أبرز الأخبار

“خطة باء” تفادي الشغور… تأخير تسريح القائد!

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

لا تزال القوى السياسية، ومعها العسكريون، حبيسة واقع الفراغ المحتمل والزاحف نحو قيادة الجيش مع إحالة قائده العماد جوزيف عون إلى التقاعد في العاشر من شهر كانون الثاني المقبل، وفي ظل “العناد” الذي اثمر سقوطاً لكل إقتراحات تعيين رئيس للأركان، الشخص الوحيد الذي يجيز له القانون تولي موقع القائد في غيابه.

مع ذلك، لم تهدأ محرّكات البحث عن حلول، من بينها ما تواتر مؤخراً إلى وسائل الاعلام عن إحتمال التمديد لقائد الجيش، “الخبرية” التي وقف خلف “وزّعها” مقرّبون من رئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء، وعملوا على إشاعتها من دون سند يدعمها ما تسبب في سقوطها أو عدم التعاطي معها جديًا. ويُقال أن “التوزيعة” جاءت من قبيل “معاينة” ردّات الفعل على اقتراح مماثل ودراسة سلوكه.


عملياً، ثمة اعتقاد شبه راسخ أن تركيز قائد الجيش منصب على الملف الرئاسي، ولا يضاهي هذا التركيز شيئاً. وعلى نفس المبدأ، لن يشكل التمديد له في المؤسسة العسكرية أي قيمة مضافة تنسحب على ملف الرئاسة او تشكل سنداً له. فهو أضحى مرشحاً موجوداً سواء كان في اليرزة أو في منزله، ولا ينزع عنه هذه الصفة سوى تخلي من يدعم ترشيحه عنه. والاعتقاد السائد لدى البعض من أن خروج “عون” من اليرزة يطيح بحظوظه لا يستوي قياساً بالواقع الراهن.

في الواقع، هناك أكثر من سبب يقف عثرة أمام التمديد للقائد وفق الصيغة التقليدية المنصوص عليها، اي من خلال تقديم إقتراح لنفسه ومن ثم رفعه إلى وزير الدفاع، ليدون الاخير مطالعته عليه ويرسله إلى الامانة العامة لمجلس الوزراء لوضعه على جدول أعمال اول جلسة للحكومة، لسبب يعود إلى “تحفّظ” قائد الجيش على خطوة مماثلة ولكونه يعتبر أنه أضحى في ظل الفراغ والنزاع السياسي، حاجة ومرشحاً رئاسياً فوق العادة، وربطاً بالصراع القائم بينه وبين وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، لدرجة أن سليم قد يقبل توقيع قرار شنق نفسه ولا يسجل أنه وقّع إقتراحاً بالتمديد للقائد.

بالاضافة إلى هذه المصاعب، ثمة قضايا أخرى لا تقل أهمية. فجانب أساسي من القوى الرئيسية في البلاد، تعتبر أن ما سرى على مدير عام الأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم ومن قبله رئيس الاركان السابق في الجيش اللواء أمين العرم، وفيما بعد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، لجهة صعوبة إمرار التمديد لهم من خلال قانون، لا بد أن ينسحب ايضاً على قائد الجيش، إذ لا أجواء توحي بسير أحد تحت الضغط، فيما الاسوأ يبقى في ما يتسرب عن أجواء خارجية تدفع باتجاه “تعرية” السلطة السياسية من أزلامها، وعدم توفر “جنس” تغطية للتمديد في اي موقع من المواقع إنما تفضيل أن تبقى الامور متروكة تسهيلاً لإجراء “نفضة”.

في المقابل ثمة رأي آخر يتصل تحديداً بالجيش ودوره ودائرة الاهتمام التي يحظى بها داخلياً وخارجياً. فمن غير المقبول ترك الجيش إلى مصير أسود من دون وجود “جهة آمرة” على رأسه، أو تركه رهن صراع مجموعة من الضباط الكبار فيما بينهم على حق “الأمرة”، ليتحول عندئذٍ كل لواء أو فوج مستقل في الامرة عن غيره. ولذلك، ثمة من يقترح اليوم “تفويض” القيادة إلى صاحب الرتبة الاعلى من الضباط، وهو مبدأ يُسانده وزير الدفاع دون ان يجاهر به ولو أنه يواجه بإعتراضات سياسية ليست محصورة في الرئيسين بري وميقاتي، في مقابل آخرين ما زالوا يراهنون على “ديل” رئاسي يصبح نافذاً في نهاية المطاف مع الدروز ممثلين بآل جنبلاط، يدفع بحزب الله والتيار الوطني الحر مثلاً، إلى التنازل والقبول بتعيين رئيس للأركان في مجلس الوزراء فتنتهي القصة.

لكن ومن قبيل الواقع، فإن الرهان على هذه الفرضية يبقى صعباً في ظل ضيق المهل أولاً، وغياب الاجواء المشعجة على الحلول ثانياً، ما يفرض الذهاب إلى إقتراحات “أكثر قابلية” أو من الممكن تسييلها.

وكما سبق وسوق مقرّبون من الرئاستين الاولى والثانية مسألة التمديد، يعود اليوم “مسؤولون” مقربون من عين التينة، إلى التذكير بوجود مخارج قانونية عدة تنفع في تأمين حلول “ظرفية” لأي شغور محتمل وداهم في قيادة الجيش، من بينها إعادة النظر بإقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدم به النائبان “الاشتراكيان” بلال عبدالله وهادي أبو الحسن، أواخر عام 2022، إستدراكاً لحالة الفراغ في موقع رئاسة الاركان آنذاك، وجاء بمادة وحيدة (بعد دمج إقتراحين سابقين) ليرسي نصبه على الآتي: “خلافاً لأيّ نصّ آخر، وبصورة استثنائية ولمرّة واحدة فقط يُؤخَّر تسريح الضبّاط العاملين في الجيش الذين تمّ تعيينهم بموجب مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء وفي باقي القوى الأمنية للمعيّنين بموجب مراسيم بالأصالة أو الوكالة في المراكز التي يشغلونها، وذلك لمدّة سنتين من تاريخ صدور هذا القانون، مع حفظ جميع حقوقهم المالية والمعنوية”.

ويُنقل عن أحد المسؤولين البارزين قوله في مجالسه تعليقاً على الحديث حول إحتمالية الفراغ في الجيش: “يبقى إقتراح عبدالله – ابو الحسن الخرطوشة الأخيرة القابلة للاقرار شرط أن تحظى برعاية سياسية، وسيعود الجميع إليها حين يتقنون بإنعدام الحلول، وليس قبل أسابيع قليلة من تحول الفراغ إلى أمر واقع”.

وللعلم، فإن الاقتراح المذكور لم يخضع للدرس، وأهمل في وقتٍ سابق، ليعود ويظهر مجدداً اليوم، مع إحتمال أن يُعاود درسه، وربما تنقيحه بما يخدم اللحظة، والشرط أن يحظى بإجماع سياسي، لا يتوفر إلا بمقايضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى