أبرز الأخبار

“البطريرك مار سمير فريد جعجع”

كتب داني حداد في موقع mtv:

يتعامل سمير جعجع مع القضايا المسيحيّة بصفته “البطريرك السياسي”. لم ينتخبه أحدٌ لهذا المنصب، بل اختاره لنفسه، معتمداً على تاريخٍ، في السلم والحرب، وعلى شعبيّةٍ إذ كرّسته الانتخابات النيابيّة الأخيرة الأقوى مسيحيّاً، منتزعاً لقباً حمله ميشال عون منذ العام ١٩٨٨.

يتوقّف في بداية لقاءٍ مع عددٍ من الصحافيّين عند عبارةٍ سألتُها لأحد ضيوفي على الشاشة، ويقول إنّه اختار هذه “الجَمعة” الإعلاميّة بسبب السؤال والجواب، وموضوعه حضور المسيحيّين في الإدارات الرسميّة والواقع الديمغرافي المسيحي.
يُصرّ جعجع في كلامه على أمرَين: التفاؤل، معتمداً على لائحة تُعدّد المناصب الإداريّة الشاغرة أو التي ستشغر قريباً وتعود لمسلمين، ليقول إنّ المسلمين يخسرون أكثر من المسيحيّين، أو مثلهم، وما من داعٍ للهلع… المسيحي.
الأمر الثاني عدم ربط العدد بالحضور. إذا تراجع عدد المسيحيّين كرقم، فإنّ حضورهم السياسي ثابت بفعل الدستور وما من أحدٍ قادرٍ على تعديله خلافاً لإرادة المسيحيّين. ثمّ أنهم ليسوا عدداً بل قيمة. ويذكر أمثلةً كثيرة ليبلُغَ مسألة الإنجاب، وهي طبيعيّة برأيه لدى المسيحيّين في حين أنّ العدد غير طبيعي ولا صحّي لدى آخرين، تحديداً في بعض المناطق.

لا يخشى سمير جعجع الأرقام. يتحدّث بلهجتَين: القوي بما يملك من حزبٍ ونوّابٍ وقدرة تأثير، أو أقلّه رفض، والمسيحي حتى العظم، ولم يكن ينقصه في تلك الأمسية في معراب سوى جبّةٍ سوداء وصليبٍ يتدلّى من العنق.
هو يتحدّث، فعلاً، عمّا يجب على الكنيسة أن تكون الأكثر حرصاً عليه. ولكن، “لا تندهي ما في حدا”. لم يقلها، بل نقولها ونكرّرها. الكنيسة عاجزة، وأحياناً مقصّرة. والفاتيكان لا حول ولا قوّةً، بل صلاةً. صلاةٌ فقط لا غير.
وفي الحديث عن القوّة، يعدّد جعجع ثوابته، مؤكداً أنّه لن يحيد عنها، الى أبد الآبدين: لا لحوارٍ، ولو حتى بدعوة “لو دريانيّة”، بل إصرار على انتخاب رئيس. ولا لرئيسٍ يريد حزب الله فرضه على المسيحيّين. ولا لتنازلٍ عن أيٍّ من حقوق المسيحيّين، بالفعل لا بالقول. ولا أمل بالصيغة الحاليّة، لكنّ البديل عنها ليس جاهزاً بعد، لا في المضمون ولا في التوقيت.

يردّد عشرات المرات في اللقاء: اللامركزيّة الموسّعة. يطرحها كحلّ، أو كمدخلٍ للحلول. والأهمّ أنّه ينطلق في دعم فكرته، خلافاً لكثيرين، ليس من تراجع عدد المسيحيّين أو من نقاط ضعفهم في التركيبة، بل من دورهم ورسالتهم وتاريخهم وكفاءتهم وحتى تفوّقهم.
وما يلفت في كلام جعجع أنّ طرح اللامركزيّة الموسّعة، وهو يُسقط عنها تسمية الإداريّة عمداً، لا يصبّ حصراً في مصلحة مسيحيّي ما بين الأشرفيّة والبترون، بل يبدي حرصاً على مسيحيّي الأطراف ويطرح حلولاً مرتبطة بوضعهم، مؤكّداً أنّ هذا الطرح يفيد المسيحيّين ولكنّه لا يستهدف الطوائف الأخرى، إذ تملك عناصر قوّة في بعض المناطق يمكن أن تستفيد منها.
أمّا عن الخلاف على الدفاع والخارجيّة، وهو لا يُحلّ مع تطبيق اللامركزيّة، مهما توسّعت، فأشار الى أنّ مثل هذا الخلاف لا يصبح أولويّةً إن كان المواطن يعيش في “منطقته” عيشةً كريمة ماديّاً واجتماعيّاً.

يدرك سمير جعجع، بواقعيّته السياسيّة، أنّ طرحه غير قابل للتطبيق اليوم، ولكنّه يبدو واثقاً أنّ ساعته ستأتي يوماً. يقول إنّ الكلام الكثير الذي يصدر من هنا وهناك عن هذا الموضوع ليس صدفةً. هو يراقب. وهو ينتظر. وهذان دوران اعتاد عليهما. ويبدو، من كثيرٍ ممّا قاله في اللقاء المقفل مع الإعلاميّين، أنّه يعتاد أيضاً على دور البطريرك السياسي. كانت تنقصنا البرَكة من مار سمير فريد جعجع، قبل أن نغادر معراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى