أبرز الأخبار

هل يعود الحريري على حصان غزة؟

المصدر : لبنان الكبير

منذ 14 شباط 2024 حين تكلم رئيس تيار “المستقبل سعد الحريري عن الاعتدال الذي استشهد لأجله رفيق الحريري، يخرج بعض النواب خصوصاً السُنَّة الذين سئموا الجلوس على مقاعد الاحتياط السياسي طيلة الأعوام المنصرمة ولم يكادوا يهنأوا باقتناص كراسيهم النيابية على حين غفلة من ضياع بوصلة الوطن الذي تأرجح بين الانتفاضة على السلطة أو من أجلها، هؤلاء النواب الذين أخافتهم هالة الاطلالة الحريرية الكبرى وما حملته من رسائل من وإلى الداخل والخارج خشية عودة المياه السياسية إلى مجاريها الطبيعية والتي ستعيد الكل إلى حيث يجب أن يكونوا. فهل أدرك العرب حتمية وجود الاعتدال السني الذي يمثله سعد الحريري في لبنان؟

الطائفة السنية والاعتدال السياسي

مما يروّج له هؤلاء النواب الغيارى على الطائفة والوطن والاقليم أن سعد الحريري يطرح اعتداله السياسي كورقة مساومة تسووية باتجاه السعوديين الذين يعتنقون خط الاعتدال في زمن صعود جماعات الاسلام السياسي خصوصاً على أثر عملية “طوفان الأقصى” وما أرسته من وقائع سياسية مختلفة في ميزان القوى الجديد.

في هذا السياق، يتحدث مراقب مسيحي متخصص في العلوم السياسية والتاريخ الاسلامي لـ “لبنان الكبير” قائلاً: “إنَّ الاعتدال بمفهومه الديني مطلوب بمواجهة التطرف، ولكن بمفهومه السياسي مرفوض اليوم خصوصاً في ظل تموضع البعض ضمن محور سياسي محدد الأهداف تقوده إيران في العالم العربي، وبالتالي فإن المطلوب ليس ممارسة الاعتدال السياسي في مواجهة هذا المحور المناقض للتوجهات اللبنانية السيادية من جهة وتوجهات الطائفة السنية من جهة أخرى، بل المطلوب هو التموضع بصورة حاسمة ضمن المحور اللبناني السيادي في الموازاة مع المحور العربي بقيادة السعودية وذلك حتى تحقيق التوازن المطلوب لبنانياً الذي سيحول دون حدوث فتنة كون هذا التوازن يقوم على مقومات قوة رادعة للطرف الآخر المنخرط حتى النخاع في محوره الذي يستجلب الحروب دفاعاً عن محوره، فالطائفة السنية في لبنان ليست بيئة حاضنة للتطرف الديني لأسباب تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية وثقافية معروفة، لذا فهي لن تذهب باتجاه التطرف والتشدد مهما بلغت الأسباب وتعقدت الظروف”.

الحريري والقوة الغائبة

يضيف المراقب المسيحي لـ “لبنان الكبير”: “إن البديل عن سعد الحريري هو التشرذم والاحباط والتشتت بين محاور عدة على الرغم من تمسك الطائفة السنية باعتدالها الديني. هذا التشتت السياسي يعود إلى غياب القوة السنية المركزية لتيار المستقبل ما أدى إلى تشتت الأصوات السنية في لعبة الحواصل الانتخابية في ظل القانون الحالي للإنتخابات، فالخوف ليس إذاً من تحول الطائفة السنية إلى التطرف في غياب سعد الحريري، بل إن الخشية تُعقد على تشرذمهم السياسي وتالياً الاخلال تبعاً لذلك بميزان القوى اللبناني الداخلي لمصلحة محور الممانعة. من هنا قد تبرز حاجة المملكة العربية السعودية الى الحريري أو الى أي زعامة سنية قوية ولا ترجع إلى خشيتها من تحول السُنَّة إلى التطرف، بل إلى خروج كل لبنان من العباءة العربية وتحوله إلى فلك محور الممانعة ما يؤدي إلى ضعف السعودية استراتيجياً على اعتبار أن وجود طائفة سنية قوية في لبنان ووضعية لبنانية سيادية صلبة يعني قوة استراتيجية إضافية للمملكة”.

الاعتدال والتقارب السعودي – الإيراني

لا شك في أن أي تقارب إسلامي من شأنه أن ينعكس ارتياحاً على المنطقة عموماً بالنظر إلى تعدد الأنظمة السياسية وتوجهاتها الايديولوجية وتالياً تأثرها بالمحاور السائدة، وعليه يقول المراقب المسيحي لـ “لبنان الكبير”: “إذا كان التقارب السعودي – الايراني مبنياً على أسس متينة بعيداً من المناورات والفولكلور والانتظار عند حافة النهر، فلا بد من أن يؤدي إلى إعادة تعويم سعد الحريري على اعتبار أن إيمانه المطلق بالاعتدال السياسي طبقاً للميثاقية والتوافقية اللتين عمل بموجبهما منذ العام 2005 ودفع ثمنهما من رصيده الشخصي لم تصحا مع حزب الله كونه يشكل منظومة شمولية غير سيادية تعمل في لبنان على تسخير توافقية النظام وتسامحه لا من أجل تكريس مبدأ التوافق والتلاقي بين اللبنانيين لتمتين الاستقرار وتثبيت السيادة والنهوض بالدولة، بل لتغليب المنطق الشمولي والفكر الأحادي والعقيدة غير الوطنية”.

ويتابع المراقب المسيحي: “إذا كانت السعودية وإيران تتفاهمان كدولتين مستقلتين ضمن توازن قوى يحكم علاقاتهما، فإن استنساخ هذا الأمر في لبنان لن يصح بالنظر إلى فقدان التوازن بين المكونات اللبنانية وفي ظل سلاح استراتيجي عابر للحدود ومنظومة اقتصادية وأمنية وثقافية غير متكافئة مع مقدرات القوى السياسية الأخرى وخصوصاً تيار المستقبل، وبالتالي لا بد من إرساء حد أدنى من التفاهم على مختلف القضايا الخلافية بين الأطراف السياسية”.

لبنان و”طوفان الأقصى”

في زمن صعود الجماعات الاسلامية أي الاسلام السياسي كحركة “حماس” و”أنصار الله” الحوثيين و”حزب الله” الذي تحول إلى تيار بحري يمتص القوى السنية المتسربة أو المنفعلة والتي شعرت بأنها تقيم في صحراء الربع الخالي سياسياً وحزبياً محلياً وإقليمياً ودولياً، كنتيجة طبيعية للوقائع السياسية التي سترسيها التسوية المحتملة للعدوان الصهيوني على غزة.

في هذا السياق، يقول المراقب المسيحي لـ “لبنان الكبير”: “إن ما نراه اليوم هو تفعيل الأجنحة الايرانية سواء من السُنَّة أو الشيعة وهو يعكس انقساماً حاداً داخل العالم الاسلامي حول صوابية استراتيجية حركة حماس التي أخرجت المسخ الاسرائيلي من عقاله ووفرت له المبرر للتفلت من كل ضوابط عربية ودولية، قانونية وإنسانية وحقوقية حتى يعيث دماراً وقتلاً وتنكيلاً بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ويحقق مشروعه التاريخي بتهجير أهل غزة إلى سيناء”.

 

 

ويضيف المراقب: “على الرغم من المجازر الصهيونية فإننا نرى نسبة كبيرة من السُّنَّة ترفض جرَّ لبنان إلى الحرب بسبب رفضها سياسات حزب الله بالمطلق وعدم ثقتها به وحتى لو في مواجهة العدو الصهيوني، ولاعتقادها أن الحرب ستكون مصلحة غير لبنانية تنتهي بتفاوض الحزب مع إسرائيل لمقايضة التطبيع في الجنوب بمكاسب سياسية ودستورية في الداخل اللبناني على حساب الأطياف اللبنانية الأخرى”.

يقول الرسول الكريم: “خير الأمور أوسطها”، فلا شك في أن الوسطية والاعتدال لا بد من أن يشكلا نهج العمل والمسار في مختلف شؤون الحياة وشجونها، ومنها الممارسة السياسية التي تفترض إعطاؤها حيزاً حوارياً ديبلوماسياً واسعاً. من هنا يعقد محبو سعد الحريري الأمل على عودته إلى السياسة من باب التسوية الاقليمية المرتقبة من غزة وصولاً إلى لبنان، أما خصومه فيروّجون لفكرة تقديمه أوراق اعتداله أمام السعوديين وتخييرهم بين الوسطية والتشدد اللذين اختبروهما طيلة هذه الأعوام السياسية العجاف.

عاصم عبد الرحمن – لبنان الكبير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى