أبرز الأخبار

الأكثريات ممنوعة من حكم لبنان.. و”التوافق” قد يجدد لميقاتي

يدور صراع لبناني قديم جديد. صراع بين من يأخذ بنظرية الأكثرية والتصويت، ومن يريد الاستمرار في تكريس منطق التوافق. أكثر من مرّة استخدم رئيس مجلس النواب نبيه برّي كلمة التوافق في جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء 31 أيار الماضي، فقال في أكثر من محطة إن العادة درجت أن يتم التوافق على الأمور، وفي ما بعد يجري التصويت عليها لإقرارها.
لاقى هذا الموقف اعتراضًا من نواب كثيرين، اعتبروا أنه لا يمكن العودة إلى نظريات التوافق، لا تحت الطاولة ولا فوقها، ويجب الاقتناع بضرورة التصويت والاقتراع دومًا. من شأن هذا الصراع بين الوجهتين أن يؤدي إما إلى تعطيل وشلل، وإما إلى توترات وصدامات.

تجربة 14 آذار
حاولت قوى 14 آذار مرارًا اعتماد نظرية التصويت والأكثرية سابقًا، وتحديدًا بعد انتخابات العام 2005 و2009. ونجم عن ذلك توترات كثيرة، حروب واغتيالات ومعارك، إلى أن رضخت تلك القوى إلى منطق التسويات السياسية.

الأمر نفسه يتكرر حاليًا مع قوى عدة تريد تكريس نظرية التصويت، رافضة التوافق، إما لتغيير موازين سياسية، وإما لعدم مشاركة هذه القوى في آلية تداول السلطة مع المنظومة. ولكن ذلك قد يؤدي إلى استفادة أركان السلطة بحنكتها وقدرتها على جذب بعض المستقلين، كما حصل في انتخاب ررئيس المجلس النيابي ونائبه أخيرًا.

سوابق تاريخية
لا بد من العودة اليوم إلى تجارب تاريخية حول تجليات الصراع بين التوافق والتصويت بالأكثرية. فالتصويت لصالح سليمان فرنجية في العام 1970 لرئاسة الجمهورية، وفوزه بفارق صوت واحد، أدخلا لبنان باضطراب كبير أدى الحرب. فيما جاءت مرحلة التوافق على الياس سركيس كمرحلة من مراحل إدارة الأزمة. ولا حاجة للعودة إلى المقارنة بين عهدي كميل شمعون وفؤاد شهاب.

في مرحلة ما بعد الطائف، فرض النظام السوري أكثرية نيابية للتمديد لإميل لحود، فأدى ذلك إلى إدخال البلد في انقسامات كبيرة أوصلت إلى القرار 1559 وما تلاه. وانعكس ذلك تصعيدًا سياسيًا عمّق الأزمات. وكأن هناك من يقول إن النظام اللبناني خلق ليكون للتوافق بين القوى، وعندما تُعتمد آلية الأكثرية والأقلية، يدخل لبنان في دوامة من الأزمات.

توافقات حزب الله
مثل هذه المشاهد والأحداث قابلة لأن تتكرر في المجلس النيابي الحالي. وربما بعنف أشد من سوابقه، نتيجة الانهيارات والأزمات الطاحنة. فحزب الله يعمل اليوم على جمع الأكثرية وتجييرها لتصب في صالحه. وبذلك يرضى ويرتضي. أما عندما يفشل في ذلك، ويكون خصومه قادرين على نسج أكثريتهم، يكون اللجوء إلى التهديد أو التصعيد خيارًا واحدًا أوحد، لتعطيل مفاعيل الأكثرية وما يمكنها تكريسه في الميزان السياسي.

انطلاقًا من هذا الميزان، نجح نواب الثورة في فرض إيقاعهم الإيجابي، بسلوك توافقي مع ترشيح غسان سكاف. لكن النواب المستقلون أخطأوا الحساب السياسي العام لصالح حسابات شخصية ومصلحية ضيقة.

هنا تظهر وجهة نظر واضحة لا لبس فيها: القوى السياسية “التقليدية” قادرة على إعادة إنتاج نفسها بقوة، بالرهان على خلافات الآخرين، أو باستقطابها البعض منهم. والطريقة الوحيدة القادرة على منعهم من ذلك، هي فرض وقائع سياسية بفعل توسيع هامش ومروحة التحالفات للجم من يفكر في التغريد خارج السرب.

القوات خارج السرب
ثمة نتيجة ثانية لا بد من تسجيلها: ما تبقى من تيار المستقبل لا يزال يفضّل التفاهم مع حركة أمل وحزب الله، وحتى مع التيار العوني، على حساب التفاهم مع القوى الأخرى، وتحديدًا القوات اللبنانية. لذا ظهرت القوات وكأنها وحيدة في المعركة.

وهذا قد يشعرها بالعزلة وفقدان قدرتها على التأثير، على الرغم من الكتلة الكبيرة التي نالتها. وربما تعود إلى تليين مواقفها والبحث عن تحالفات أكثر عمقًا ورسوخًا.

المؤشرات هذه كلها تفيد أن المجلس النيابي قابل للدخول في حال من التعطيل، أو من انتهاز القوى السلطوية فرص فرض إرادتها، ما لم يتدارك الآخرون حاجتهم الواقعية إلى التفاهم وتوسيع مروحة التحالفات. وفي هذا السياق قال رئيس حزب القوات سمير جعجع لـ”رويترز” إن “حزبه سيرفض أي شخص متحالف مع حزب الله لمنصب رئيس الوزراء، وسيلتزم بمقاطعته للحكومة إذا تشكلت حكومة توافقية جديدة”. واعتبر: “إذا حكومة مثل العادة مع الكل أكيد ما منوافق وما منشارك”، مضيفاً: “ما ينبسطوا كتير حزب الله، والانقسامات في البرلمان ستؤدي إلى مواجهة كبيرة معه”.

تلاقي قوى التقليد السلطوي
فالالتقاء الذي حصل بين الأفرقاء على انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، ولا سيما التقاطع بين حزب الله، حركة أمل، التيار العوني، والحزب التقدمي الاشتراكي، قابل لأن يتكرر في معركة رئاسة الحكومة. وفي ظل تشتت النواب السنّة، وانعدام النظرة الموحدة بين نواب التغيير والنواب المستقلين ومعارضي حزب الله، فإن الحتمية السياسية تقود ميقاتي إلى رئاسة الحكومة مجددًا، بفعل التقاطع بين القوى السياسية “التقليدية” أو “السلطوية”.

وميقاتي لا يزال يحظى بدعم خارجي فرنسي خصوصًا، وداخلي من القوى المذكورة. فمعركته في ملف الكهرباء لم تكن سوى نوع من رفع السقف بطريقة ذكية، للحصول على مزيد من الدعم الداخلي والخارجي. ولإظهار نفسه بأنه يواجه رئيس الجمهورية وفريقه، وليمتلك ناصية البقاء والعمل انطلاقًا من حتمية الاستمرار في معالجة الملفات الاقتصادية التي بدأتها حكومته.

المصدر: جريدة المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى