أبرز الأخبار

السعودية لجعجع… لماذا الآن؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

في نظرية إلباس العباءة أو خلعها، لا بدّ أن يتوفر في أسبابها شرطان أساسيان، الأول أن تأتي كعربون شكر في ختام مسيرة أو الفوز في مكسب، وتحضر هنا صورة “البشت العربي” الذي ألبسه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، للاعب الأرجنتيني ليونال ميسي في ختام بطولة كأس العالم نسخة قطر 2022، أمّا الثاني، فيحضر كفعل للإنتقال من مرحلة إلى إخرى. وهنا ثمة أمثلة سياسية كثيرة، كرّس الشهيد رفيق الحريري إحداها حين منح مفتاح بيروت للراحل غازي كنعان، فيما الأخرى شكّل وليد جنبلاط نموذجها، ساعة خلع الرداء الذي لبسه أيام الوجود السوري وانتقل عام 2005 ملتحفاً رداءً آخراً.

في حالة سمير جعجع اليوم، قد يكون إلباسه رداءً سعودياً مطرزاً من نوع “البشت” الفخم من جانب السفير وليد بخاري، تعويضاً عن “بشت” خسره بفقدان “الرعاية الأميركية”، أو قد يأتي عربون شكر لما قدمه طيلة عقد من الزمن في خدمة السياسة السعودية أو هو إعلان تكريمي بمناسبة الإنتهاء من مرحلة. وقد يكون ذلك من صنف الإعتزال عن أداء أدوار أو ربما تعويضاً له عمّا فات. في مكان آخر، قد يقرأ البعض العباءة بصفتها تعويضاً عن أخرى فقدت، أو عملياً “أشلحه” إياها الأميركيون، وربما ألبسوها لغيره.


قد يكون كل ما تقدم صحيحاً أو قد يكون “غير دقيق”، إنما الدقيق يبقى في أن جعجع، بكل ما فيه، إنتقل إلى مرحلة أخرى، يقرأ طالعها من حدثين بارزين شكلا نموذجاً يُحتذى في تتبع صورة “القوات اللبنانية”: حادثة مقتل باسكال سليمان، ومؤتمر الـ1701 في معراب واستطراداً سقوط مشروع “تزعم المعارضة”.

عملياً، مرّ جعجع في خضات ذات انعكاس سياسي سلبي عليه أخيراً.

في حادثة مقتل باسكال سليمان، رسم “الحكيم” لقيادة مشروع على ظهر ضحية، وإلى تحويل المنطقة الممتدة من ساحل جبيل وصولاً للجرد الأعلى وما يقع في محيطهما، منطقة عمليات خاصة تستعرض “القوات” قدراتها فيها، وتأتي استكمالاً لجدار دشّن في نفق نهر الكلب عام 2019. ما لم يسعف جعجع إختلاف قراءته عن تلك الأميركية.

على ما يظهر لا يريد الأميركيون لجبيل أن تكون مسرحاً لتصريف أي أدوار ذات بعد أمني، لسبب بسيط، أنها تمثل بالنسبة إليهم عمقاً حيوياً وأمنياً وفيها قواعد تنال درجة اهتمام عالية ومشابهة لتلك التي تحظى فيها “سفارة عوكر”. وبالتالي ينطبق عليها ما ينطبق على محيط وسهل وساحل وجبل يحاذي موقع أكبر سفارة أميركية في العالم: ” اللعب ممنوع”.

بالاضافة إلى ذلك، لا يجد الأميركيون مبرراً لإيقاظ ملف النازحين السوريين في لبنان الآن، وإعادة تفعيل نظرية “إعادتهم” في جانب فريق يفترض أنه واقع من ضمن ستراتجيتهم، فيما الأميركيين اليوم في صدد استخدام هذه الورقة للضغط على دمشق. بناءً عليه، لم تتقاطع مصالح جعجع مع مصالح الأميركيين.

ما له أن يعطي دلائل واضحة، سرعة تحرك السفيرة الأميركية على خلفية حادثة مقتل سليمان لـ”ضبط جعجع”. طلبت منه الهدوء وإخراج “جماعته” من الشارع واحترام تحقيقات الجيش وعدم التعرض لها. في المقابل، تحرك الجيش على الأرض طالباً من جعجع الشيء ذاته. وبنفس واضح، فهم الحكيم أن الأولوية أميركياً تعود للجيش، وأن اليرزة مطلوب منها “اللمّ” وهي المؤهلة للقطف، فقرر الإنسحاب بحد أدنى من الخسائر.

في لحظة أخرى قرر التعويض عمّا فات. لم يفهم ربما أن الأميركيين، على حقارتهم سياسياً، لا يجدون مصلحةً خلال هذه الفترة في هزات يتعرض لها الوضع الداخلي اللبناني. كما أنه لم يفهم مثلاً، أن حراك ليزا جونسون يوحي أن الإدارة الديمقراطية يهمها انتخاب رئيس في لبنان قبل الوصول المحتمل لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض. تجاهل كل ذلك ومضى في قرار دعوة “المعارضة” إلى معراب لإعداد استراتيجية مواجهة لحزب الله! خطط لتزعم معارضة فسقط، هذه المرة بضربة مزدوجة، أميركية – سعودية ولو من خارج التنسيق بين الجانبين حيث لكل منهما رغباته ومصالحه.

في تبرير هذه الجزئية، تصوروا أن المعارضة الشيعية مثلاً، التي تتجذر في معراب وتجد في جعجع عرّاباً، وتضمّ شخصيات تعتاش على تقديمات الـNGOs والوكالات الأميركية، استفاقت من غيبوبة أن إسرائيل لم تعد عدواً، وقررت هكذا فجأة وبشكل مستقل، مقاطعة دعوة جعجع التي تمثل عملياً في باطنها أحد أسباب وجودها، هكذا من دون وجود أي تأثير أميركي! من يصدق هذه “السالفة”، تماماً كمن يصدق أن وليد جنبلاط وسامي الجميل وفارس سعيد وميشال معوض والياس بو صعب ومارك ضو وميشال الدويهي وآخرين غيرهم ليسوا من حصة الأميركيين في لبنان، أو كمن يصدق أن فؤاد السنيورة وأحمد فتفت وبلال الحشيمي ونواب “الإعتدال” وغيرهم ليسوا من حصة السعودية!

وفي لحظة التذكير بالضرر الأميركي على سياسة جعجع، لماذا لا يتم ذكر الأضرار السعودية على الشخص نفسه؟

قبلها من المفيد الإشارة إلى الأداء المختلف لجماعة السعودية بشكل عامٍ. من كان يظن أن الوزير السابق وئام وهّاب في استطاعته تناول السعودية وأميرها، دون أن يخرج مسؤول واحد أو حليف أو مستفيد ليعقب أو يرد أو يدين، خلافاً لقاعدة أرسيت زمن الهجوم على جورج قرداحي وكأننا أمام سعودية أخرى.

قد يقول قائل إن هذه النتيجة تأتي كاستحضار طبيعي للإنتقال السعودي من سياسة إلى أخرى. الإنتقالة ذاتها التي تسببت بتخبط في معراب قادها نحو تجارب فاشلة، وقبلها في أزمة مالية حادة، لدرجة أنها لم يعد في مقدورها تأمين مساهمات لجرحى الحرب من عناصرها. كان من النتائج أيضاً تراجع التقديمات المالية (مصدر حياة معراب الذي لم تستثمره شعبياً قط)، وكان آخر العنقود أن “خرجت” جريدة “نداء الوطن” التي شكلت “قوة الصدم السياسية” لمعراب عن الخدمة، ولو جزئياً.

في الجزئية السياسية، كان التقدير السعودي أن “مغامرة معراب” الإعتراضية تحت مسمّى “1701 دفاعاً عن لبنان” ليست في زمانها ومكانها الصحيحين، طالما أن التقدير السياسي السعودي (والذي يعلمه جعجع جيداً)، هو التخريب السياسي لأطول مدة ممكنة إنتظاراً لتحوّل ما، وليس الزمن زمن إنشاء جبهات سياسية. في لحظةٍ ما، تقاطع الرفض الأميركي لأساليب جعجع مع تحليل سعودي قام على “عدم جدوى تهييج المعارضة” في لحظة لبنانية طابعها السياسي “تضييع وقت” حيث يصبح اللعب “على الكبيرة” في انتظار التطورات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى