أبرز الأخبار

لهذه الأسباب… الحزب لن ينضمّ إلى “طوفان الأقصى”!؟

“إنّها حرب طويلة”. هذا ما يردّده الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني. وقد تمرّ هذه الحرب بتموّجات يفرضها تدحرج وقائع هذه الحرب وردود الفعل بين تفاوض وقتال، فيتوسّع بيكارها في سياق “وحدة الساحات” من قبل محور الممانعة، أو يتمّ حصرها في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

لا حاجة إلى تكرار تعداد العوامل التي دفعت الجانب الفلسطيني إلى تنفيذ هذه العملية، وهي الصلف الإسرائيلي والممارسات غير المسبوقة في التاريخ لإنهاء مسألة اسمها قضية الشعب الفلسطيني باستخدام منظومة من الصهاينة المعتوهين الذين يفوق تطرّفهم الخيال لصنوف إرهاب الدولة من أجل محو تاريخ شعب من سجلّ التاريخ.

التفاعلات الجوهريّة فلسطينيّة وإسرائيليّة

تداعيات “طوفان الأقصى” على الداخل الإسرائيلي بعد الفشل الصاعق للجيش واستخباراته، وعلى المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني، ستستمرّ لسنوات، ومنها مثلاً مستقبل وحدة الحركة التحرّرية الفلسطينية. إذ كشفت معلومات أوليّة أنّ الساعات الأولى من العملية شهدت اجتماع غرفة العمليات المشتركة في غزّة، التي تضمّ الفصائل الفلسطينية كافّة، واتُّخذ القرار بمشاركتها جميعاً في “الطوفان”، بما فيها حركة “فتح” التي سقط منها شهداء أثناء اقتحام بعض المواقع، على الرغم من أنّ العملية العسكرية الضخمة تُنسب إلى حركة “حماس”.

في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية ستبرز تفاعلات جوهرية للمعادلة الجديدة التي أرساها “الطوفان”. أمّا التفاعلات على الصعيد الإقليمي فستحتاج إلى المزيد من الوقت كي تتبلور، لكن باستطاعة المراقب رصدها انطلاقاً من قراءة وسردية يمكن أن تشرحا أسباب دعم إيران، الذي لم يعُد سرّاً، لهذه العملية العسكرية الهائلة الانعكاسات.

سرديّة التخدير الإيرانيّ بمواجهة الحصار

في اعتقاد مصادر سياسية بارزة متابعة للشأن الفلسطيني وللدور الإيراني في المنطقة، أنّ طهران وحلفاءها الأقربين مارسوا سياسة التخدير بإظهار بعض إشارات الانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وعلى السعودية، بعد سلسلة ضغوط تعرّضت لها في السنوات الماضية، فيما دعمت الردّ الناجح عبر حلفائها الفلسطينيين هذه المرّة. تسرد هذه المصادر جملة الضغوط التي تشكّل العملية العسكرية النوعية ردّاً إيرانياً عليها كما يلي:

انتقام داخل إسرائيل بعد عمليّاتها داخل إيران

– إسرائيل قامت بسلسلة عمليات استخباراتية وأمنيّة موجعة في الداخل الإيراني في السنوات القليلة الماضية من اغتيالات لمسؤولين وخبراء في المجال النووي وتفجير بعض المواقع الحسّاسة في مجالَي الطاقة والصناعات العسكرية. ويمكن تصنيف اقتحام “حماس” وسائر المقاتلين الفلسطينيين للمستوطنات والثكنات العسكرية بأنّه ردّ على المسّ بأمنها في الداخل بتقويض أمن إسرائيل في الداخل أيضاً.

– طهران تردّ على الحصار الذي تتعرّض له منذ سنوات عبر عقوبات أنهكت اقتصادها وساهمت في عزلها دولياً، فيما تنعم إسرائيل بالاندفاع الأميركي لفتح آفاق الانفتاح عليها، لا سيما على الصعيد العربي، عن طريق اتفاقات أبراهام للتطبيع مع دول الخليج منذ عهد الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب. ويسعى الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى تطويرها باتفاقات واسعة المفاعيل، في إطار الصراع الدولي مع روسيا والصين، الذي أنتج في الإقليم معادلات جديدة تقوم على قاعدة “إمّا معنا أو ضدّنا” التي انتهجتها الإدارة الأميركية. وإضافة إلى أنّ العملية تعلِّق مشروع التطبيع مع السعودية، فمن الطبيعي أن تعتبر القيادة الإيرانية إطلاق بايدن مشروع طريق الهند – أوروبا عبر الشرق الأوسط الذي يتجاهلها كما سائر الدول النافذة فيها، إضعافاً لموقعها المستقبلي.

التهديدات الإيرانية سبقت العملية

– سبق للقيادة الإيرانية أن هدّدت باستهداف إسرائيل ردّاً على محاولة واشنطن إضعافها وتجريدها من أوراق القوّة التي اكتسبتها في العقدين الماضيين في اليمن والعراق (حيث يتعرّض الفريق الحاكم الموالي لطهران لضغوط اقتصادية تربك الساحة) وسوريا (حيث عزّزت واشنطن وجودها العسكري) ولبنان (حيث تشارك الولايات المتحدة في إحباط جهود وكيل إيران الحزب لتمتين إمساكها بالقرار عبر الرئاسة الأولى مرّة أخرى). وشارك الحزب في إطلاق هذه التهديدات، ومنها حين قال أمينه العام إنّ “استمرار أميركا في محاصرتنا وتجويعنا والتسبب بالفوضى عندنا سنردّ عليه بالتسبّب بالفوضى عند “ربيبة” أميركا، إسرائيل”. وحين ردّ نصر الله على رسالة بعث بها الوسيط الأميركي في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستين، حول إطلاق الحزب مسيّرات فوق حقل “كاريش” الإسرائيلي، لم يتردّد في الإشارة إلى أنّ الحزب مستعدّ للتصعيد ضدّ إسرائيل مقابل مواصلة أميركا الضغوط “علينا وعلى إيران”، حتى لو تسبّب ذلك بحرب، لأنّه “لم يعد لدينا ما نخسره”. وكان تضمين الضغوط على إيران في هذه الرسالة بارزاً.

– اعتقاد طهران أنّ إدارة الرئيس جو بايدن تستضعفها بقيام الجيش الأميركي بتعزيز وجوده العسكري في مياه الخليج العربي للحدّ من حركتها، بالتزامن مع الضغوط على الحوثيين في اليمن، وهو ما يحبط الاستراتيجية الإيرانية المتعلّقة بالشراكة مع دول الخليج في حفظ أمن الممرّات المائية، لكن من موقع التفوّق عليها. وسبق عمليةَ “طوفان الأقصى” تشدّدٌ حوثي حيال السعودية، وفشل مفاوضات وفد صنعاء في المملكة في تليين موقف “أنصار الله” في التفاوض على تثبيت الهدنة والانتقال إلى الحلول السياسية، وقصف الحوثيين لقوات التحالف العربي على الحدود اليمنية السعودية الذي أدّى إلى مقتل عسكريين من البحرين.

إقحام لبنان: تحت السقف لأسباب وجيهة

في انتظار اتّضاح كيفية استثمارها لما أنجزته يبقى السؤال عمّا إذا كانت ستشمل خطّتها إقحام لبنان في المواجهة العسكرية المتواصلة. ويسود اعتقاد بأنّ قصف الحزب موقعاً إسرائيلياً في مزارع شبعا إشارة تهديدية إلى الاستعداد للانخراط في المعركة.

في المقابل يغلب اعتقاد لدى أوساط رسمية وسياسية نابع من إيمانها بالقاعدة القائلة إنّه “لا الحزب ولا إسرائيل يريدان الحرب في لبنان”، وإنّ ما حصل أول من أمس من تبادل للقصف يبقى تحت سقف هذه المعادلة. وفي رأي هذه الأوساط أنّ هناك أسباباً وجيهة لتجنّب فتح جبهة لبنان في المواجهات الكبيرة التي تحصل عادة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، منها:

1-عنصر المفاجأة الكبرى في ما قامت به “حماس” في غلاف غزّة، وبالتالي فإنّ الحزب رابح ممّا حصل، وكذلك إيران. وهما بغنى عن فتح جبهة الجنوب اللبناني. كانت الخشية من اقتحام الحزب قرى الجليل والشمال الإسرائيلي، فإذا بالاقتحام يحصل من الجبهة الجنوبية لإسرائيل ويتوسّع انتشار المقاتلين الفلسطينيين نحو مواقع استيطانية وعسكرية غير متوقّعة على الإطلاق.

إشغال إسرائيل في الشمال حاصل بلا حرب

2- مخاوف الجيش الإسرائيلي من فتح جبهة على حدوده الشمالية مع لبنان واقعة من دون حصول عمل عسكري واسع من قبل الحزب، وبالتالي فإنّ هدف إشغال الإسرائيليين على جبهتهم الشمالية لتخفيف الضغط على الجبهة الجنوبية الحدودية مع غزّة حصل من دون الحاجة إلى عمل عسكري واسع انطلاقاً من لبنان.

3- مهما كانت الكلفة البشرية العالية التي ستترتّب على الضربات الانتقامية الإسرائيلية على قطاع غزّة، والتي يمكن أن توجب تحرّكاً من الجبهة اللبنانية، فإنّ النجاح المدوّي للعملية الفلسطينية سيبقى طاغياً على الأحداث، بدليل التسليم من قادة العدوّ بالفشل والهزيمة.

مصير استثمار النفط والغاز

4- المفعول الاستثماري للعملية المفاجئة غير المسبوقة من قبل إيران قد يتضاءل إذا جرى توسيع المواجهة نحو حرب تتخطّى الجبهة الفلسطينية، وقد يحول ذلك دون كسب إيران لما تريده. فالاستثمار في القضية الرئيسة والمحورية التي هي القضية الفلسطينية يعطي طهران قدرات تفاوضية، فيما فتح الجبهة من لبنان قد يساهم في تشتيت قوّة العدوّ، لكنّه في الوقت نفسه يشتّت الهدف السياسي لأنّه يزيد الخلافات اللبنانية حول دور الحزب في ظلّ خلافه مع فريق واسع من اللبنانيين.

5- الحزب يراهن على استخراج النفط والغاز من البلوك الـ9 قبالة الشاطئ الجنوبي الذي قطعت شركة توتال إنيرجي شوطاً في الاستكشاف والحفر فيه. والأمين العامّ للحزب قال في خطابه الأخير في الثاني من تشرين الأول إنّ المعطيات الأوّلية تفيد بوجود كميّات من الغاز فيه. فدخول الحزب على ملفّ الطاقة جعله شريكاً في مكاسبه ويفتح آفاق الاستثمار في لبنان بحيث يخفّف الضغوط الأميركية على لبنان وعلى الحزب عبر العقوبات. وإشراك لبنان في الحرب الدائرة يحول دون استكمال هذا المسار.

إذا صحّت هذه الحجج فإنّها تبقى معلّقة على ما تنويه إسرائيل.

وليد شقير – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى