أخبار محلية

مَن تآمَرَ على العسكريين المتقاعدين؟

بعد نحو 6 أشهر من رفع المطالب وتصعيد التحركّات التي قام بها موظّفو الإدارة العامة والعسكريين المتقاعدين، أقرّ مجلس الوزراء في جلسة يوم الأربعاء 28 شباط، جملة من الزيادات على الرواتب. لكن هذه الخلاصة لم تُقفِل الملفّ، بسبب عدم تناسب الرواتب الجديدة مع نسبة التضخّم وحجم الغلاء المعيشي. كما أن المطلب الأساسي للموظّفين والمتقاعدين، هو إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة.

وبعيداً من المطلب الرئيسي الذي تلخّصه السلسلة، كان من المفترض أن يحصل العسكريون المتقاعدون على أفضل ممّا أقرّ لهم اليوم، إلا أن “ثمّة مَن تآمَرَ علينا”، وفق ما تؤكّده لـ”المدن”، مصادر من العسكرين المتقاعدين. فهل يكون الإقرار غير الكافي، سبباً لإشعال الشارع مجدداً؟

إقرار بعيد من التوقّعات
سرقَ ملفّ الرواتب الأضواء من باقي بنود جدول أعمال جلسة الحكومة. وباستثناء سحب مشروع قانون تنظيم المصارف من التداول “لمزيد من البحث”، لم تأخذ البنود الأخرى أي “ضجّة”. وفي نهاية الجلسة، أعطى مجلس الوزراء الموظفين والمتقاعدين زيادات ترفع ما يتقاضونه شهرياً إلى 9 رواتب.
وفي التفاصيل، أعطيَ العسكريون في الخدمة الفعلية والمتقاعدون 3 رواتب إضافية، على ألا تقل الزيادة عن 8 ملايين ليرة لبنانية زائد بدل سائق للضباط المتقاعدين الذين يستفيدون من سائق ويحدد بـ5 ملايين ليرة. أما الموظفون الإداريون فأقرَّ لهم راتبان، ومكافأة شهرية للموظفين وفق معايير إنتاجية محددة، فضلاً عن بدل حضور يومي للموظفين يتراوح بين 8 و16 صفيحة بنزين، بمعدل 14 يوم عمل في الشهر كحد أقصى شرط عدم التغيب. وبذلك، باتت قيمة الرواتب في القطاع العام، في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، تتراوح بين نحو 400 دولار و1200 دولار. علماً أن الرواتب ستُحتَسَب بمفعول رجعي بدءاً من كانون الأول 2023.

ارتفعَت الرواتب لكنّها “ما زالت لا توازي حجم الغلاء المعيشي ولا تتناسب مع أسعار السلع والخدمات والفاتورة الصحية والاستشفائية، ولا تلبّي مطالبنا”، وفق ما تقوله مصادر من بين العسكريين المتقاعدين، والتي تلفت النظر إلى أن “التوقّعات كانت أبعد مما أُقِر، ومع ذلك لم تكن النتيجة مُستَغرَبة”. وعدم رضى العسكريين المتقاعدين التقى بعدم رضى موظّفي الإدارات العامة الذين طالبوا منذ البداية بسلسلة رتب ورواتب جديدة، وليس بزيادات لا تدخل في صلب الراتب. وعليه، يصف عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي القطاع العام ابراهيم نحّال، ما أقرّته الحكومة اليوم، بأنه “محاولة معالجة آنية وتهرُّب من المسؤولية. لأن المطلوب هو سلسلة رتب ورواتب تؤمِّن استمرار الحياة الاجتماعية للموظفين”.

حَذَرٌ ودراسة وتصعيد
النتائج غير المرضية أدّت إلى إشاعة جوّ من الحَذَر تجاه المستقبل القريب. فالموظّفون والمتقاعدون يدركون أن ما أعطيَ لهم اليوم هو بلا قيمة فعلية. فمن جهة، لا يغطّي أكلاف المعيشة، ومن جهة أخرى يدرك الموظّفون أنهم لن يستفيدوا من الزيادات بعد إحالتهم إلى التقاعد. ولذلك، كل الاحتمالات مفتوحة أمام الموظّفين والعسكريين المتقاعدين.

بالنسبة للموظّفين، يشير نحّال إلى أن “الرابطة ستدرس الأرقام التي أقرَّت في الجلسة، وستقارنها مع نسب التضخّم ومؤشِّرات أخرى، وسيبنى على الشيء مقتضاه، إما بالتوصية بفكّ الإضراب أو استمراره”. ولفت نحّال النظر إلى أن ما أُقِر لم يشمل “ضم الزيادات إلى صلب الراتب، والتقديمات الاجتماعية والاستشفائية والطبية، ودعم التعليم الرسمي المدرسي والجامعي، ودعم المستشفى الحكومي وملفّ الصناديق الضامنة، وهي أمور تأجَّلَ بحثها اليوم”. ولذلك، ستكون هذه النقاط مدخلاً لإبقاء الموظّفين على أهبة الاستعداد للتحرّك سواء في الشارع أو عبر الإضراب العام.
حاجة الموظفين للدراسة الإضافية، قابلها سخط كبير من قِبَل العسكريين المتقاعدين. إذ كان ردّ فعلهم على مقررات الجلسة أقسى، ذلك أنّهم كانوا يتوقّعون “زيادة إضافية على الرواتب، هي عبارة عن 4 رواتب وليس 3. لكن بعض الضبّاط المتقاعدين المقرّبين من أصحاب القرار في السلطة السياسية، تآمروا على زملائهم وقبلوا بالمعاشات الثلاثة، واستَبَقوا جلسة اليوم بإرسال تسجيلات صوتية عبر الواتساب تُحبِط العسكريين المتقاعدين وتقنعهم بقبول 3 معاشات لأنها افضل الممكن ولا مجال للضغط لقبول أكثر من ذلك، وهذا ما ساهم في جعل التحرّك في ساحة رياض الصلح خجولاً”، على حد تعبير المصادر التي تؤكّد أن “هوية هؤلاء سرعان ما انكشفت، ونتحفّظ عن ذكرها”. ولذلك، تؤكّد المصادر أن “تحرّكات العسكريين المتقاعدين مستمرة في الشارع”. وبموجب الزيادات، تشرح المصادر أن رواتب العسكريين ستتراوح بين “نحو 160 دولار للجنود، ونحو 220 دولار للرتباء وبين 300 إلى 450 دولار للضباط”.

ما حصل اليوم في جلسة الحكومة كان خطوة إلى الأمام، لكنها بطيئة جداً ولا تؤسس لتصحيح خلل اقتصادي واجتماعي قاتل بالنسبة لموظّفي القطاع العام، في الخدمة الفعلية والمتقاعدين. ولذلك، من المتوقَّع أن ينفجر الشارع مجدداً في أي لحظة، سيّما إذا تعمَّقَ الشرخ بين الموظّفين والمتقاعدين المنقسمين بين مؤيِّدٍ للقبول بمكرمات السلطة السياسية، وبين رافضٍ لها يدعو إلى التصعيد لانتزاع المزيد من الحقوق.

المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى