أخبار محلية

بين مصالح باسيل وكرسي عون “فرط” التيار.. ومن يبقى يبقى لأجل المراكز

كتبت بشرى الوجه لـ “هنا لبنان”:

عاش التيار الوطني الحر في سنوات ما بعد عودة الرئيس ميشال عون من منفاه في العام 2005 فترة “عز”، تتمثّل بـ “70 بالمئة تمثيل للمسيحيين”، كما كان يقول أو يدّعي “البرتقاليّون” الحاليون والسابقون، إلّا أنّ هذا التمثيل قد انتهى فعليًا منذ الانتخابات النيابية عام 2018.

واليوم يعيش التيار أزمة داخلية حقيقية في ظل الانشقاقات التي تطال “المؤسسين” والكوادر، آخرها استقالة النائب حكمت ديب، “والحبل ع الجرار”، كما يُنشر ويُشاع، غير أنّ من يستقيل وينشق عن التيار دائمًا ما يُرجع السبب إلى “وعيهم” لانحراف التيّار عن المبادئ التي تأسس عليها، بينما بالحقيقة تكون الأسباب متعلّقة بتعارض مصالح المنشقين مع مصالح رئيس التياّر جبران باسيل، لتكون النتيجة ولادة “باسيل صغير” داخل كلّ عونيّ لم يصل لمبتغاه، فينشقّ!

هذا بالطبع بالإضافة إلى التراجع الهائل في صفوف القاعدة الشعبية للتيار، الذي لم يعش مثله منذ نشأته، والذي ربما لم يستوعبه بعد.

أمّا شعار “الإصلاح والتغيير”، فلم يُطبّق في أي مركز ومكان وطأته قدم “برتقالية”، وتبيّن أنّه مجرّد سُلّم للوصول إلى المراكز والكراسي.

اتفاق “مار مخايل”.. أوّل ضربة كف

يروي رئيس الهيئة التنفيذية في مجموعة “أنا خط أحمر” وضاح الصادق مسيرة التيار الوطني الحر التراجعية، فيقول: “التيار بُنيَ في الأساس على فكرة “الإصلاح والتغيير” وأنه خارج السلطة والحكم، وكان لديه معركة أساسية بالرغم من أنه في سنوات 1988 و1989 و1990، كان هناك خيبات أمل كبيرة إن كان من الحرب آنذاك أو من طريقة خروج ميشال عون من قصر بعبدا، لكن عملية بناء التيار بقيت تتم على أساس مشروع الإصلاح والتغيير كونه التيار المعارض من خارج لبنان أوّلًا ومن ثمّ من داخل لبنان، ومع مجيء ميشال عون عام 2005، انتقل التيار لحالة أكبر، وهي “التسونامي الشعبي” بسبب ما سُمّي بـ “عزل عون” بعد التحالف الرباعي، حتّى هذه المرحلة كان وضع التيار ممتازًا”.

يضيف: “أول ضربة كف تلقّاها من يتّبع المبادئ التي نادى بها ميشال عون – وهي أساسًا مبادئ في داخلها نيّات أخرى – كان تفاهم “مار مخايل” مع “حزب الله”، لأنّ هذا التفاهم ألغى تقريبًا نصف ما نادى فيه التيار، خصوصًا أنه قبل أشهر قليلة من التفاهم أتت تصريحات عون الشهيرة والتي قال فيها إن “حزب الله” حزب إرهابي وبوجوده لن تقوم قائمة للبنان، وأنّ موضوع خروج سوريا من لبنان هو موضوع مهم وأنّ النظام السوري هو من قتل رفيق الحريري، لذلك هناك من لم يستوعب هذا التغيير الكبير وزاح عن التيار، إلّا أنّه في هذه المرحلة كانت الانشقاقات أكبر على صعيد القاعدة الشعبية وكوادر الصف الثاني والثالث، لأنّهم استاؤوا من التحالف مع الحزب معتبرين أنّه أخلّ بكل مبادئ التيار، فمسألة السلاح هي نقص بالسيادة”.

مصالح باسيل.. وكرسي الرئاسة

يعتبر الصادق أنّ موضوع التقارب مع سوريا والانضمام بشكل كامل إلى ما يُسمّى بمحور الممانعة خلق أزمة لكنّها لم تظهر للعلن، غير أنّ الأزمات الكبيرة برأيه “بدأت عند استلام جبران باسيل التيار بالكامل، فكيف لمن يُطالب بالإصلاح والتغيير أن يحوّل الانتخابات الداخلية إلى تعيينية ويسلب الكوادر حقها الديمقراطي في الاختيار ويعيّن من يشاء في مراكز القرار، لذا بدأت الكوادر بالابتعاد الواحد تلو الآخر”.

ويعطي الصادق مثالًا على مصالح باسيل الخاصّة، إذ أنّه و”بالعودة إلى عام 2010، صرّح جبران باسيل خلال لقاء تلفزيوني قائلًا إنّ بواخر الكهرباء هي سرقة العصر، إلّا أنّه في عام 2011 ومع تعيينه وزيرًا للطاقة وقّع على صفقة البواخر التي كان قد وصفها بالفضيحة قبل عام وأصبح يدافع عنها لما فيها من منفعة كبيرة له”.

ويضيف: “هنا يمكن الجمع بين وجود العونيين في الوزارات وبين شبهات الفساد والسرقة، فهم خلال خمس سنوات من وجودهم في الوزارات لم ينجزوا شيئًا”.

يكمل الصادق سرد معضلات التيار الداخلية، فيقول: “ثمّ أتى ميشال عون رئيسًا للجمهورية بتسوية رئاسية، وفي هذه المرحلة تغيّر كل شيء، فبدأ الرئيس عون بنقض كل ما قاله في السابق من خلال تحكم العائلة بشكل كامل بكل قرارات القصر الجمهوري. هنا بدأنا نشهد على انسحاب الكوادر الأساسية مثل زياد عبس وعصام أبو جمرة لأنهم اكتشفوا أنّه لا يوجد إصلاح ولا تغيير ولا ديمقراطية قرار ولا خطة، إنّما فقط من يريد الكرسي”.

القناعة أم المراكز؟

وحول ما يجمع المنشقين بثورة أو انتفاضة 17 تشرين، فيعتبر أنّ القاعدة الشعبية التي ابتعدت عن التيار – وهم كثر – تلتقي مع “17 تشرين” بكل مبادئها، إنّما بالنسبة للكوادر الأساسية، فالثورة لم تغيّر من وجهة نظرهم لأنّ من بقي في التيار بقي من أجل المراكز، وليس من أجل القناعات”.

ويضيف: “هناك من بقوا بالرغم من معارضتهم لخط جبران باسيل وذلك فقط بهدف حفاظهم على مراكزهم الوزارية والنيابة أو غيرها، فمجرّد ما يقال لهؤلاء مثلً أنت غير مرشّح أو أنت لا مركزًا لك، لن يبقى في التيار، لأنهم لم يلتقوا معه لا على العناوين الرئيسية ولا على العقيدة أو الاستراتيجية السياسية أو الرؤية، إنّما فقط على المصالح الشخصية وعلى الكراسي”.

من السبب وراء اضمحلال التيار، ميشال عون أم جبران باسيل؟ يجيب الصادق: “الجميع يقر بأن القرار لا يزال لدى عون، فهو المحرّك الأساسي والاستراتيجي، ولكن لا شك أنّ باسيل يتحكّم اليوم بالتفاصيل اليومية كاختيار النواب مثلًا”.

الـ70% صارت 15%

يرى الصادق أنّ التيار الوطني الحر وصل في وقت ما إلى نسبة 70 بالمئة تمثيل للمسحيين، لكنّ “اليوم النسبة وبحسب الأرقام الموجودة وصلت إلى الـ 15 بالمئة أو ما دونها، وفي الإنتخابات المقبلة ستكون نصف كتلة التيار النيابية من أصوات حلفائهم، وتحديدًا “حزب الله”، هذا سيحصل مثلًا في دائرة بيروت الثانية وفي بعلبك – الهرمل وفي الجنوب الثالثة”، مضيفًا: “هنا يبرز السؤال الكبير: في حال قيّم التيار إنجازاته وأخطاءه في السنوات الأخيرة، هل سيسأل نفسه لماذا تراجع تمثيلنا من 70 إلى 15 بالمئة؟”

أمّا الناشط السياسي والمرشح للانتخابات النيابية مارك ضو، فيعتبر أنّ “نسبة الـ 70 بالمئة كانت مضخمة وأتت كردة فعل على التحالف الرباعي الذي حصل في العام 2005، أما اليوم فكل جهة سياسية تأخذ حجمها بناءً على خياراتها السياسية وعلى ممارساتها في الحكم، خاصة التيار الوطني الحر”.

ويرى ضو أنّ “التسويات التي قام بها التيار كما القوى السياسية التقليدية الأخرى، بالإضافة إلى الفشل في إدارة شؤون الحكم، انعكست على حضورهم ومصداقيتهم في إقناع الناس”، معتبرًا أنّ “عون وباسيل هما مسؤولان أكثر من غيرهما عن وضع التيار الحالي، لكنّ من وافق على سياساتهما ومشى معهما لا يمكنه التنصّل من مسؤولياته”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى