أخبار محليةبأقلامهم

١٣ تشرين أيضاً

 

“النهار” – العميد الركن جورج نادر

في كل 13 تشرين، أراني أعود الى الوراء عقدَين من الزمن، أقف متهيباً رهبة الموت والدم، خاشعاً لوقار ذكرى رفاق قضوا في ساحة الشرف وهم يقاومون آلة القتل التي لم ترحم حتى شعبها، وهي تذبح أحلام شعب ما اعتاد إلا الحرية، وتقتل إيمان رجال عاهدوا الوطن وأنفسهم أمام العَلم، على الوفاء حتى الرمق الأخير.
ينصحني البعض عن حُسن أو سوء نية، بعدم نبش القبور، والبعض الآخر بالصمت مع الصامتين ما دامت علاقات الدول تُبنى على المصالح ولا مكان فيها للعواطف. لكنني، وقد يكون عن غير قصد مني، أقف أمام تشرين الأسود، فينتصب أمامي ذاك النهار المشؤوم من غاليري سمعان، إلى ضهر الوحش، وبيت مري والدوّار، وأرى رفاق السلاح يُساقون معصوبي الأعين، موثوقي الأيدي، رؤوسهم خافضة، وهي التي لم تنحنِ يوما إلا للعزة الإلهية ولذرف الدمع على الرفاق الشهداء، ثم يُعدمون، وتُكوّم الاجساد الغضّة نازفة على أرضٍ قاتلوا لتبقى حرّة… ثم يلوحُ في نظري فأرى الذي من المُفترض به أن يُطالب بمعرفة مصير هؤلاء، واستعادة رفاتهم من مقابر نظام القتل، أراه يحتفل بنصرٍ زائفٍ فرحاً وكأنه حرّر الأرض المحتلة واستعاد الحقوق السليبة، ينتشي بالهزيمة ويشدّد على أنها نصرٌ، فيما هو تخلّى عن جنوده، ليس فقط في أرض المعركة، بل بعدما حملته الظروف إلى موقع يستطيع من خلاله إستعادة رفات الشهداء الـ 122 الذين قاتلوا بإمرته، خصوصاً بعد العلاقة المميّزة التي تربطه بنظام أطلق هو عليه يوماً صفة “نظام القبور”.
لست من هواة استحضار التاريخ والأيام السود، فتاريخنا القريب، وياللأسف، هو تاريخ القتل على الهوية وتهجير القرى والبلدات، واستقدام القوات الأجنبية للإستقواء بها على أبناء الوطن الذين يخاصموننا الرأي. وفي تلك الحروب العبثية، قُتل مئات الآلاف، وفُقد كثر، وإذا أردنا البحث عمّن فّقدوا، نضيع في مجاهل تاريخ الميليشيات والمنظّمات والجيوش الغريبة، وجغرافيا المقابر الجماعية والمسؤولين عنها، وأكثرهم إما قضوا، وإما هاجروا، ولم يبقَ لهم أثر. إلا أن المفقودين في 13 تشرين 1990، معروفون بالإسم والهوية العسكرية ومكان الإختفاء، والمسؤولون عن كشف مصيرهم معروفون أيضاً، لذلك أراني أُشدّد على معرفة مصيرهم، وأنا شبه متأكد أنهم استُشهدوا، وقد قُتلوا على الأرض اللبنانية، إلا أن رفاتهم على الأرجح هي في سجون نظام القبور، والأشدّ إيلاماً أن المسؤولين لم يكلّفوا خاطرهم ولو لمرّة واحدة، السؤال عن مصير هؤلاء الرفاق كي نروي غليل الأهالي الذين لم ييأسوا من انتظار معرفة مصير أبنائهم.
أعتقد أن من المعيب التذكير بأن بنيامين نتنياهو، الرئيس السابق لحكومة العدو الاسرائيلي، توسّط قبل سنتين لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لاستعادة رفات جندي إسرائيلي قُتل في أثناء الإجتياح الإسرائيلي في البقاع، ودُفن في بلدة السلطان يعقوب. ونجحت الوساطة بأن طلب بوتين ذلك من حليفيه الرئيس السوري و”حزب الله”، وسافر نتنياهو شخصياً إلى روسيا لاصطحاب الرفات، حيث أقيم لها احتفال تكريم في مطار بن غوريون في تل أبيب.
هل يملك أحدٌ من مسؤولينا ذرّة من كرامة تحلّى بها عدوّنا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى