أبرز الأخبار

مخالفات تعيين محقق عدلي رديف… إلى أين؟!

المحامي لوسيان عون

ان يخالف مواطن عادي القانون، فهو امر مالوف ربما، اما ان يخالف مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل معاً قانون اصول المحاكمات الجزائية في ابرز واخطر ملف قضائي عائد لمجزرة تفجير المرفأ والذي دمر قسماً من العاصمة اللبنانية فهو يرتقي إلى الطعن بالقانون والقضاء وبكل لبناني تواق لاحقاق الحق وارساء العدالة في هذا الظرف المفصلي الذي يتطلب الوعي والحكمة.
لقد نصت المادة ٣٦٠ من قانون اصول المحاكمات الجزائية على تعيين محقق عدلي للتحقيق بجريمة سبق واحيلت الى المجلس العدلي، من قبل وزير العدل بعد اخذ موافقة مجلس القضاء الاعلى. لكن قانون اصول المحاكمات الجزائية لم ينص على تعيين اكثر من محقق عدلي في الدعوى ذاتها ،
وهذا يعني ان المحقق العدلي الذي يتولى التحقيق في القضية يكون ملفها بعهدته ويتم التحقيق باشرافه دون سواه ،بمعزل عن الثغرة التي تعرقل حالياً عمله وهي تتطلب تعديلاً للقانون من مجلس النواب وتتمثل بحق المدعى عليهم بتقديم طلبات رده ساعة شاؤوا وبالاعداد التي يرتأونها كما يحصل حالياً ما يوجب قانوناً وقف السير بتحقيقاته الى حين بت محاكم الاستئناف بالطلبات المقدمة تباعاً.
من هنا فان الدواء ينحصر بالمجلس النيابي، عبر تعديل قانوني لقانون اصول المحاكمات بحيث يحصر طلب الرد بحالات محددة حصراً ولمرة واحدة ( على سبيل المثال) للمدعى عليه الواحد، ولا يترك سلاحاً يشهر تباعاً كوسيلة لعرقلة التحقيق كما نشهده حالياً.
أما مخالفة القانون، وتعيين محقق عدلي مساعد ام رديف ام معاون….. فهي بدع وهرطقات قانونية استنبطت من قبل السياسيين الذين ضغطوا على السادة القضاة ووزير العدل فتمكنوا من اتخاذ اجراء طعن القانون في الصميم وهو لم يؤتَ على ذكره ، وفتح ثغرة كبرى ستستخدم لدى كل المحاكم بحيث يعمد المخالف الى تعيين قاض او قضاة مساعدين في المحاكم في حالات غير مبررة وان كان القاضي الاصيل يمسك ملفه، فيتم اسقاط قاض رديف بالباراشوت ويجبر على تسليمه الملف للنظر به والفصل بمكوناته وحيثياته،وهذا سوف يشرع الاشكالات والفوضى والتحديات بين القضاة انفسهم، ولكم من قاض سيجد ان القانون انتهك، وجاء من يفرض انتزاع الملف من بين يديه، دون اي عذر او سبب او موجب.
وفي شان التحقيق العدلي بقضية المرفأ تحديداً،فقد وضع قاض ( ربما ينتمي الى فريق سياسي محدد) في مواجهة القاضي طارق البيطار ،وسيفرض على الأخير تسليمه ملف المرفأ، وان ذريعة اعطاء صلاحية للقاضي الرديف فقط للنظر باخلاء سبيل الموقوفين في غير مكانها وهي تستوجب الرد لأن البت باخلاء السبيل اياَ كان الموقوف ان كان جدياً ومنطقياً وعادلاً ،فيستوجب اعادة قراءة الملف برمته والغوص بتفاصيله كافة ،والا فسيكون ذي ابعاد سياسية بامتياز، وهذا يتطلب انتزاع كامل الملف من القاضي بيطار وقراءته بكل ما تضمنه من تحقيقات اولية واستنطاقية وافادات وتقارير صادرة عن الاجهزة الامنية وتحاليل مخبرية، وهذا يعني ازدواجية الصلاحية وتوزيعها على محققين اثنين ما يخالف القانون.
هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فان اطلاق بعض او كل الموقوفين قد يفقد بعضاً من الاوراق التي تشكل وسائل للتقصي عن الحقائق وكشف المجرمين طالما ان التحقيق لم يستكمل ويختم بعد، ولكم من جرائم اكتشف ان فاعلها قد سبق واخلي سبيله في الملف لكن معطيات استجدت في التحقيقات واثبتت تورطه لكنه فر الى خارج البلاد او اختفى اثره وفر من وجه العدالة.
في المحصلة ،لقد ابتدع المصرون على تعيين محقق عدلي رديف بدعة جديدة لم يلحظها القانون شرعت الباب لجهنم في قصور العدل،
لقد شرعت خلافات بين القضاة ،وشرعت باب الافلات من العقاب في كل الجرائم، وشرعت باب ضياع حقوق المتقاضين، كما شرعت باب تجزئة ملفات الدعاوى القضائية، ولم يعد القاضي الذي يضع يده على اي جريمة مسيطراً على كل مفاصلها، قاضي يحقق، وقاضي يخلي السبيل، وقاضي يدرس الملف، وقاضي يصدر القرار النهائي، وقاضي ينسق مع السلطة السياسية التي عينته…..
رحم الله مبدأ فصل السلطات، وما كان ينقص هو تكليف السلطة السياسية باجراء التحقيقات مباشرة وتوقيف المدعى عليهم واخلاء سبيلهم، واختيار من تستنسب لانزال العقاب بهم،
لقد اقمنا الدنيا واقعدناها يوم تشريع قانون اصول المحاكمات الجزائية ايام الاحتلال عام ٢٠٠١ في زمن القاضي عدنان عضوم.
اليوم نترحم على القانون في زمن نحره على أيدي الجلادين الجدد،
نحن في زمن تفجير العاصمة بيروت…
بل في زمن طمس مجزرة العصر على ايدي سلطة تعمل على قتل شهداء بيروت مرة ثانية باسم القرارات الشرعية والقانونية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى