أبرز الأخباربأقلامهم

لوسيان عون / المسيحيون في حالة انتحار جماعي!

ألمحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

ما كان ينقص ليكتمل النقل بالزعرور في وطن مثقل بالازمات المالية والسياسية والمعيشية الا الخلاف المسيحي – المسيحي الذي فجّر الخلافات السياسية حتى داخل الكتل النيابية، فحوّل اوراق الاقتراع للرئاسة الى اوراق بيض تشهد تعطيلاً يعكس انقساماً حاداً داخل صفوف قوى ٨ آذار كما فجّر كتلة نواب الثورة فأخرج من أخرج منهم وحرد من حرد، واستحضر مرشحين تقليديين وغير تقليديين الى حد استيلاد شخصيات ممن لم تحلم يوماً ب ” ترشبحها” قسراً وبالقوة لرئاسة الجمهورية، الى حد وصل الامر بهم نسف بلدات عريقة كزغرتا مثلاً لتخرج بمرشحين اثنين من عائلتين مختلفتين بسياستين متخاصمتين، هذا دون ان ننسى مرشحين نساء ورجالاً ترشحوا وهم على يقين بانهم لم يصلوا يوماَ الى بعبدا لكن همهم اقتصر على خرق العرف، وان ليس من مانع في ذاك الترشح لايصال صوتهم يوماً او برنامجهم أو ايصال رسالة مفادها ان منصب الرئاسة ليس حكراَ على الاقطاع والتوارث بل لا شيء يمنع من وصول شخص من عامة الشعب الى قصر الرئاسة.
الاهم في الامر أن المسيحيون يستعيدون حقبة ” الانتحار الجماعي ” التي عاشها المسيحيون منذ توقيع اتفاق القاهرة عام ١٩٦٩ في اواخر عهد الرئيس شارل حلو مروراَ بانقسامهم الى منتمين الى الجبهات ” اللبنانية” و ” الاشتراكية” و ” الشيوعية” و ” الحركة الوطنية” و ” القوميين” وسواها عام ١٩٧٥ مروراً بحروب ومجازر الاحزاب اليمينية عام ١٩٨٠ بين الاحرار والكتائب مروراً بحرب الاتفاق الثلاثي عام ١٩٨٥ و ١٩٨٦ وصولاِ الى حرب الالغاء عام ١٩٩٠ بين وحدات جيش العماد عون والقوات اللبنانية والتي ادت الى هزيمة كلي الفريقين المسيحيين ولوي ذراع القوة المسيحية الضربة التي تسببت بتهجير مليون مسيحي لبناني الى خارج البلاد وانتزاع معظم صلاحيات رئيس الجمهوريك ” الماروني” ومنحها لمجلس الوزراء مجتمعاً.
اليوم ومنذ شهرين ونيف، استعاد المسيحيون عصب ارتكابهم مجزرة الانتحار الجماعي واستعادة نزعة ” ال أنا والا الطوفان والنسف والانتحار” وهو خيار تفجير الذات ضمن محيط عدائي صرف على قاعدة : ” ان كانوا لا يستسيغون رأسي فليكن نسف كل الرؤوس مجتمعين بمن حضر” وتلك خطة الطريق والمنهجية التي تطبق على مستوى معركة رئاسة الجمهورية بحيث فريق مسيحي ارتأى حرق الاوراق عبر التسلية والاقتراع لاسماء لم ترغب هي نفسها بتولي الرئاسة يوماً بينما اراد فريق اخري تعطيل جلسات الانتخاب عبر السير مع آخرين بسياسة الاوراق البيضاء لتتخطى الخمسين ورقة، أم بتعطيل النصاب ،كما سبق وحصل خلال عامين ونصف سبقا انتخاب العماد عون ،ولو لم تتدخل الدول الكبرى وتضغط على النواب لاستحضارهم في نهاية تشرين الاول عام ٢٠١٦ لكان الفراغ ممتداِ حتى يومنا الحاضر.
وبين النزف الاقتصادي والانهيار المالي وافلاس الخزينة والمصارف والمودعين على السواء ، ينتفي التحسس بالمسؤولية وتغيب الروح الوطنية الجامعة، فينسى معظم نواب الأمة أن غالبية الشعب اللبناني بحاجة للمال والدواء والمسكن والطبابة والتعليم والاستشفاء، وحتى لربطة الخبز والماء وقالب الجبنة وحبة الزيتون وكرتونة البيض، فلا من مجيب ولا من يشعر بازمة هؤلاء لان المسؤولين يعيشون في قصورهم العاجية على قمم الجبال تزودهم مولدات الكهرباء الخاصة بالتيار وينعمون بحراسة امنية وتصلهم رواتبهم ومخصصاتهم وتتولى صناديق تمويل احتياجاتهم وتسدد فواتيرهم بينما شعبهم يذن تحت وطاة التضخم القاتل.
هي اشبه بلعبة مسدس البكر، زعماء مسيحيون لن يخسروا المال والنفوذ والمنصب الا واحد سيتربع على عرش بعبدا فيما الشعب خاسر أنى كان الرئيس لان المافيا باقية والمجرمون باقون والمتصارعون من المسيحيين سوف يستعدون لمعركة ما بعد ست سنوات أخرى من عمر الوطن….
انها جلجلة من الخروب المدمرة والصراعات الدموية والهجرة والمجاعة والبؤس بدأت العام ١٩٧٥ ولم تجد حتى اليوم من يحاسب ومن يحاكم ومن يردع ومن يضع حداً لانتحار جماعي مستمر حتى آخر رمق مسيحي في سبيل كرسي شكل محرقة لمن يجلس عليه.
فمتى يدرك الطامحون والطامعون ان الخلاص في التضحية عملاً بتعاليم المسيحي بعدما شكل الجشع داءاً أجهز على المجتمع المسيحي وبات اشبه بقنبلة ذرية لم يسلم منها البشر والحجر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى