باسيل ما زالت مطروحة، وهو أمر كان مدعاة استغراب، لأنّ المعلومات، التي تسرّبت عن نتائج لقاء باسيل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أواخر الشهر الماضي، أفادت أنّ الأخير أبلغ باسيل بأنّ مرشّحه المفضّل هو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وأنّه لا يرى فرصة له ليكون مرشّحاً للرئاسة.

مهّد بعض النواب التغييريين للخروج من تسمية مرشّح لا يحظى بعددٍ عالٍ من الأصوات مثل الدكتور عصام خليفة، الذي تناقصت الأصوات الداعمة لترشّحه من 10 إلى 7 أمس

ورقة باسيل الهالكة في لعبة إضاعة الوقت
إنّ التفسير الذي أُعطي لبقاء فكرة ترشّح باسيل قائمة يتلخّص في أنّ الحزب مع اقتناعه مثل سائر القوى السياسية والنيابية بأنّ ورقة باسيل محروقة ومستحيلة (وهذه قناعة باسيل الضمنية التي عبّر عنها أمام مقرّبين منذ أشهر)، فإنّ المناورة تقضي بإبقائها ورقة تفاوض لكي يستخدمها الحزب في المقايضة. ولذلك حين أعلن باسيل أنّه غير مرشّح، اعتبر قياديون في الحزب أنّه استعجل في هذا الموقف، ويُفشِل المقايضة على ورقته لمصلحة فرنجية.
تبقى مناورة ترشُّح باسيل من دون أفق لأنّ برّي يرفض هذا الخيار بقوّة، وربّما هذا ما قصده رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط حين قال إنّه اتّفق مع برّي على رفض مرشّح التحدّي. لكنّ هذا الرفض لا يستثني إمكانية أن يستخدم برّي موضوع ترشّح باسيل “فزّاعة” لمصلحة خيار فرنجية في اتصالاته مع الفريق المقابل.

مهما كانت التكهّنات بعدم جدّية ورقة باسيل، فإنّ إبقاءها قائمة يفيد الحزب في لعبة إضاعة الوقت، فيما لا يتردّد الرجل في أن يقدّم ترشيحه خدمةً من هذا النوع لحليفه الذي يبقى خلافه معه على ترشيح فرنجية ذا حدود، قياساً إلى التزامه مقتضيات حاجته إلى تكييف الموقف في الداخل اللبناني مع مصالح إيران بإبقاء الفراغ في لبنان جزءاً من أوراقها التفاوضية على الصعيد الإقليمي في مواجهة السعي الدولي العربي إلى الحدّ من نفوذها فيه وفي غيره.
ربّما يكون لهذه الخدمة التي يقدّمها باسيل للحزب مقابلٌ يحصل عليه، بعد سلسلة التراجعات التي مُنِي بها في الشهرين الماضيين، ولا سيّما في معركته من أجل تشكيل حكومة حيث اضطرّ في اليوم الأخير لولاية الرئيس ميشال عون إلى أن يتنازل عن المطالب التي طالب بها الرئيس نجيب ميقاتي، ويقترح عليه التوقيع على مرسوم إصدار الحكومة الحالية كما هي من دون تعديل.

إغراء فرنجيّة لباسيل بالتزامات؟
قد تفرض لعبة إضاعة الوقت هذه على حزب الله أن يسعى مثل خصومه في معسكر معارضيه، الساعين إلى الخروج من المراوحة، إلى توحيد صفوف حلفائه على دعم ترشيح فرنجية. فإذا نجح خصومه في رفع عدد المؤيّدين لمعوّض أو اتفقوا على مرشّح آخر يجذب عدداً أعلى من النواب، فإنّ الأوساط النيابية المعارضة التي تتوقّع مجاهرة الحزب بترشيح فرنجية لا تستبعد أن يضطرّ إلى خطوة مقابلة تقضي بإقناع الأخير بتقديم إغراء لباسيل كي يصطفّ إلى جانبه، على أن يتكفّل بإقناع بعض النواب المتردّدين من السُنّة بصبّ أصواتهم لفرنجية، باعتبار أنّه يصعب إقناع كتلة “اللقاء الديمقراطي” بتأييد رئيس “المردة”. وتستند الأوساط السياسية التي تتحدّث عن احتمال إقناع باسيل بالتصويت لفرنجية إلى تقديرات وحسابات تفيد بأنّ إضافة بضعة أصوات إلى الـ61-62 نائباً الذين يتشكّل منهم معسكر الممانعة، قد تتمّ باقتناع جنبلاط ونواب “اللقاء” بخيار فرنجية، استناداً إلى سابقة يأسهم من القدرة على إنهاء الفراغ كما حصل عام 2016 مع خيار العماد ميشال عون، والتسليم مجدّداً للحزب بخيار فرنجية.
واستندت بعض التكهّنات في هذا الصدد إلى ما قاله جنبلاط بعد لقائه برّي الأحد الماضي من أنّ “هناك غيرنا في البلد”، في سياق حديثه عن التصويت لمعوّض. لكنّ أوساط جنبلاط ونواب “اللقاء الديمقراطي” تجزم أنّهم يفضّلون الامتناع عن توجّه كهذا حتّى لو كانت النتيجة تنحّيهم عن المشاركة في السلطة، والبقاء في موقع المتفرّج، وعلى الرغم من أنّ فرنجية مختلف عن عون.

وفق الأوساط المتابعة لحركة الحزب، قد يكون إغراء باسيل بالاتفاق المسبق بينه وبين فرنجية على إرضائه بمجموعة من التعيينات في الولاية الرئاسية المقبلة، تتناول حاكمية مصرف لبنان، قيادة الجيش، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى، والمناصب المهمّة في وزارة الخارجية، أو في بعض هذه المواقع على الأقلّ. وفي هذه الحال يكون فرنجية، الذي كان رفض سابقاً الالتزام المسبق بما يريده باسيل، قد وسم رئاسته المحتملة بسمة العهد الرئاسي الذي يشكّل استمرارية للعهد العوني، سواء من زاوية الهيمنة على مؤسسات حسّاسة في البلد، أو من زاوية إثبات الصفة التي يأخذها عليه معارضوه بأنّه ينفّذ في الرئاسة ما يمليه عليه الحزب. وستسبق التداعيات الخارجية لهذا الأمر نظيرتها الداخلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى