أبرز الأخبار

كيف سيتعامل كاثوليك الشّرق مع قرار الفاتيكان القاضي بمباركة زواج المثليّين

 

المصدر: النهار العربي – فارس خشان

قفز الفاتيكان والبابا فرنسيس خطوة تاريخيّة، هذا الأسبوع، بالتوصل إلى إقرار نهج “ثوري” في التعامل مع المثليّين عمومًا والمتزوّجين منهم خصوصًا، إذ تقرّر في إعلان صادر عن مجلس العقيدة في الكنيسة الكاثوليكية وقعه الحبر الأعظم، السماح لكهنة الرعايا بمباركة المثليين المتزوجين، بتلاوة صلاة صغيرة لهم بعد مباركتهم.
وتتضمن الصلاة التي تلقى على الزوجين المثليّين في الكنيسة الطلب من الله “أن ينعم عليهما بالسلام والصحة والصبر والحوار والتعاضد، وينعم عليهما بنوره وقوته حتى يتمكنا من إتمام إرادته”.
صحيح أنّ الفاتيكان لم يذهب إلى مستوى السماح للكهنة بعقد الزواج اللوترجي بين المثليّين، لكنّ الصحيح أيضًا أنّه أقرّ نوعًا من العقد الذي ينظم العلاقة الإيمانيّة بين من كان مغضوبًا عليهم من جهة، والكنيسة التي كانت تدرجهم في خانة الخطأة، من جهة أخرى. وهذا العقد يشبه ذاك الذي أقامته دول علمانيّة بينها وبين هؤلاء الأشخاص الذين لا يريدون الارتباط بالزواج، وذلك من أجل تنظيم علاقتهم ببعضهم البعض وعلاقتهم بها.
وصدمت هذه القفزة التاريخيّة التي اتخذها الفاتيكان التيّارات المحافظة في الكنيسة الكاثوليكيّة التي قاومت كثيرًا التوجهات المجتمعية والحكومية الهادفة إلى تنظيم علاقة طبيعية مع المثليّين وإعطائهم الحقوق الممنوحة لهؤلاء الموصوفين بالمستقيمين جنسيًّا.
وإذا كان هذا القرار الفاتيكاني سيمر بأقل مقاومة في المجتمعات الأوروبية، بعدما فشلت التيّارات المحافظة في فرض تصوّراتها عليها وعلى حكوماتها، فإنّ سؤالًا كبيرًا سوف يطرح حول طريقة تعامل الكنائس المحلية في المجتمعات المحافظة مع هذا الإلزام الفاتيكاني.
بطبيعىة الحال، ستكون الكنائس الكاثوليكية في الشرق في مقدمة النماذج التي سوف تُسلّط عليها الأضواء، إذ إنّ الكنيسة المارونيّة، مثلًا، نشطت في السنوات القليلة الأخيرة، في محاربة المثليّين، وتماهت حتى مع التيّارات السياسيّة الإسلاميّة المتديّنة، في التصدي لهؤلاء، وجودًا ونشاطًا، وغطت سلوكيات عدائيّة قامت بها مجموعات مسيحيّة عنفية ضدّهم، كحالة “جنود الرب”، واستضاف رئيس الكنيسة المارونية البطريرك الماروني الكادرينال بشارة الراعي اجتماعًا وزاريًّا رفيعًا في مقره الصيفي في الديمان، حيث اتُخِذت قرارات ضد المثليين الذين جرى وصفهم بأبشع النعوت إلى درجة اعتبارهم أعداء “الهويّة الوطنيّة”، وسعى “المركز الكاثوليكي للإعلام”، في سياق دفاعه عن محاربة المثليّين، إلى تقديم تفسيرات خاطئة لمواقف سبق أن أطلقها البابا فرنسيس، وتدعو إلى التعامل بمحبة وقبول وتعاطف مع المثليّين.
ولم يطوّر الشرقيّون نظرتهم إلى المثليّين، إذ لا يزالون يتعاطون معهم كما لو كانوا حالة شاذة لا بد من إزالتها، سواء بعزلها أو بإزالتها.
وينص القانون اللبناني مثلًا على اعتقال هؤلاء وسجنهم وإصدار أحكام بحقهم، وتذهب بعض التيّارات المجتمعيّة التي يستند بعضها إلى نصوص دينيّة، إلى مستوى إصدار أحكام تقضي بقتل هؤلاء.
في أزمان سابقة، كان يمكن لقرار بحجم هذا القرار الذي اتخذه الكرسي الرسولي في موضوع المثليّين، أن يتسبب بانقسام في الكنيسة الكاثوليكية، بحيث يتمرد عليها بطاركة ومطارنة ورعايا، ولكن يبدو أنّ مسار التشققات قد انتهى، وتمّت الاستعاضة عنه، باعتماد التجاهل.
وقد برز هذا التجاهل، على سبيل المثال لا الحصر، في قفز التيارات اليمينيّة التي تزعم الدفاع عن المسيحيّة، فوق دعوات الفاتيكان إلى احتضان النازحين واللاجئين، وقيادة محاربتهم وعزلهم وطردهم.
صحيح أنّ الفارق كبير بين التوجيهات العامة والقرارات العقائديّة، لكن الصحيح أكثر أنّ التهميش يمكن اعتماده في الحالتين.
وحتى تاريخه، تعاملت الكنائس الكاثوليكية في الشرق مع القرار الجديد الذي أصدره الفاتيكان في موضوع المثليّين، بإهمال مقصود، بحيث جرى تهميشه بأكبر قدر ممكن. الظروف المأساوية الناجمة عن “طوفان الأقصى” تساعد في ترسيخ هذا المنحى “التهميشي”، وتعطي الكنائس الشرقية المعنية به الوقت الكافي للتفكير في طريقة التعامل معه.
من دون شك، سوف يولّد هذا القرار اضطرابات كبيرة، لأنّه سوف يقوّي “التقدميّين” في الكنيسة على “المحافظين” فيها، وسوف يدفع بهؤلاء المحافظين إلى مراجعة التحالفات المعادية للمثليين التي سبق أن عقدوها مع خصومهم السياسيين، وسمحت، على سبيل المثال لا الحصر، بأن يتحوّل وزير الثقافة في الحكومة اللبنانيّة محمد المرتضى الذي ينفذ أجندة “حزب الله” ناطقًا باسم بكركي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى