أبرز الأخبار

هكذا استفاد المعتدون من الثغرة الأمنية في عوكر

 

لبنان 24

مشهد أول: معتدون مجهولون ينفذّون اعتداء على مقر السفارة الأميركية في منطقة عوكر ويلوذون بالفرار إلى جهة مجهولة. مشهد ثانٍ: من رأى الصورة التي جمعت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالسفيرة الأميركية في لبنان دورتي شيا في السرايا لم يصدّق عينيه. فالرجل كان قبل ساعات قليلة في نيويورك يمثّل لبنان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومعلوم أن قطع المسافة الجوية بين نيويورك وبيروت يحتاج إلى ما يقارب الاثنتي عشرة ساعة طيران من دون توقف.
مشهد ثالث: من يمرّ على الطريق التي توصل قرى المتن الساحلي كالضبية بقرى المتن الأوسط كديك المحدي وبيت الشعار عليه أن يسلك حكمًا طريق عوكر، حيث مقر السفارة الأميركية. فسالك هذا الطريق يوقفه حاجزان للجيش: الأول للصاعدين، والثاني للنازلين. مما يعني أن جميع الذين عليهم أن يسلكوا الطريق الذي يمرّ بالقرب من مقري السفارة القديم والجديد يخضع لتفتيش ولمراقبة نظريين.
مشهد رابع: الذين يسلكون طريق عوكر اعتادوا على منظر العمل الجاري في المباني الجديدة التي تتكّون منها السفارة الجديدة. أمّا الآتون من الخارج فيذهلون للوهلة الأولى من ضخامة هذه “القلعة”، التي تنتشر على مساحة كبيرة تمتد من الساحل المتني إلى وسطه، وهي من بين أضخم السفارات الأميركية في العالم.
مشهد خامس: من كانت لديه الجرأة على اجتياز حاجزين للجيش، صعودًا ونزولًا، وهو مدجّج بالسلاح، لا يمكن إلاّ أن يكون “مكودرًا”، بمعنى انتمائه إلى تنظيم مسلح، لبنانيًا كان أم غير لبناني.
الخلاصة من هذه المشاهد الخمسة هي أن الاعتداء على السفارة الأميركية في منطقة يُفترض أن تكون محصّنة أمنيًا، وفي الذكرى الـ 39 لتفجير مبنى السفارة في بيروت، ليس حدثًا عاديًا أو عابرًا. وهذا ما استدعى أن ينهي رئيس الحكومة زيارته لنيويورك، بعد القائه كلمته مباشرة ، والعودة مباشرة من المطار إلى السرايا للاجتماع مع السفيرة الأميركية، وجدد خلاله ادانة الاعتداء، مؤكدًا أن الاجهزة الامنية تكثّف تحقيقاتها لكشف ملابسات الاعتداء والضالعين فيه، واعتبر الاعتداء على السفارة الاميركية “اعتداء على سيادة لبنان وامنه”.
وما يجب التوقف عنده هو إن منطقة السفارة الأميركية في عوكر، هي حزام أمني بامتياز ولا يمكن لفرد أن يخرق هذا الحزام، ما يعني أنّ هذه الرسالة، وفي ذكرى تفجير السفارة عام 1984، هي رسالة أمنية متطورة، وأن ثمة جهة رصدت وراقبت ورأت ثغرة يمكن الدخول منها. فالذي يراقب حركة التفتيش على حاجزي الجيش، خصوصًا إذا كان خبيرًا في الشؤون الأمنية، يعرف أنه من السهل عبورهما بسلاح غير ظاهر، لأن من يقوم بعملية التفتيش من عناصر الحاجزين يكتفي بالتفرس بالوجوه من دون إخضاع المارين لتفتيش دقيق. وهذا ما استفاد منه مطلقو النار على مبنى السفارة. ويُعتقد أنهم سلكوا طريق “النزلة”، وفق محاكاة لسيناريو الاعتداء. فإذا كان المسلحون قد مرّوا على حاجز “النزلة” فهم حتمًا لم يمرّوا بسلاح ظاهر، بل كانوا يخفونه في صندوق السيارة، التي كانت تقلهم، لأنهم كانوا يعرفون مسبقًا أن عناصر الحاجز لن يفتشوا السيارة تفتيشًا دقيقًا. وما أن عبروا الحاجز، وبعد كوعين ترجلوا من السيارة وجهزوا أسلحتهم تمهيدًا لتنفيذ مهمتهم.
فإذا كان عبور حاجز “النزلة” قد تمّ بسهولة فإنه من المفروض ألا تكون عملية الفرار سهلة كما كان العبور. ومن هنا تبدأ عملية البحث عن “الثغرة الأمنية”، التي استفاد منها حتمًا المسلحون لتنفيذ اعتدائهم، سواء قبل التنفيذ أو بعده.
ولأن هذا الاعتداء ليس اعتداء عاديًا بما يحمله من رسائل سياسيو – أمنية إلى الأميركيين أولًا، ورسائل أمنية إلى الجيش ثانيًا، فإن كل هذه المعطيات موضوعة تحت مجهر المتابعة الدقيقة، بالتزامن مع اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة، التي تلحظ ما يستوجب عمله لتلافي حصول ما حصل مرّة جديدة، مع الأخذ في الاعتبار الحجم الهائل للمهمات الأمنية التي يقوم بها الجيش، وآخرها ضبط الحدود الشرقية والشمالية لمنع أو للحدّ من موجات النزوح، مع ما يتطلبه كل ذلك من جهود جبارة واستثنائية، وبإمكانات محدودة جدًّا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى