أخبار محليةبأقلامهم

قراءة في “مشروع قانون يرمي الى إجراء بعض التعديلات على الدستور”

د. هشام الأعور – أكاديمي وكاتب سياسي

يعيش لبنان منذ ١٧ تشرين الأول 2019 أزمة دستورية غير مسبوقة لناحية تداعياتها على مستقبل النظام السياسي، وتهديدها حريات المواطنين وحقوقهم الاجتماعية، وقد ترافق ذلك مع عجز شبه كامل أصاب المؤسسات الدستورية التي فشلت في إيجاد حلول ديمقراطية تؤدي الى سد الفراغ الرئاسي والخروج من الأزمتين المالية والسياسية –واليوم العسكرية إذ بات لبنان في حالة حرب مفتوحة– عبر الاحتكام الى آليات دستورية واضحة، لا بل ساهم أحيانًا النص الدستوري نفسه في مفاقمة المناكفات السياسية المستمرة بين اركان السلطة الحاكمة.
لقد كشفت التجربة أن دستور ١٩٩٠ أسس على ثغرات وقِطَبٍ مخفية. مقصودة أم عن حسن نية؟ ألله أعلم، إنما لا شك تستوجب المعالجة السريعة.
ولأن الدستور ليس كتابا منزلا حتى لا يمسّ، وانما سنّه المشترع لتسهيل شؤون المواطنين لا لتعقيدها، ولتسيير عمل المؤسسات لا لتعطيلها، تنادت مجموعة من الاختصاصيين الرافضين لكم الأفواه وتقييد حرية السعي للتغيير، والأمل بالنجاح به، إلى طاولة حوار ونقاش علمي، موضوعي، من أجل وضع الحلول الجذرية لكارثة لبنان، الدولة والكيان.
وبما أن المَثَل يُعلّم بأن “آخر الدواء الكَي” تمت قناعتهم بضرورة التجرؤ على الدستور الذي تسبب بما بات لبنان عليه والعمل على تعديله على مستوًى عال من الاحترافية حتى يصار، عند الانتهاء، رفع ما أنجز من تعديلات، من خلال عَشرة نواب حاليين، كمشروع قانون دستوري لتعديل الدستور الساري المفعول نظريًا، والمعطل فعليًا، في ضوء ما كان مقصودا من اتفاق الطائف، مع عدم المساس بالمسلمات التي تفيد ولا تضر.
بعد سنة ونيف من الاجتماعات شبه الأسبوعية وتدارس الإمكانات، وخريطة طريق التغيير، توصلت المجموعة (واقبلوا عذرنا بالتكتم عن الأسماء حاليا)، بكل جدية، لإعداد مشروع القانون الدستوري الذي نتشرف بنقل مسوغات التعديل التي رافقته بانتظار صدور الكتاب الكامل للمشروع مع مطلع تشرين الثاني القادم:
– بعد توطئة تزيحُ بقوّةٍ تحت كافة الانهيارات الكبيرة التي أصابت النظام السياسي بشكل عام، وإعلان نوع من التمرد على الخنوع والقبول بالأمر الواقع في حين لدى لبنان قدرات علمية وفكرية حرة، كريمة، وقادرة على اختراق الجبهة المعطلة والواضعة للوطن في مهب الريح،
– وأمام أعين الأطفال والأمهات اللواتي بتن يجزعن على أولادهن لكثرة ما تشاهدن على الشاشات ما يحدث لمثيلاتهن في مدينة غزة المنكوبة …
– وانطلاقا من كل ما صارت إليه حالة لبنان، الأزمات الحادة غير المسبوقة التي حدثت فيه وله، إضافة إلى تحميله أكثر من مليون نازح سوري منذ 2013 وقد باتوا مليون ونصف، وبحكم دورات الزمن التي تدور حول أي نص جامد لمدة ثلاثين سنة فيدهسه التاريخ، كان لا بدّ من الإقدام على وضع الاصبع بالجرح، مع الثقة بأنه ما من أحد يرفض بالمطلق خشبة خلاص صنعت في لبنان وعن يد لبنانيين يمثلون المكوّنات اللبنانية على طوائفها. مع احترام تخوفات قوى الأمر الواقع كافة من أي تغيير يعتبر الاختصاصيون الواقفين خلف هذا الاقتراح بأن فيه، بالفعل، خلاص الوطن الفعلي والدائم، وبأنه غير قابل للرفض.
وبينما الجميع يحذر من المساس بما اتفق عليه في الطائف سنة 1990 ولا بالدستور الحالي الصادر عنه، على علاته، قررت مجموعة من الاختصاصيين أبت على نفسها الإهانة اللاحقة بعقل كل لبناني مدرك، ومدرك أنه مدرك، ويرى عقله محجما، ممنوع عليه قول الحقيقة عما يقرأه وما يراه وما يعانيه شعب وطنه منذ 1975، وقد وصل الكذب ومنافاة الحقيقة إلى العرش السماوي وما استحى الكاذبون على الشعب ولا المتحايلون للحفاظ على أمنهم الشخصي الذي يفرضه عليهم تاريخهم ومعرفتهم بمن هم معهم على طاولة الحكم نفسه. وهل يجوز أن يستمر الشعب يأكل من فتاة المتسلطين الذين هم أبعد الناس عن معرفة إدارة دولة ووطن؟ أما رأيناهم كيف يعطلون البلد في كل استحقاق حتى باتت سيادة لبنان مداسة لا يرفع قيمتها إلا الإخوة العرب بطريقة أو بأخرى. إلا أن هذه المرة، ولكثرة الكذب، واتباع طرق ملتوية لبناء كرامة مختلة، نفض كل الأصدقاء يدهم من دولتنا عملا بالمثل الشهير: ” ذاب الثلج وبان المرج” و”قبعوا شوككم بأيديكم”…
نعم، هذه المجموعة قررت أن تضحي باحتمال آلام وخز الشوك مهما قسى، والسير عكس أي فكر مناهض للمس بالطائف، لأن الشعب لم يستشار يوم تم اتفاق الطائف ولا أي اتفاق سبقه. ومن قال أن الميليشيات الرافعة السلاح في وجه الأكثرية الصامتة من الشعب المسالم تمثله بكذا اتفاقيات، حتى ولو تم انتخابها بما وصف بانتخابات شفافة. يا لهذه الشفافية المبنية على معادلات الكذب والاحتيال وشراء الضمائر. على ان قول الشاعر أبي القاسم الشابي لا يموت: “إذا الشعب يوما أراد الحياة…” فماذا لو قامت مجموعة من الحقوقيين والخبراء الاجتماعيين بما يريده الشعب لإنقاذ الوطن من التفتت والضياع.
والملفت أن ما تسعى إليه هذه المجموعة ليس أكثر من استكمال شروط اتفاق الطائف وسد الثغرات التي تمنع جريان الحكم من جريانه. مثلا:
1- انتخاب المجلس النيابي خارجا عن القيد الطائفي ما قد يفتح باب النقاش حول انتخاب رئيس للجمهورية أيضا خارجا عن قيد الطائفي مجمد بميثاق، على ان ينسحب الامر حينها على باقي المواقع، في حين يترك التنوّع الميثاقي بين مكونات الوطن لحرية أبناء البيت الواحد بحسب ما تفرضه الظروف، فالعيش المشترك المقصود في الدستور ليس عيشا صادما للديمقراطية إنما خطوة متقدمة فيها، لا يميز سياسي عن آخر إلا برنامج حزبه الواسع المتعدد الطوائف وعمق انتمائه إلى الدولة وأمانته للدستور وغيرته على الصالح العام،
2- إنشاء مجلس الشيوخ، وقد تم،
3- إعادة صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية بحسب أصول العلم وليس اعتباطيا،
4- استقلالية السلطات وتعاونها على أسس علمية وبخاصة استقلالية القضاء بموجب أدق معطيات الاستقلالية من دون الخروج على مرجعية الوزارة المختصة التي تربط القضاء بالديمقراطية وتحميه من الفساد كما يحمي هو أساسا الدولة من الفساد.
ان هذا المشروع لتعديل الدستور يشكّل دعوة صادقة إلى إرساء التوازن بين السلطات الدستوريّة كافة، ما ينسجم مع مبدأ فصل السلطات الذي يتكرّس فعليًا من خلال التعاون ما بين تلك السلطات، مع الحفاظ على استقلاليّة كل منها عن الأخرى. وهو السبيل المرتجى الهادف إلى تأمين حقوق الأفراد والجماعات ضمن بوتقة المصلحة الوطنيّة كي لا تبقى الدولة مهدّدة بالاهتزاز كيانًا ووجودًا وهويّة. كما أنه يأتي بشكل لا ينقض الدستور الحالي بل يعترف برمزيته ويكمله ويبني عليه من خلال تمسكه بالأعراف والمبادئ التي توافق عليها اللبنانيين، وإقرار قانون إنتخابي عصري واعتماد اللامركزية الإدارية وتأمين إستقلال السلطة القضائية واستحداث مجلس الشيوخ اللبناني بعد تجاوز الطائفية السياسية، كل ذلك من اجل مصلحة اللبنانيّين جميعًا ومصلحة الطوائف من دون استثناء والتي تقتضي وجود مرجعيات دستوريّة، لها من الصلاحيات ما يمكّنها من الحفاظ على انتظام أداء المؤسسات الدستوريّة في أثناء الشدة.
كما يلحظ مشروع التعديل أيضا تحفيزا لتمثيل العنصر النسائي في مختلف المناصب السياسية في الدولة،وتعزيز مفاهيم الحرية الشخصية وحرية الرأي وتخفيض سن الاقتراع لكي يلاقي سن الرشد المدني، كما ان الاعتراف البديهي للطوائف بأحقية الأحوال الشخصية والمصالح الدينية العائدة لها يجب ان لا يغفل حق السلطة التشريعية أيضا صاحبة الصلاحية السيادية والشاملة والأصيلة في هذا المضمار في تنظيم الأحوال الشخصية المدنية على الا يتعارض ذلك طبعا مع حرية المعتقد.

ولو توقفنا عند ما طرحه هذا المشروع من تعديل لبعض مواد الدستور ،لتأكد الأمر بأن التعديل الدستوري المطروح ليس مجرد مراجعة لنظام التقاسم والحصص، وفي هذا تعزيز لفكرة هذا التعديل الذي أقتضى إيجاد الآليات التي تسمح بالخروج من النظام السياسي ذي المؤسسات الضعيفة من خلال طرح مشروع قانون لتعديل الدستور اللبناني الذي يعتريه العديد من الثغرات التي تعيق انتظام عمل المؤسَّسات، إن من جهة تناقض بعض مواده وتضاربها، أو من جهة الغموض في بعض مواده الأخرى وما ترتِّبه من التباسات؛ الأمر الذي جعل من الدستور الحالي غير قادر على تلبية متطلِّبات توازنات العلاقة بين القوى السياسيَّة؛ ولقد وضعت الدساتير لتحترم، ولكن لتتغيَّر أيضاً، عندما يصبح النظام السياسي غير قادر على تلبية متطلِّبات التوازنات السياسيَّة

والمصالح الدينية العائدة لها يجب ان لا يغفل حق السلطة التشريعية أيضا صاحبة الصلاحية السيادية والشاملة والأصيلة في هذا المضمار في تنظيم الأحوال الشخصية المدنية على الا يتعارض ذلك طبعا مع حرية المعتقد.

ولو توقفنا عند ما طرحه هذا المشروع من تعديل لبعض مواد الدستور ،لتأكد الأمر بأن التعديل الدستوري المطروح ليس مجرد مراجعة لنظام التقاسم والحصص، وفي هذا تعزيز لفكرة هذا التعديل الذي أقتضى إيجاد الآليات التي تسمح بالخروج من النظام السياسي ذي المؤسسات الضعيفة من خلال طرح مشروع قانون لتعديل الدستور اللبناني الذي يعتريه العديد من الثغرات التي تعيق انتظام عمل المؤسَّسات، إن من جهة تناقض بعض مواده وتضاربها، أو من جهة الغموض في بعض مواده الأخرى وما ترتِّبه من التباسات؛ الأمر الذي جعل من الدستور الحالي غير قادر على تلبية متطلِّبات توازنات العلاقة بين القوى السياسيَّة؛ ولقد وضعت الدساتير لتحترم، ولكن لتتغيَّر أيضاً، عندما يصبح النظام السياسي غير قادر على تلبية متطلِّبات التوازنات السياسيَّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com