أبرز الأخبارأخبار دولية

هكذا اغتيل ياسر عرفات

زياد عيتاني – اساس ميديا
“هذا الملفّ أتجنّب الحديث فيه. القضية استخباراتية ومن نفّذ العملية من المؤكّد أنّه قام بتأمين نفسه كي لا يتمّ كشفه. لا يوجد تحقيق، جرى الحديث كثيراً عن التحقيقات ومعرفتي هنا قليلة. عند كلّ أزمة يتساءل الجميع: من قتل ياسر عرفات؟ ويتنطّح الكثيرون للحديث في ذلك وهنا ضاعت الطاسة. لقد نصحت من البداية أن يقال إنّه اغتيال سياسي وإنّ المستفيد من اغتيال ياسر عرفات والذي هدّد باغتياله هم الإسرائيليون، وبالتالي نقف عند هذه النقطة. نحن لا نملك إمكانيات استخبارية لنعرف من وضع السمّ ومن الذي رمى سمّ البولونيوم ولا شيء من هذا القبيل”.
بهذه الكلمات يعلّق مسؤول فلسطيني سابق في السلطة رفض الكشف عن اسمه على سؤال لـ”أساس” حول التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ثلاثة اغتيالات في سنة واحدة
لم يكن عام 2004 بالنسبة للشعب الفلسطيني بالعام الاعتيادي مثل باقي الأعوام، بل شهد ثلاثة اغتيالات كبرى كانت كفيلة بتغيير الواقع الفلسطيني برمّته:
1- اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسّس حركة حماس في 22 آذار 2004.

2- اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسّسي حركة حماس في 17 نيسان 2004.
3- اغتيال الرئيس ياسر عرفات في 11 تشرين الثاني 2004.
ثلاثة اغتيالات تبعها قرار إسرائيلي كبير جاء دون سابق إنذار في شهر آب 2005، وهو الانسحاب الكامل من غزّة.
كان اغتيال ياسر عرفات رأس مثلّث الاغتيال لأبرز قيادات الساحة الفلسطينية إن لجهة السلطة ومعها منظمة التحرير الفلسطينية، أو لجهة حركة حماس وما تمثّله في الساحة الإسلامية الفلسطينية، وبالتالي إسقاط الصورة السائدة لتلك العلاقة الخاصة التي تربط ياسر عرفات بالشيخ أحمد ياسين، فكان الأول يزور الثاني عند كلّ وعكة صحية تلمّ به، وهي صورة غابت بعد رحيل الرجلين ومجيء قيادات أخرى عند الطرفين.

 

هكذا اغتالت إسرائيل “أبو عمّار”
سفينة وثلاث روايات تؤكّد أنّ اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان قراراً إسرائيلياً بتغطية أميركية دولية. وقبل سرد الروايات الثلاث كانت سفينة “كارين أي” السبب الأساس في قرار اغتيال الرئيس ياسر عرفات كما تؤكّد لـ”أساس” أوساط فلسطينية مطّلعة فبعد أن ضبطت إسرائيل في بداية عام 2002 سفينة “كارين أي” المحمّلة بخمسين طناً من الأسلحة على متنها، حيث كانت متّجهة إلى قطاع غزّة بقيادة القبطان البحري عمر عكاوي وهو فلسطيني الجنسية داهمتها مجموعة من الكوماندوز الإسرائيلي لدى وصولها إلى البحر الاحمر، وخلال التحقيق مع عكاوي قال: “إنّ من وجّه إليه الأمر بقيادة السفينة هو شخص من السلطة الفلسطينية يدعى عادل عوض الله الذي اشترى السفينة في لبنان من أجل المهمة”. إلا أنّ عوض الله نفى أن يكون لمسؤول كبير في السلطة علاقة بالسفينة. وقال: “أعتقد أنّها كانت هدية من الأسلحة من حزب الله أو شيء من هذا القبيل”.
الرئيس عرفات في حينه نفى علاقة السلطة الفلسطينية بالسفينة، وشكّل لجنة تحقيق لمحاسبة من كان خلف استقدامها، إلا أنّ اسرائيل ورئيس حكومتها في حينها أرييل شارون حمّل عرفات المسؤولية الكاملة.

 

1- الرواية الأولى: كشف الصحافي في جريدة معاريف الإسرائيلية دوري دان في كتابه الصادر باللغة الفرنسية بعنوان “أسرار شارون”، عن مكالمة هاتفية تمّت بين شارون والرئيس الأميركي جورج بوش الابن في 14 نيسان 2004، وهو ما يوحي بأنّه في ذاك اليوم حصل شارون على الضوء الأخضر للتخلّص من عرفات، إذ يقول دان في الكتاب إنّ شارون أبلغ بوش بأنّه لا يرى نفسه ملتزماً بعد اليوم بوعده السابق له في آذار 2001 بعدم المساس بعرفات، على خلفيّة العمليات التفجيرية في المدن الإسرائيلية. وأضاف: “عندئذٍ أجاب بوش أنّه ربّما من المفضّل أن يبقى مصير عرفات بيد الله”، فسارع شارون إلى الردّ “لكنّ الله يحتاج أحياناً إلى يد المساعدة”.
بحسب دان “لم يعقّب بوش على كلمات شارون هذه، ففُهم الصمت رضى”. وأشار في كتابه إلى أنّ الرئيس الأميركي لم يمنح شارون ضوءاً أخضر بتصفية عرفات، لكنّه أيضاً لم يملِ عليه التزامات وقيوداً جديدة، وصمت على ملاحظة شارون. وقال إنّ شارون “سُرّ بذلك وسارع لتبليغ صحافيين إسرائيليين بأنّه بات طليقاً في التعامل مع عرفات”. وفي السياق ذاته، ذكر دوري تفاصيل حديث دار بينه وبين شارون جاء فيه: “أنا شخصياً اقترحت على شارون أنّه يجب اعتقال عرفات وتقديمه للمحاكمة في القدس مثل أدولف آيخمان، فردّ عليّ بالقول: “اطمئن أنا أتعامل مع القضية بطريقتي”. بعدها سقط عرفات مريضاً بشكل مفاجئ ونقل إلى باريس وتوفّي هناك”.

 

2- الرواية الثانية: في شهادته أمام لجنة التحقيق الخاصة باعتيال الرئيس ياسر عرفات في 28 تموز 2012 كشف نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية عند اغتيال عرفات أنّ وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول التقى الرئيس عرفات قبل أشهر من وفاته وقال له: “نرجو ألّا تكون هذه الزيارة الأخيرة لك. لا بدّ من اتّخاذ إجراءات”.
“لكنّ “أبو عمّار” كرجل تاريخي لم يكن عنده أيّ استعداد منذ كامب ديفيد للاستسلام أو التنازل عن ثوابته الفلسطينية أو القدس، لذلك رفض الانتقال إلى غزّة لأنّه يعلم أنّه في حال ترك رام الله فستضيع الضفة الغربية والقدس”، بحسب إفادة أبو ردينة.
كشف أبو ردينة عن طلبات سياسية وأمنيّة لوزير الخارجية الأميركي من عرفات تؤدّي إلى وقف انتفاضة الأقصى وتسليم كلّ المطاردين، ثمّ اتّخاذ إجراءات عسكرية وأمنيّة تجعل عرفات مسيطراً على كلّ ما بين يديه.
شدّد على أنّ “عرفات لم يتنازل ولم يوقف الانتفاضة ولم يقدّم أيّ تنازل، ولذلك كانت هناك مؤامرة إسرائيلية أميركية بأنّ عرفات يجب أن ينتهي عهده”.

3- الرواية الثالثة: زار صحافي إسرائيلي الرئيس ياسر عرفات قبل ثلاثة أشهر من اغتياله، ويدعى “آمنون كابليوك”، وهو مقرّب منه، وقال له: “في إسرائيل يبحثون هل من المصلحة قتل عرفات أم لا، وجميعهم قالوا نعم.. لكنّ أحدهم قال: على ألّا نترك أيّ بصمات”.
الروايات الثلاث التي تؤكّد نيّة إسرائيل التخلّص من ياسر عرفات توّجت باتصال من الرئيس المصري محمد حسني مبارك بالرئيس الراحل ياسر عرفات، وفقاً لما نقله أبو ردينة وأدلى به أمام لجنة التحقيق، قال فيه مبارك لعرفات: “أنصحك أن تسلّم السلطة وأنا أعرف عمّا أتكلّم”.
أضاف أبو ردينة: “إنّ هذا الاتصال كان آخر اتصال من زعيم عربي بياسر عرفات قبل اغتياله”.

بالعودة إلى كيفية اغتيال عرفات استناداً إلى التحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق التي رأسها توفيق الطيراوي، وهو من مؤسّسي جهاز المخابرات الفلسطيني، فقد تعدّدت الروايات، وفي إحداها من يقول إنّ السُّم وضع لعرفات في القهوة أو الشاي بشكل منفرد. وكان اعتاد أن يتناول قهوته بمفرده. فيما تمّ استبعاد أن يكون السُّم قد وضع له في الطعام لأنّه كان حريصاً دائماً أن يتناول الطعام مع مساعديه أو مع ضيوف يزورونه. وتمّ توقيف بعض الطبّاخين الذين عملوا عند الرئيس عرفات، إلا أنّه تمّ إطلاق سراحهم لاحقاً.
أمّا الرواية الثانية فتقول إنّ السُّم وضع في خزّان ماء خاصّ بـ”أبو عمّار” كان يتوضّأ ويشرب منه وحده، وتمّ اكتشاف ذلك بعدما أصيب بحكّة في جسده، وقد تمّ الاستماع إلى أقوال يوسف العبد الله مدير مكتب الرئيس عرفات وبعض الموظفين في المكتب لمعرفة سبب تخصيص خزّان خاصّ لعرفات ومَن صاحب الفكرة ومَن كان يشرف عليه.
اعتكف رئيس لجنة التحقيق توفيق الطيراوي عن التعليق للإعلام في الفترة الأخيرة، وآخر تعليقاته كانت في عام 2012 وقال فيها: “لا أحد يملك معلومات صحيحة ولا حصرية ولا سرّية بهذا الخصوص، حيث إنّ لجنة التحقيق التي يرأسها لم تنتهِ بعد من التحقيق، ولم تتوصّل بعد لنتائج دقيقة وموضوعية وقاطعة حول جريمة الاغتيال”.

أوضح أنّ اللجنة “ستقدّم التقرير حول نتائج التحقيق للرئيس محمود عباس واللجنة المركزية لحركة فتح، بعد الوصول إلى الحقيقة الدامغة في قضية اغتيال الرئيس الرمز “أبو عمّار”.
تبقى الإشارة إلى نقطتين:
1- خبراء روس أكّدوا أنّ وفاة ياسر عرفات لم تكن عمليّة مدبّرة بل كانت موتاً طبيعياً.
2- كشف معهد لوزان السويسري للتحاليل الإشعاعية في تحقيق عن وجود بولونيوم مشعّ في رفات عرفات، وسط تقديرات تقول إنّه مات مقتولاً بهذه المادّة السامّة.
في الذكرى الـ19 لرحيل ياسر عرفات سيبقى لغز اغتياله مستمرّاً كما القضية الفلسطينية، والكلام يتجدّد عن ذلك عندما تتجدّد الحاجة إلى ياسر عرفات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى