أبرز الأخباربأقلامهم

التيار في معركة وجودية مفصلية!

Almarsadonline

 

المحامي لوسيان عون

إنه الخيار الذي اتخذه قادة التيار مجتمعين منذ أيام. ظهر في إشارات متتالية غير مشفرة الى العلن وعبر وسائل الإعلام على لسان اركان الصفين الاول والثاني  وهم أربعة تحديداً : الرئيس عون وابن شقيقته ألآن ورئيس الحزب جبران باسيل والدكتور ناجي حايك ليطالعنا بخبر نعي التحالف مع حزب الله وزف خبر الطلاق بعد علاقة ملتبسة شابها الغموض والمد والجزر على مدى سبعة عشر عاماً منذ ٦ شباط من العام ٢٠٠٦ تاريخ عقد التفاهم في كنيسة مار مخايل حتى اليوم.
ما كان يتم التداول به على كل شفة ولسان منذ سنوات عجاف بين فريقي التفاهم وما شابه من تعتيم وترقيع ولف ودوران لم يعد سراً الآن…
لقد افترق الزوجان فانفصلا على خلاف تاركين ندوب في هذه العلاقة لا تعد ولا تحصى… في الخفاء اعذار وحجج لا تنطلي على احد نظراً للتضليل الذي شاب مبادىء التيار الذي بدّل من اقنعته مراراً ما يكفي منذ العام ١٩٨٩ حتى اليوم ولم يعد يعرف ما اذا كان محارباً للنظام السوري ام متحالفاً معه، حليفاً للمعارضة أم معارضاً لها، موالياً للعهود المتعاقبة ام معارضاً لها، مؤيداً للفدرالية ام معارضاً لها، يمينياً ام يسارياً، حليفاً للقومي ام معارضاَ لعقيدته وسياسته، مرحباً بالنزوح السوري ام معارضاً له، وها هو ينقض مفاهيم استراتيجية فجرت العلاقة مع حزب الله وهي اعتراضه المفاجىء على ” مقاومته” ودعم الحزب للقضية الفلسطينية وشن حربه لأجل نصرة غزة بعدما كان التيار يتبنى ما قبل عهد الرئيس عون شعار “جيش وشعب ومقاومة” ودعم الحزب في حربه الطاحنة في الداخل السوري والعراقي حتى المزايدات والشعبوية والثمالة والثني على جهاده بحجة منع التكفيريين من الوصول الى المناطق المسيحية والقضاء على المسيحيين وزعم التيار على الدوام أن الجيش اللبناني لا يملك القوة الكافية لحماية أرضنا!.
اليوم، اعلن الزوجان الفراق، وتنازلا عن اولادهما ،في خلاف على استراتيجية بنى حزب الله أمجاده عليها وهي تحرير الاراضي اللبنانية وتحرير القدس وهو مبرر تمسكه بسلاحه الذي أفهمنا مراراَ ان معركته مستمرة لغاية تحريري آخر شبر من فلسطين المحتلة، وطالما لم يتم ذلك ” بلطوا البحر”… مقولة كان يرددها أركانه للمعارضين ، بحيث اعلن التيار جهارة بانه يختلف مع الحزب على هذه المفاهيم ،وبالتالي هو يعارض تمسك الحزب بهذا السلاح اذ لم يعد مبرر لوجوده، ما يقتضي تسليمه للجيش اللبناني والاكتفاء بالعمل السياسي ووقف العمليات العسكرية فوراً.
التيار نفسه يعلم علم اليقين ان باب جهنم ستفتح في وجهه على كل المستويات، فمن جهة خسر الرافعة التي حارب سائر الفرقاء بواسطتها واستفاد منها طويلاً لكسب مزيد من المقاعد النيابية، واكتفى بتأييدها ما تسبب بخسارته من رصيده لاعوام طويلة واوقع العهد في خسارة مدوية وفشل كبير ،فتعذر عليه مكافحة الفساد، لكنه كسب جولات انتخابية بدءاً من كسروان وجبيل عند تلقيه دعماً ب ٣٠٠٠٠ صوت شيعي مروراً بالمتن الجنوبي والشمالي الى الشمال والبقاع، الى الجنوب ،وفي الوقت عينه خسر قسماً كبيراً من الرأي العام المسيحي المعارض لنهجه، وها هو يقف في مواجهة الجميع على ابواب استحقاقات داهمة ،وقد أضحى بلا حلفاء بل مدججة متاريسه المواجهة بالخصوم ،وقد انضم اليهم الثنائي الذي خسر اليوم غطاءً مسيحياً وازناً.
يجمع المحللون اليوم أن التيار بات يلعبها ” صولد” في غمرة مطالبة عارمة بانتخابات مبكرة، لكن انقلبت المعطيات والأدوار والتحالفات ،وحزب الله الذي كان يصدر الفتاوى كرمى عيون التيار لن يفعلها مجدداً، وقد جاء دور الانتقام السياسي لان الأخير ترك الثنائي وسط المعركة وأدار ظهره، والحزب لن ينس هذا القرار المفاجىء في عز التحولات الدولية التي تسعى جاهدة الى تعرية الحزب واظهار تنكر كافة القوى الداخلية عن دعم ذاك الشعار ” جيش وشعب ومقاومة” الذي كان يتوّج على مدى عهود البيان الوزاري للخكومات المتعاقبة، وها انه “ضرب اليوم من بيت أبيه” في زمن الحشر واستمزاج الرأي الدولي في الداخل حيث بالكاد لم يعد من قوى داعمة لانغماس الحزب في حرب ” على طريق القدس” في حين باتت تدرس السيناريوات لايواء الفلسطينيين خارج غزة وتهجيرهم بالكامل!
اليوم بات التيار يقف وحيداً، فتعلو صرخات الشامتين حوله، خاصة من قبل القوى المسيحية بعدما اعلن ما يشبه الندم على دعم حزب ظن انه سيدعمه بالمقابل لعهود متتالية لكنه رفع هذا الدعم عنه عند انتهاء ولاية الرئيس عون له، ولو اراد حزب الله دعم باسيل للرئاسة لكلفته استدعاء السيد نصرالله للمرشح سليمان فرنجيه لدقيقتين الى حارة حريك وتذكية باسيل وفرضه اسوة بما فعل عام ٢٠١٦، وهو القادر على تأمين الاغلبية المطلوبة الكافية لتأمين النصاب،  فحضر فرنجيه مع اعضاء كتلته الى البرلمان في تشرين عام ٢٠١٦ واقترع بورقة بيضاء على مضض، لكن حزب الله ادرك ان مشروعه العقائدي يبعد سنوات ضوئية عن مشروع اعتلاء كرسي لستة اعوام تنقضي من عمر الأوطان، فيتحول الحاكم الى متهم، والتجربة خير اثبات على ذلك.
في المحصلة، وجد التيار انه اخفق في رهاناته وشعاراته بدءاً من التحرير الى مكافحة الفساد الى الرئيس القوي الى المحافظة على حقوق المسيحيين الى التحالف مع الاقليات الى الرهان على قوة النظام السوري والثنائي، وها انه يجد نفسه وحيداً وسط أزمة وجودية مفصلية مالية – اقتصادية وافلاس وانحلال اداري وسياسي وعجز عن انتخاب رئيس للبلاد ،لكن الاهم اخفاق في نسج التحالفات، بحيث بات وحيداً يصارع البقاء، وان دقق ملياً في الارقام يجد بأن ما جناه من مقاعد نيابية كان معظمه بفعل قوة رافعة الثنائي التي ينتظر اليوم ردة فعلها على ما يمكن أن تعتبره طعنها بخنجر بخاصرتها في أحلك الاوقات والازمنة في معركة طاحنة مع العدو الإسرائيلي عندما تلقت الخبر الصاعق : فك التحالف وانهاء مفاعيل تفاهم شباط ٢٠٠٦ ، ولربما غداً قرار آخر يليه من قبل التيار  :” العودة الى طلب تطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها ال ١٥٥٩ الذي كان العماد عون عرابه، وال ١٧٠١ مع كل ما تعنيه هذه الطلبات من تأييد لاجبار الحزب على تسليم سلاحه بكافة الطرق ومنها العسكرية التي تلوح بها الدول الكبرى اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى