أبرز الأخبار

ساحة سلاح ومسلّحين لبنانيين وغير لبنانيين

اللبنانيون على اختلاف شعوبهم شعروا بالإعتزاز بعد نجاح عملية “طوفان الأقصى” التي خطّطت لها حركة “حماس” ثم نفّذتها بنجاح كبير ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي. ولكنهم شعروا في الوقت نفسه بالقلق، إذ إنهم يعرفون أنها لا تسكت على ضيم ولا تتورّع عن استعمال ترسانتها العسكرية المتنوّعة ضد البشر والحجر في آن، فلسطينيين كانوا أم عرباً أشقاء لهم وداعمين. كان قلقهم في محلّه إذ بعد استرجاعها أنفاسها ومبادرة الولايات المتحدة الى نجدتها بالأسلحة والذخائر وبإرسال حاملتَي طائرات الى مياهها الإقليمية أو بالقرب منها كما بعد تباري الغرب الأوروبي بدوله الكبرى في تأييد ردها العسكري على قسوته الوحشية ولاإنسانيته، إذ بعد ذلك كله نفّذت ولا تزال تنفّذ عمليةً عسكرية هدفها العملي ليس القضاء على “حماس” العسكرية فقط، على صعوبة ذلك الآن على الأقل، بل هو قتل أكبر عدد من المدنيين في قطاع غزة ودفعهم الى الرحيل عن “وطنهم” الى وطن آخر لا يريدهم ليس كرهاً لهم بل لأنه متمسكٌ بحقهم بالبقاء في أراضيهم.

لم تكتفِ إسرائيل بذلك بل صعّدت مواجهتها المسلحة لفلسطينيي الضفة الغربية بعسكرها كما بالمستوطنين المصرّين على ترحيلهم الى الأردن لاعتبارهم إياه وطنهم ودولتهم، فقتلت الكثيرين منهم ولا تزال، واعتقلت الكثيرين منهم ولا تزال، وهدمت الكثير من منازلهم ولا تزال. إلا أن ذلك لم يكن المصدر الوحيد لقلق اللبنانيين، على اختلاف شعوبهم، بل إقدام “حزب الله” على فتح الجبهة عسكرياً ضد إسرائيل تخفيفاً للضغط على غزة وعدد جنوده بالآلاف وسلاحه الصاروخي عدده بعشرات الآلاف وتجربته الناجحة يوم تدخّل عسكرياً في سوريا لإنقاذ نظامها ورئيسها، كل ذلك حوّله قوة إقليمية مهمة قادرة على خوض حرب العصابات حيث يجب وحربٍ نظامية حيث يجب أيضاً.

ولا يخفّف من القلق المشار إليه أعلاه معرفة إسرائيل والولايات المتحدة والعرب وإيران والعالم واللبنانيين أن “الحزب” لن يتجاوز الحدود التي رسمها لتدخّله العسكري الى جانب “حماس”. ذلك أن الجميع يعرفون أن إسرائيل متحسّبة ومن زمان لخطره عليها، ولم تنسَ بعد نجاحه في منعها من تحقيق أهداف حربها عليه عام 2006، وأنها قد تحاول استغلال تدخله “غير المناسب” في نظر العالم وربما في نظر بعض العرب من أجل الإرتداد عليه وعلى لبنان بعد انتهاء حربها على غزة وشعبها و”حماس” فيها.

وهي تلوّح بذلك بالكلام وفي الوقت نفسه بتوسيع تدريجي للرد على تدخله ضدها دعماً لـ”حماس”. لكنها لم تتخذ قراراً نهائياً في هذا الشأن، فهي تنتظر انتهاء الحرب في غزة المُجازة أميركياً وتعرف في الوقت نفسه أن إدارة بايدن لا تحبذ حرباً أخرى لها على لبنان و”حزب الله” فيه وأنها تسعى مع اللبنانيين ومع الأخير بواسطة اتصال موفدين لها بأصدقاء لبنانيين له وربما حلفاء على أراضي دول عربية معيّنة من أجل تلافي إعطاء إسرائيل ذريعةً لشن حرب عليه كما على اللبنانيين كلهم.

هل هذا هو المصدر الوحيد لقلق اللبنانيين بعد “طوفان الأقصى” ورد إسرائيل العسكري عليه وتدخّل “لبنان حزب الله” في الحرب وبقوة متصاعدة؟ يبدو أنه كذلك في رأي جهات لبنانية عدة، فتدخل “كتائب القسّام” وهي جيش حركة “حماس” التي أثبتت كفاءة عالية في التخطيط البعيد عن أضواء أحد بعمليته التي ضعضعت إسرائيل على الأقل أياماً بعد نفيها ومعها “سرايا تنظيم الجهاد الإسلامي” والإثنتان فلسطينيتان، فذلك كله أكد للبنانيين أنهم كانوا يعيشون وهماً كبيراً هو غياب أي وجود فلسطيني مسلّح أو بالأحرى تنظيمات عسكرية مسلحة توازي الجيوش على أرضهم، واستحالة خوضها ومن لبنان معركة قاسية مع إسرائيل، إذ كان اعتقادهم، أي اللبنانيون، أن فلسطينيي المخيمات الذين قُدّروا من زمن بعيد بنحو 500 ألف هبط عددهم الى 240 ألفاً، وتردّد أخيراً ومن جهات تعرف بدقة المخيمات وأهلها أنه صار ما بين 45 و50 ألفاً، علماً أن اللبنانيين كانوا ومن زمان يخشون سلاح المخيمات خصوصاً بعد الحرب رغم أنه كان خفيفاً ومتوسطاً ببعضه القليل، وكانوا يتمنون حلاً لهذه “المشكلة” ولا سيما بعدما عصفت الخلافات بين ساكنيها أو بالأحرى بين التنظيمات فيها وتحوّلت معارك متقطعة للسيطرة عليها. لكن الوهم المشار إليه أعلاه تبدّد الآن وبدأ يحلّ مكانه خوفٌ من تجدّد الماضي الأليم ليس للبنانيين فقط ولكن للفلسطينيين أيضاً. ولعل إقدام قيادة حركة “حماس” على إعلان تأسيسها “طلائع طوفان الأقصى” من فلسطينيي لبنان قبل مدة قصيرة أعاد القلق وليس الرعب في أوساط لبنانية عدة.

وهي لا تنتمي بالضرورة الى شعب واحد من شعوب لبنان الأربعة. فلبنان الخالي من الوجود المسلح غير اللبناني بعد انتهاء حرب الـ15 سنة باستثناء “حزب الله” إذ اعتُبر قوة مقاومة للإحتلال الإسرائيلي، وهو كان فعلاً كذلك، أتاح للبنانيين العيش بعيداً من مخاوف مغامرات الخارج بواسطة الداخل اللبناني الذي يُمكن أن يتشارك معه في أي لحظة هذا الداخل.

ولبنان هذا صار فيه الآن نازحون سوريون يزيد عددهم عن مليونين، وقسم مهمّ من هؤلاء خاض حرب سوريا بين نظامها والثورة الإصلاحية السلمية. وكانت هناك تنظيمات اسلامية بالغة التشدّد حاربت النظام، وقسمٌ مهمٌ آخر حارب الى جانب النظام، وقسمٌ ثالث خاض تجربة العمل مع النظام، وهو وأياً كان موقفه أيام الحرب، أي مع النظام أو ضده، فإنه في لبنان يُحتاج إليه وسيُحتاج إليه أكثر. يعني ذلك أن وجوداً سورياً شعبياً في لبنان صار حقيقة راسخة وأخطاره كثيرة جرّاء انهيار الدولة اللبنانية، الأمر الذي سمح له بتوسيع انتشاره ليشمل معظم مناطق لبنان، وباقتناء الأسلحة وهي تباع أو ربما توزّع “على عينك يا تاجر”.

كيف ينظر “حزب الله” ممثل الغالبية الساحقة من الشيعة الى عودة السلاح الفلسطيني الى لبنان وإنْ منظماً وحليفاً، والسلاح السوري وإنْ فوضوياً وعشوائياً؟

“النهار”- سركيس نعوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى