أبرز الأخبار

لبناني يستخدم الفن لتمويل “حزب الله”!

المصدر: عربي بوست

اخترق “حزب الله” سوق الفن الأميركي واستخدمه لتمويل أنشطته، ففي وقتٍ سابق من هذا العام، 2023، اتُّهِمَ جامع أعمال فنية لبناني يدعى أحمد ناظم بغسيل الأموال وانتهاك العقوبات المرتبطة بالإرهاب في لائحة اتهام فيدرالية، وقالت السلطة الأميركية إن أحد المنتفعين من أنشطته هو حزب الله.

إذ حددت السلطات الأميركية جامع الأعمال الفنية أحمد ناظم باعتباره أحد كبار مُموِّلي حزب الله، اللبناني والذي تُصنِّفه الحكومة الأميركية باعتباره “تنظيماً إرهابياً”، حسبما ورد في تقرير لصحيفة “The New York Times” الأميركية.

واتهمت لائحة الاتهام ناظم في نيسان الماضي بالتهرب من العقوبات الأميركية المفروضة عليه في 2019، وذلك من خلال استخدام شبكة من الشركات لإخفاء ملايين الدولارات في معاملات تتعلَّق بالفنون والمجوهرات. واتُّهِمَ ثمانية أشخاص آخرون معه.


تصدَّرت لائحة الاتهام عناوين الأخبار في مختلف أنحاء العالم. لكن الجانب الذي حظي بنقاشات أقل هو المدى الذي فصَّلت فيه لائحة الاتهام، باستخدام المثال تلو الآخر، كيف أنَّ سوق الفن، وفقاً لحسابات الحكومة، قد لعب دوراً كبيراً في مخطط ناظم.

وأكَّدت لائحة الاتهام أنَّ “أكثر من 12 معرضاً وفناناً قد شجَّعوا ما وصفها المحققون بأنَّها أساليب ناظم المراوِغة. ومع أنَّه لم يجرِ اتهام المعارض والفنانين بارتكاب مخالفات، أو اتهامهم بأنَّهم ساعدوا ناظم عن قصد، إلا أنَّ لائحة الاتهام صوَّرت سوق الفن باعتباره وسيلة جاهزة لغسل الأموال والتهرُّب من العقوبات”.

فعلى سبيل المثال، تقول لائحة الاتهام: إنَّه “بعد مرور أكثر من عام على تحديد ناظم باعتباره مورداً مالياً لحزب الله وحظر الكيانات التي يسيطر عليها وكذلك حظر التعامل معه، وافق فنان من نيويورك، على ما يبدو دون قصد، على بيعه عملاً فنياً”.

وقالت الحكومة الأميركية: إنَّ “ناظم طلب من الفنان، الذي لم يرد اسمه في لائحة الاتهام، ألا يذكر اسمه في معرضه لأنَّه يُفضِّل أن يبقى مجهولاً”.

ووفقاً للائحة الاتهام، باع المعرض، الذي لم يُذكَر اسمه أيضاً في لائحة الاتهام، في عام 2021 ستة من أعمال الفنان إلى “كيان مقره في سيراليون” وصفه المحققون بأنَّه واجهة لناظم.

وفي حالة أخرى وردت في لائحة الاتهام، باع معرض في شيكاغو لم يُكشَف عن اسمه 21 عملاً لشركة كان ناظم يستخدمها منذ فترة طويلة لشراء الفنون. جاءت عملية البيع التي جرت في آذار 2022 بعد أكثر من عامين على فرض العقوبات التي تمنعه من إجراء مثل هذه المعاملات.

ووفقاً للوثائق القانونية، جرى تعريف الشحنة المتجهة إلى شركة في لبنان بأنَّها تحتوي على “سرر أطفال خشبية”، وليست أعمالاً فنية.

وقال مسؤولون أمريكيون إنَّ ناظم استخدم فنونه من أجل تحويل وحماية عائداته من تجارة الماس، التي كانت في نهاية المطاف مصدراً لتمويل حزب الله.

فجاء في لائحة الاتهام: “اقتنى ناظم سعيد أحمد منذ 2012 أعمالاً فنية بأكثر من 54 مليون دولار من دور المزادات والمعارض وصالات الفنون الكبرى، بل حتى مباشرةً من استديوهات الفنانين، وغالباً ما كان يخفي ملكيته الفعلية من خلال إصدار فواتير رسمية باستخدام شركات وهمية أو أفراد عائلة أو شركاء عمل باعتبارهم المالكين”.

وقد نفى ناظم سابقاً أي دور له في غسل الأموال أو في تمويل حزب الله.

وتشتكي الجهات التنظيمية الأميركية منذ فترة طويلة من أنَّ المعاملات الفنية تتم بمثل هذه السرية -ونادراً ما يتم التعريف بهُويات الأطراف الحقيقيين علناً- حتى أصبح السوق مُهيَّأً لغسل الأموال والتهرب الضريبي.

ويجادل تجار الأعمال الفنية ودور المزادات بأنَّه يجري تضخيم التهديدات وأنَّ الانتهاكات قليلة. وتقول بعض دور المزادات إنَّ لديها برامج لضمان أن تتمتع بفهم واضح للعملاء الأساسيين المشاركين في المعاملات. ويقول آخرون، غالباً ما يكونون معارض أصغر أو فنانين أفراداً، إنَّه ليس من المنطقي أن نتوقع منهم إجراء فحوص شاملة لخلفيات العملاء، خصوصاً إذا ما اتخذوا إجراءات لإخفاء هُويتهم.

فعلى سبيل المثال، أكَّد إريك علوش أنَّ “معرض علوش” الذي يمتلكه كان من الجهات غير مُعلَنة الهوية التي ذُكِرَت في لائحة الاتهام، وأُفِيد بأنَّها قامت بالتعامل مع ناظم. لكنَّه قال إنَّه لم تكن لديه أدنى فكرة أنَّه كان يتعامل مع كيان تزعم الحكومة أنَّه تابع لناظم.

وقال إنَّ معرضه تعامل مع ممثل لذلك الكيان كان إريك يعرف أنَّه اشترى أعمالاً فنية سابقاً من فنانيين يتعامل معهم، وإنَّ الصفقة “لم تبد مريبة على الإطلاق”.

وأشار إلى أنَّه سيبقى من الصعب بالنسبة للمعارض أن تبحث عن الشركات الوهمية وتتحقق من قواعد بيانات الحكومة في كل عملية بيع “ما لم نحصل على أدوات سهلة لفعل ذلك”.

وقد امتنعت الحكومة الأميركية حتى الآن عن تبنّي قواعد تنظيمية مثل تلك التي صدرت مؤخراً في أوروبا وتتطلَّب من تجار الأعمال الفنية التحقق ليس فقط من هُويات عملائهم، بل أيضاً من مصادر ثروتهم.

قال نيكولاس أودونيل، وهو محامٍ متخصص في سوق الفن في مدينة بوسطن الأميركية انخرط في مساعٍ لكي يتمكن هذا القطاع من ضبط نفسه دون قواعد تنظيمية من الحكومة، إنَّ السوق في قضية ناظم كان يمكن أن يقوم بعمل أفضل من ذلك في مراجعة عملائه.

وأضاف، “حين يتعلَّق الأمر بالتعامل مع شخص خاضغ لعقوبات، فإنَّ الجهل ليس عذراً. وليس من الصعب القيام بذلك النوع من الإجراءات اللازمة من خلال قاعدة البيانات المتاحة للعامة”.

كان يقصد قاعدة البيانات القابلة للبحث فيها عبر الإنترنت للأفراد الخاضعين للعقوبات، والتي يشرف عليها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة. وحين ورد اسم ناظم في لائحة الاتهام، أصدرت الحكومة بياناً جديداً، ونُشِرَ اسمه وتلك الشركات التي يُعرَف أنَّه يتاجر من خلالها على قاعدة البيانات. ويمكن للمعارض أيضاً الاشتراك للحصول على تنبيهات من المكتب، الذي يشارك في فرض العقوبات.

ذكرت لائحة الاتهام أقارب وشركاء لناظم تقول إنَّهم ساعدوه في شراء الأعمال الفنية، في انتهاك للعقوبات، وكثيراً ما كانوا يتعاملون مباشرةً مع الفنانيين أو المعارض. ومن بين هؤلاء ابنة ناظم، هند أحمد ناظم، التي كانت تدير معرض “Artual Gallery” ومعرض “Four You Gallery” في لبنان، وقد أُغلِقا الآن.

وُلِدَ ناظم لأسرة ثرية من تجار الماس، وتقول السلطات الأميركية إنَّه لا يزال طليقاً خارج الولايات المتحدة. ونشرت وزارة الخارجية الأميركية مقطع فيديو يعرض مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه وعن شبكته المالية.

ويُظهِر مقطع الفيديو رجلاً، يُعرِّفه المقطع بأنَّه أحمد ناظم، وهو يطلق صاروخاً محمولاً على الكتف، في ما تطرحه الحكومة باعتباره دليلاً على صِلاته بحزب الله.

كان ناظم (58 عاماً) يُعرَف في بيروت بأنَّه مُحِبّ للفن المعاصر. وأظهر مقال في مجلة “Architectural Digest Middle East” في عام 2018 جدران طابقه العلوي وقد اصطفّت عليها اللوحات والتماثيل، وقال مسؤولون أميركيون إنَّ قيمة مجموعته الفنية تبلغ عشرات الملايين من الدولارات، وإنَّها تضم أعمالاً لبيكاسو ووارهول.

وفي مقابلة مع موقع “درج” العربي نُشِرَت عام 2021، قال ناظم إنَّ شغفه بالفن حقيقي وليس واجهة لغسل الأموال، ووصف الاتهامات ضده بأنَّها مدفوعة سياسياً.

ويجري ربط ناظم علناً بحزب الله منذ عام 2011 على الأقل. ففي مقالات نُشِرَت ذلك العام، قِيلَ إنَّه شارك في صفقة عقارية في لبنان مرتبطة بحزب الله. وقد وصف الصفقة بأنَّها عمل تجاري عادي لا علاقة له بالحزب.

قال مسؤولون أميركيون أيضاً: إنَّ “لديهم اهتماماً كبيراً بالمال الذي جمعه مما يصفونه بتهريب “الماس الدموي”، وهي الأحجار الكريمة التي تُستخدَم لتمويل الصراع المسلح. وقالوا إنَّه تبرَّع شخصياً بأموال للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وغسل أموال الحزب من خلال شركته”.

كان الهدف من العقوبات التي أُعلِنَت في كانون الأول 2019، “عزل ناظم عن النظام المالي الأميركي ووقف تعاملاته التجارية مع أي كيانات أميركية. ويمكن أن يواجه أولئك الذين يتعاملون معه عقوبات أيضاً”.

لكنَّ وثائق المحكمة تقول إنَّه بالرغم من الحظر، “استمر هو أو شركاته في شحن مئات الماسات إلى الولايات المتحدة من أجل تصنيفها، وهي عملية لتقييم جودتها. ووفقاً للائحة الاتهام، قُدِّرَت قيمة حجر واحد فقط بـ80 مليون دولار”.

وفي المجمل، أفاد المدعون الفيدراليون في المنطقة الشرقية من نيويورك في بروكلين باكتشاف واردات وصادرات بقيمة نحو 400 مليون دولار، بالأساس من الأعمال الفنية والماس، من وإلى الولايات المتحدة مع كيانات مرتبطة بناظم بعد فرض العقوبات.

ووفقاً للائحة الاتهام، استجابت بعض المعارض والفنانين لطلبات من جانب ناظم من أجل تقليل قيمة فواتير المبيعات ووثائق التصدير؛ حتى يتمكَّن من تجنُّب الضرائب الأجنبية.

وقالت ناتاشا ديغين، أستاذة دراسات سوق الفن: “من المرجح أن يتم استخدام الشركات الوهمية للشراء بدون ضرائب أكثر من استخدامها لشراء الأعمال الفنية لشخص خاضع للعقوبات. وبطبيعة الحال، يمكن أن يمضي غسيل الأموال والتهرب الضريبي جنباً إلى جنب كما في حالة ناظم. وهي نفس نقاط الضعف التي تجعل الأمرين ممكنين في سوق الفن”.

وقال ويات ميلز، وهو فنان مقيم في كاليفورنيا أشارت إليه لائحة الاتهام دون تسميته، إنَّه لم تكن لديه أي فكرة أنَّ ناظم كان خاضعاً للعقوبات أو متهماً بالارتباط بحزب الله حين باعه 4 أعمال في 2021. وقال إنَّ معرضاً كان قد عمل معه في الماضي نبَّهه إلى أنَّ ناظم قد نشر عدداً من رسومات ميلز على تطبيق إنستغرام وأشار إلى أنَّه يتواصل معه.

وأضاف ميلز، “قال المعرض إنَّ ناظم وقع في بعض المشكلات”، لكنَّ نفس المعرض قال له إنَّه لم يثبت كونه مذنباً بأي شيء، وإنَّه يبدو “جامع أعمال فنية شرعياً”.

وقال: إنَّه “لم يظهر أي شيء خاطئ، إلى أن زار العملاء الفيدراليون منزله في وقتٍ سابق من هذا العام”.

وتابع، “وظيفتي ليست أن أجري كشفاً للخلفية الجنائية لأي أحد يشتري لوحة. إنَّهم بالتأكيد لا يُعلّمونك ذلك في المدرسة الفنية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى