أبرز الأخبار

ميشال عون بنسخته الجديدة… العبور الى الضفة الثانية من النهر

“ليباون ديبايت” – عبدالله قمح

مزعجٌ جداً كلام رئيس الجمهورية السابق ميشال عون على شاشة “أو تي في” في حقّ “حليفه” حزب الله. مع ذلك، يبقى المعنى في بطن الشاعر، ويبقى الحزب حليفه رغم كل ما قِيل وسيُقال.

يتعامل الحزب مع كلام عون بصفته “زلة لسان” أو كلام “ليس في أوانه”. عبارات تستبطن نوعاً من العتب. أمّا دوائره فقد أنصتت إلى كلام “الجنرال” جيداً. صاغت العبارات وسجّلت الملاحظات ثم بعثت بها إلى الجهة المعنية لتقدير الموقف.


أمّا عون فيعطي إشارات إلى كون كلامه ليس مجرد كلام أو موقف “وقتي موسمي” أطلقه في لحظة تخلٍ سياسي، من دون أن تكون له أهداف أو أبعاد حكمته، إنما كلامه يأتي تكريساً لـ”تكويعة” ضرورية في هذا التوقيت، تقارب العبور إلى الضفة الثانية من النهر. كلام ردده عون بعيد المقابلة الشهيرة ولم يخجل منه، مثل شعاراً لأيام سياسية آتية.

هو قرار ثابت اتخذه وسيمضي إليه أقله لحين حلول موسم انتخابات 2026، أو ربما هو أبعد من ذلك. من الآن حتى حلول الموعد، ستشهد المواقف تصعيداً، ستشتد وتتعقّد.

مأخذ “حزب الله” على عون (ولاحقاً جبران باسيل) ولو أنه لم يُعلن عنه والتزمَ الصمت وفضّل وما زال عدم الرد أو تناوله أو التعليق بشيء من الرسمية، يخفي بين أحجيته إستغراباً لتوقيت صدوره ومضمونه كونه أتى فيما الحزب ماضٍ في أتون معركة ويسقط له شهداء.

في مثل هذه الأحوال لا يقبل الحزب “القسمة على عشرة”. لذا، كان الحري بعون وبعده وريثه جبران باسيل تأجيل هذا الكلام إلى مناسبة لاحقة.

السبب الثاني الذي تستشعر منه انزعاجاً لدى الحزب، الذي يجهد في إبعاد أي إشارات، ما تناوله كل من عون وباسيل معاً، لما يمثلان في التيار أو في البعد الشيعي، من مواقف سلبية إزاء قضايا تمثل حساسية تقع على تماس مباشر مع صلب العقيدة الإيمانية – الاستراتيجية – التكتيكية للحزب، المتعلقة بقتاله ضمن “وحدة الساحات” أو من أجل الأقصى وعلى طريق القدس، والبعد الآخر المتعلق بالمعركة الإستباقية التي انتقدها عون وباسيل بشكل مستغرب، رغم أنها مثلت في نواحٍ منها، نقداً لتاريخهما وموقفهما السابق منها حين مثلت عقيدة قتالية إيمانية – جهادية بالنسبة إلى الحزب زمن عبوره نحو سوريا.

بالنسبة إلى العونيين، فإن مضمون هذا الكلام وإن سبب انزعاجاً لدى الحزب، لكنه لم يكن سراً. حيث أن كلاً من عون وباسيل ومقرّبين منهما وقادة وأفراد يلتقون بقادة “حزب الله” دورياً، كانوا قد أبلغوا أو ذكروا أو رددوا مثل هذا الكلام بل وأجرأ منه، ورسموا أمام الحزب سيناريو لـ”اليوم التالي”، خلال الحرب وما يليها، مبنيّ على معطيات تصلهم. أبلغوه رسائل، ووضعوا المعطيات في متناوله، حول دقة المرحلة وما يريده الإسرائيلي وما يسعى إليه لجرّ الحزب نحو “مقتلة” مدروسة ترمي لتحقيق قفزات في الداخل اللبناني. لكن الحزب تجاهل أو ربما لم يكن واثقاً، ما حتّم -و الحديث لهم- على عون أن يُبلّغ مضمون كلامه بالعلن، بعدما أدى قسطه في السر على مبدأ “اللهم أشهد”.

بالعودة إلى الحزب، كان يفضّل أن تبقى بعض المضامين بعيدة عن الإعلام، حتى لا يُراكم أو يُبنى عليها، ولكي لا تتسبب بنزاع داخلي وبين صفوف الجمهورين، والوقت ليس وقت كباش. هنا يزداد العتب، حين يكون “التيار” في صورة تصرفات الحزب الحالية التي تقدم الجبهة كأولوية مقابل تصفير المشاكل في الداخل حتى مع أشرس الخصوم، ليتحول فجأة “التيار” ويرتد عليه ويفتعل نقاشاً حتى الخصم لم يبلغه إلى تلك الدرجة، وكان الحري أن يكون النقاش في موعد يُحدد لاحقاً على قاعدة “داخل الغرف المغلقة” التي سبق للحزب أن تبنّاها.

عملياً ورغم كل شيء، بات واضحاً أن “التيار” لم يعد يستهويه خطاب “حزب الله”، خصوصاً في ظل “النزعة” المسيحية الممتدة من بكركي إلى أصغر فريق مسيحي. التيار الباحث عن زيادة كمية نوابه وعدم تكرار تفوّق سمير جعجع عليه ووضع حد لنزيفه السياسي والشعبي، وجدَ أن التموضع في المعركة الحالية إلى جانب الحزب، يزيد من أثقاله ولن يفيده وإن تقدمت المقاومة! ولو أن بعض المقربين من الحزب يتفهمون دوافع “التيار” لأداء هذا الدور، لكنهم في الوقت نفسه، لا يفهون دوافع بعض “التياريين” في تحويل أنفسهم سُعاة بريد، يشبهون إلى حدٍ كبير أولئك الموفدين – السُعاة، الذين يأتون مدجّجين بالرسائل الإسرائيلية!

في ختام الكلام نصيحة. بعيداً عن كل ما قيل ويقال، تبقى الأولوية لصيانة العلاقة. لا بد أن ننهل من التاريخ ونستفيد من بعض الملاحظات والمحطات. يدرك الرئيس ميشال عون كما جبران باسيل وإلى جانبهما السيد حسن نصرالله وصولاً لأصغر قيادي من الحزب (وهذا ينطبق أيضاً على رئيس مجلس النواب نبيه بري)، أن المسيحيين والمسلمين الشيعة لا غنى لأحدهما عن الآخر.

من المسيء تجاهل هذه الحقيقة لأجل أن اختار أحدهما عدم الأخذ في نصيحة الآخر و”التقوقع” بعيداً منه. على الرئيس عون والوزير باسيل أن يتفهّما منطلقات الحزب الحقيقية جيداً، وأن لا يغرقا في “شبر مياه”، وأن يكونا أوسع بصيرة والنظر إلى ما يُحاك طالما أن “حزب الله” يقع في صلبه، وليتخلوا عن نظرية “الغطاء المسيحي” لكون المعركة الحالية أثبتت زيفها، وعلى الحزب أن يخفّض من منسوب تفاؤله الدائم وأن يتفهم مخاوف الآخرين، وأن يأخذ بملاحظتهم وأن يتخلى عن بعض “مدوني التقارير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى