أبرز الأخبار

الحريري يخسر أمراً كان يمتلكه قبل “الرحيل”

“ليبانون ديبايت” – محمد المدني

إقترب موعد عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، وكثر الحديث عن عودة دائمة، لكن تدريجية، يتخللها إعادة ترتيب البيت الحريري الداخلي ومراجعة المراحل والمحطات السابقة، وإعادة نسج علاقات سياسية جديدة لكن مع مراعاة الواقع السنّي الذي استجد بعد الإنتخابات النيابية التي جرت في أيار 2022.

حتى لو عاد الحريري “عودة دائمة”، فإن واقع تيار “المستقبل” لم يعد كما كان عليه قبل العام 2022، على المستوى السياسي والشعبي. نعم الحريري لا يزال الزعيم الأول في الطائفة السنّية، لكن هناك العديد من الشخصيات السياسية التي فرضت نفسها، كلّ في منطقته، والإنتخابات الأخيرة أفرزت تنوعاً سنّياً غير موجود عند باقي الطوائف.

إذا ما أخذنا المناطق السنّية التي تعتبر بطبيعتها مؤثّرة في العمل السياسي، نجد أن بيروت العاصمة، قد تقسّمت بين عدد من النواب الذين لا يستطيعون التحالف مع بعضهم إلاّ في بعض الأمور الإنمائية التي تخصّ العاصمة، لكنهم لا يشكلون تكتلاً سياسياً واحداً، باستثناء التحالف بين النائبين نبيل بدر وعماد الحوت واللذين حافظا على استقلاليتهما ورفضا الإصطفاف بجانب أي تيار أو حزب سياسي.

أمّا النائب فؤاد مخزومي، فهو يُغرّد وحيداً سعياً وراء حلمه بترؤس الحكومة، ونائب “جميعة المشاريع” عدنان طرابلسي ملتزمٌ بأجندة حليفه “حزب الله” وخياراته السياسية. أمّا النائبان وضاح الصادق وابراهيم منيمنة، واللذان ترشّحا سوية على لائحة التغيير، ورغم أنهما يحملان مشروعاً إصلاحياً، سرعان ما افترقا بسبب اختلاف نظرتهما إلى العديد من الأمور والقضايا الداخلية.

وإذا اتجهنا إلى طرابلس وهي المدينة السنّية الأكبر في لبنان، فإننا نجد أن المقاعد الإنتخابية توزّعت على شخصيات متعددة ومتناقضة ومختلفة، فهناك النائب أشرف ريفي المعارض للحزب، وهناك النائب فيصل كرامي المتحالف مع الحزب، وكذلك الأمر لنائب “المشاريع” طه ناجي. أمّا عبد كبارة، فهو محسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليبقى النائب إيهاب مطر الذي لم ينجح في تكوين قاعدة سياسية له رغم الوعود الكبيرة التي أطلقها خلال حملته الإنتخابية.

أمّا نواب الضنية والمنية وعكار، فهم أيضاً يختلفون عن بعضهم البعض، منهم يُعتبر من قوى 8 آذار، كالنائبين محمد يحيي وجهاد الصمد ومنهم من ينتمي سياسياً إلى تيار “المستقبل” كالنواب وليد البعريني ومحمد سليمان وأحمد الخير، ومنهم من هو مستقل كالنائب عبد العزيز الصمد.

نواب البقاع أيضاً، النائبان حسن مراد، وياسين ياسين، لا يتفقان في السياسة، ولا يجمعهما سوى إنماء البقاع وتحسين أوضاع أهله، مع الإشارة إلى أن مراد شخصية مستقلة متحالفة مع “حزب الله”، وياسين يعتبر نفسه شخصية تغييرية كانت تجمعه علاقة طيبة بالرئيس الحريري.

إلى مدينة صيدا وهي العاصمة الثالثة وهي مدينة حساسة كونها عاصمة الجنوب، نجد أن غياب الحريرية السياسية مباشرةً عن الساحة، سهّل وصول النائبين عبد الرحمن البزري وأسامة سعد بأكثرية مريحة، وقد استطاع النائبان المذكوران لعب دور كبير في إنماء صيدا وموقعها على الخريطة السياسية.

وبالنسبة إلى “عودة” الحريري، هناك وجهتا نظر متناقضتين حول ضرورة عودته من عدمها، الأولى تقول إن لبنان بحاجة لعودة الزعامة الحريرية لجمع شمل أكبر عدد ممكن من نواب الطائفة السنّية، لكن بشرط أن يكون قادراً على فعل ذلك.

أمّا الثانية، فتقول إن الخطأ الاساسي كان في مساعدة الحريرية السياسية في الحصول على حصرية تمثيل طائفة متجددة متنورة ومتعددة الرؤى كالطائفة السنّية، وهذا ما أدى إلى إضعاف دورها، وهناك صعوبة في مكان ما، أن يتمكن الحريري حتى لو عاد، من الحصول على الحصرية التي كان يمتلكها قبل تعليقه العمل السياسي، خصوصاً مع انكشاف الغطاء الإقليمي عنه ومع تمكن الرئيس نجيب ميقاتي من لعب الدور الذي يلعبه وهو التنسيق المريح مع الثنائي الشيعي والوزير السابق وليد جنبلاط.

إضافةً الى ما ذُكر، يعتقد البعض أن مشكلة لبنان الأساسية الداخلية تكمن في تراجع الدور السنّي والذي هو انعكاس لتراجع الدور العربي في لبنان، فالعرب حتى هذه اللحظة وتحديداً عرب الخليج ومصر وغيرهم من الدول الفاعلة ما زالوا مترددين في العودة المباشرة إلى التدخل السياسي في لبنان، والجميع يعلم أن مرآة الحالة العروبية في لبنان كانت دائماً الساحة السنّية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى