أبرز الأخبار

حرب باردة سعودية ـ حريرية

إنصرفَ تيّار “المستقبل” يُحصي الخيبات المردودة إلى إعلان رئيسه سعد الحريري الإعتكاف السياسي والإنتخابي. في هذا الوقت، يُنقل عن الحريري عزمه على إنجاز “قانون عقوبات” يُجرّم كل المنخرطين في الإستحقاق الإنتخابي عنوةً عنه.

يدخل تيّار “المستقبل” هذه الأيام في مستنقعٍ إنقسامي واضح، وينظر إلى استحقاق الخامس عشر من أيار المقبل، على أنه الخطّ البياني الذي سيكرّس الإنشقاق السياسي الأول من نوعه في تيّار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وينقسم إلى جماعة المرتدّين عن خطّ “التيار الازرق” وسعد الحريري، وهؤلاء يقترحون تسمية انفسهم بـ”أصدقاء أبو بهاء” ويحسبون أنفسهم على درجة قرب واضحة من الخطّ السعودي، وجماعة المنتسبين إلى سعد الحريري من الذين يشدّون على يده، وهؤلاء تحوّلوا إلى طرفٍ نقيض للخطّ السعودي.

من جهة أخرى، ثمة من بين الفرقة الثانية، من يُعاتب أولياء الحريري وظلاله في الساحة على خطوة الإعتكاف وترك البيئة فارغة، أو في حالة يُتمٍ سياسي، ممّا أدى إلى تشقّقات على درجة من الخطورة في الجسد، مما جعل كثراً يجدون فرصة في الإنقلاب أو يطمحون إلى وراثته. من بين هؤلاء أيتام السفير السعودي وليد البخاري، الباحث عن إدارة الملف السنّي بمعزل عن وجود سعد الحريري فيه، وبشكل يتجاوز حضوره بالكامل. إندفاعة السفير مؤخراً، وما يُنقل عنه من مواقف أو تحرّكات ذات طابع سياسي، أخذها العديد من رجالات تيّار “المستقبل” على كونها بمثابة التحدي لإرث آل الحريري، ومن الجدير ذكره أن هذا الجو وصل إلى سعد الحريري، الذي يُراقب عن كثب الأداء السعودي في الداخل اللبناني، وليس سراً أنه ممتعض، وعلى الأرجح ينظر إلى الحركة السعودية لدى عموم أهل السنّة بأنها معادية له، أو أنها تريد تقزيمه.
وكما باتَ معلوماً، يراهن سعد الحريري على خوض معركة دفع السنّة للإنكفاء عن الإستحقاق الإنتخابي وخفض نسبة المشاركة لديهم، للقول لاحقاً بأنه صاحب الأكثرية المطلقة على الساحة، وقد بدا للوهلة الأولى أن الحريري ينجح في تكريس رؤيته، قبل دخول العامل السعودي على الخطّ مؤخراً، والذي بدا صراحة أنه يعمل على عكس رؤية الحريري، أو كنقيضٍ لها، ويطمح إلى إبراز ضحالة الخطاب الحريري وغياب قدرته على إقناع بيئته بخياراته، مما دفع بمراقبين إلى حدّ القول أن السفير السعودي يريد دفع المشاركة السنّية في الإنتخابات قدماً لإنهاء مفاعيل عزوف الحريري وإظهاره ضعيفاً، لذلك، يعوّل على أدوار مرجعيات عديدة في تليين المشاركة السنّية وعلى رأس هؤلاء رجال الدين.

مختصر الحديث، تبدو السعودية منخرطة بكامل إرادتها من خلال السفير البخاري في اللعبة الإنتخابية اللبنانية. صحيح أن المملكة تُكثر عبر أوساطها من الغمز و الكلام حول عدم تدخّلها، غير أن الوقائع، سيّما تلك المتجمّعة لدى حلفائها التقليديين، يوحيان بإرادة ظاهرة لدى المملكة في تجميع السنّة لديها، وتوجيههم سياسياً. من هنا، أتى الحرص السعودي على لمّ مشايخ أهل السنّة وسياسييهم وشخصياتهم على إفطارات متعدّدة في منزل السفير، وهذه المسألة لا يمكن عزلها عن الأداء السعودي العام الذي يتمايز هذه الأيام في مجال تكوين كتلة سياسية نيابية لبنانية تحسب عليها بالكامل، وتكون خارج إطار أو تأثير الحريري وسواه، ممّا يعني أن أحد أهداف العودة السعودية إلى لبنان، كان الإستفادة من غياب الحريري في تحصيل كتلة برلمانية وازنة تتأثر بقرارها السياسي أو توجيهاتها، على أن تكون منضوية ضمن التركيبة التي تحلّ على رأسها “القوات اللبنانية”.

هذا الجو، ليس من المستغرب أن يبلغ مراتب قيادات الصف الأول في تيّار “المستقبل”، الذين جعلوا من كل ما يجري، مسار مواجهة عام لا بدّ أن يطال السياسة المعتمدة سعودياً، ولو أدى ذلك إلى الدخول في مواجهة سياسية مع المملكة في الميدان. وفي ظلّ هذه التناقضات، لا بدّ من الجزم بأن العلاقة بين الطرفين بمعناها السياسي، وصلت إلى أسوأ مرحلة ممكنة يُضاف إليها القطيعة التي يقول مستقبليون أن السعودية تسبّبت بها، مما أسهمَ في دفع الحريري نحو تعليق نشاطه من الحياة السياسية.

“ليبانون ديبايت” – وليد خوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى