بأقلامهم

١٤ آذار.. رغم الخيبات

طوني ابو روحانا

عندما يتكلّم بعضهم عن 14آذار، سرعان ما يتبادر الى الأذهان أنها من زمن آخر، مضى الى غير رجعة، وأن لا إمكانية بعد اليوم، لضخ الحياة مجدداً في أوصالها، قد يكون هذا البعض محقاً في أماكن ومحطات كثيرة، إنما هذا لا يعني أن 14آذار كانت مجرّد مشهدية التزمت الزمان والمكان ليوم واحد لا يتكرّر، تُهزَم او تنتصر في لحظات غضب، وأن تلك ”الظاهرة“ التاريخية بعد 3عقود من الإحتلال، ما كانت أولى بوادر خارطة طريق لاستقلال لا يُمكن أن يُصادره أي فائض قوّة، ولا أي احتلال أياً تكن ملامحه المستجدة.. ومهما حاول بعض الآذاريين ربط الحلول بالإستسلام، والتبرير بالمصلحة الوطنية، وخير دليل، أنها لازالت موجودة، تخوض معاركها الأصيلة بما أمكن وتَيَسَّر، وتفوح عطر حق ما عرفه لبنان مجتمعاً من قبل، تتعثر، تسقط، تعاود النهوض، تنتفض، 14آذار حكاية ناس عادوا من البعيد الى رحاب الشراكة، الى رحاب اللقاء وقرروا أن هذا هو الوطن الذي يُريدون، دائماً معاً مهما اختلفوا، بدون استئذان أحد، ولا بطاقات عبور احتكرتها طوائفهم وزعاماتهم على مر سنوات الإقتتال، وعلى رغم سعي المغرضين، والمحاولات الحثيثة لإعادة عقارب التاريخ الى الوراء، تاريخ الدم والدمار.

14آذر لا تُختَصَر بالذين ركبوا الموجة في أوجها، صدفة، ثم غادروها خوفاً، ولا تنتهي برحيل فريق يُحدّد هوية ولاءاته وفق متغيّرات أجندة ارتباطاته الخارجية، فالمعادلة ليست في السياسة وحدها، ولا في الشعر والمنابر والخطباء، إنما في شعب قرّر الكرامة، ولازال يرفض بإصرار، أن يكون فريسة لحظة تبدل إقليمية، او ضحية لحظة جبانة غيّرت في مسار قياداته.

لماذا 14آذار.. رغم الخيبات؟

ببساطة، ودون أي تجنٍ او كيدية، لأن ”14آذار“ تُعادل السلم الأهلي، ولأن أي طرح آخر، كالطروحات التي تشهدها يومياتنا، والحوارات، والخلطات العجيبة، وسيناريوهات الإنقاذ والوطنية، لا يُمكن أن يُعَبّر سوى عن خيار من إثنين.. إما الإحتلال، وإما العودة الى الإقتتال الداخلي حتى إعادة إرسائه، ولأن 14آذار، الحقيقية، الأصيلة، نبض الناس، لا يُمكن أن تحتمل فكرة أن تتحوّل الى بيئة حاضنة لفريق في المقلب الآخر، يرفض البلد بالكامل إن لم يكن على مقاس مشروعه، ويقف حجر عثرة في وجه استعادته للحياة، إن لم تكن أنفاسه في يده، 14آذار التي لا تحتمل فكرة أن تكون الأوكسيجين لغير الدولة الشرعية التي تحمي الجميع، وينتمي إليها الجميع، بطوائفهم ومذاهبهم، وهوياتهم، السياسية والثقافية والإجتماعية، ولا يتكرّر لحظة العبور إليها، مشهد الأطماع والمناصب، والذين تهاووا في الطريق، وما أكثرهم.

ببساطة، 14آذار.. رغم الخيبات، لأنها المناخ الوحيد الذي يتجاوز الإصطفافات الى رحاب الجمهورية، ولأن أي خيار بديل، لن يكون أبداً سوى أمر عمليات يستدرج العصبيات الإنقلابية، وينتهك بتسعير التباينات كل بعد وطني في إرادة الناس،14آذار، لأنها قضية وطن لا يُمكن اغتياله، لا باغتيال أهل الرأي فيه، ولا باغتيال رأي أهله، لا يتداعى وإن تداعت كل زعاماته حتى الإنهيار، ومهما حاول بعضها، على وقع التسويات الهجينة، التوطئة لواقع سياسي ودستوري جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى