أبرز الأخبار

قراءة دستورية في المادة ٥٢ : أمانة برقبة من حلف على الدستور… فلا تطلقوا عليه رصاصة الرحمة

Almarsadonline

المحامي لوسيان عون : كاتب ومحلل سياسي

 نصت المادة 52 المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 وبالقانون الدستوري الصادر في 9/11/1943 وبالقانون الدستوري
(1990/9/21  الصادر في
على ما يلي : ” یتولى رئیس الجمهوریة المفاوضة في عقد المعاهدات الدولیة وابرامها بالاتفاق مع رئیس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس
الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب علیها حینما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط
تتعلق بمالیة الدولة والمعاهدات التجاریة وسائر المعاهدات التي لا یجوز فسخها سنة فسنة، فلا یمكن  إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب”.

يفهم من منطوق المادة ٥٢ من الدستور أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان لا تصبح مبرمة وبالتالي نافذة الا بعد اخذ موافقة رئيس الحكومة ومصادقة مجلس الوزراء عليها ونيل موافقة مجلس النواب.
فالاتفاقية التي اعلن رئيس الجمهورية موافقته عليها دون التوقيع عليها خطياً ليست نافذة حتى اليوم لكونها نالت موافقة رئيس الحكومة الشفهية دون توقيعه عليها، وعلى الرئيسين دعوة مجلس الوزراء للانعقاد لمناقشتها وتصديقها ،قبل إرسالها الى مجلس النواب ليناقشها الاخير بدوره ويصادق عليها لتصبح عندذاك نافذة وسارية المفعول من جانب واحد بانتظار تصديق الكنيست الاسرائيلي بعد تصديق الحكومة الاسرائيلية عليها وارسال الكتابين الى الامم المتحدة لتسجيلهما في الامانة العامة وتصبح نافذة بدورها تجاه الدول الاعضاء في الامم المتحدة وتصلح لتكون منطلقاً للتعاقد مع الشركات النفطية على جانبي الحدود المتفق عليها.
لقد نصت الاتفاقيات الدولية أنه لا مانع من ان تكون المعاهدات ثنائية او ثلاثية او اكثر دون الاحادية حصراً، وهي بطبيعتها تكون ملزمة لمن وقعها بالشكل الذي اتخذته، لكنها لا تسري تجاه الدول التي صدرت عنها الا بالتزامها بمضامين الدساتير العائدة لكل من البلاد تلك،
وبالنسبة للبنان فان المعاهدات الدولية تبقى أسمى من الدستور مرتبة ،وانه يجب على السلطة التي تجري المحادثات وتستكمل مناقشة المعاهدات او الاتفاقات الدولية على اشكالها وانواعها مراعاة الاصول وصفة الهيئات او المنظمات او الحكومات التي تفرضها هذه الدساتير ،
هذا بالاضافة الى ان دستور لبنان اشترط في حالات محددة حصراً بحال توفرها استكمال التصديق على اي معاهدة ام اتفاق دولي مع اي دولة أخرى من قبل مجلس النواب وهي ان يكون موضوع المعاهدة شاملاً مواضيع
تتعلق بمالیة الدولة – فمعاهدة الترسيم الحاضرة لها ارتباط وثيق بمالية الدولة لما تتطرق الى عقود واتفاقات وتلزيمات واستدراج عروض نفطية وتوظيفات الخ…. – في وقت تتضمن شروط انشاء معاهدات وعقود تجارية مع كبريات الشركات العالمية التجارية – فضلاً عن ان اتفاقية الترسيم تبقى قائمة ما لن يتم فسخها من جانب لبنان أو اسرائيل او احدى الدولتين معاَ ولا یجوز فسخها سنة فسنة، وهذا ما منع اعتبارها مبرمةً فلا یمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب عليها.
لقد حلف رئيس الجمهورية على الدستور حال انتخابه رئيساً للجمهورية عام ٢٠١٦ ، وبمعزل عما اذا كان ارتكب في تنازله عن خطوط بحرية حدودية ام حقوق سبق واقرت ام تمسك بها لبنان سابقاً، الخيانة العظمى ،فانه يبقى مؤتمناً على تطبيق المادة ٥٢ من الدستور بحذافيرها، وبالتالي، ما لم يتم التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً في جلسة له، واحالتها الى مجلس النواب لمناقشتها والتصديق عليها فهي لن تكون مبرمة ونافذة تجاه اللبنانيين وتجاه الامم المتحدة، وفي حال سلكت طريقها نحو التنفيذ سنداً للمادة ٥٢ من الدستور يبقى ايداعها الامانة العامة للامم المتحدة واجب ،كما يفترض اكتسابها شروط التصديق وفق نظام الدولة الاسرائيلية لتكتسب صفة المعاهدة ثنائية الاطراف وتمتعها بتوافق لارادتي دولتين في تحديد حدودهما المشتركة وفق الخرائط المرفقة، والا فان اياً من شركات التنقيب عن النفط لن تجرؤ لخوض سبر اغوار البحار والنفط في ظل ثغرات تؤسس ربما لنزاعات وحروب قد تدفع أثمانها باهظةً.
إن أي اخفاء أو تلاعب او تغييب اية مؤسسة شرعية ودستورية عن الاطلاع على مضمون هذه الاتفاقية او تغييبها أو تمريرها بطرق ملتوية يدعو للشك في دوافعها ومبرراتها، ولطالما كان المشترع الذي وضع احكام الدستور يقظاً ودقيقاً عندما فرض إشراك السلطتين التشريعية والتنفيذية مع شخص رئيس الجمهورية في مناقشة بنود أي معاهدة خاصة تلك التي نحن في حاضرتها وهي تتناول مواضيع مصير ملكية مئات الكيلومترات من المساحات السيادية من المياه الاقليمية اللبنانية فضلاً عن خطورة وخشية التفريط بمئات المليارات من الدولارات التي سوف تنتجها حقول نفطية وغازية ،ناهيك عن صفقات وعقود تطرح الف علامات استفهام حول مقدار نزاهتها وشفافيتها ومردودها في ادق حقبة تاريخية تشهد انهياراَ اقتصادياً ومالياَ وعجزاَ غير مسبوق وفساداً مستشري وفقدان عناصر المحاسبة والمساءلة وانهيار الجسم القضائي والاجهزة الرقابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى