أخبار محلية

خسائر مصرف لبنان راهناً 71 مليار دولار… والآتي أعظم!

منير يونس – “نداء الوطن”

تعنونت الورقة التي اعدّها فريق التفاوض الحكومي مع صندوق النقد الدولي، الذي يضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بـ”اعادة ترميم القطاع المالي”، لتوحي بأن الفجوة أو الخسائر بالدولار هي لهذا القطاع عموماً، وبالتالي المودعين بالدولار مع اقتراح رَدّ معظمها بالليرة. حقيقة الأمر خلاف ذلك تماماً استناداً الى الأرقام الواردة في الورقة نفسها. فالخسائر تعود حصراً لمصرف لبنان وتبلغ 69 مليار دولار كما في أيلول 2021. ويفترض راهناً أنها 71 ملياراً بفعل التناقص اليومي للعملات الأجنبية من “الاحتياطي” لزوم الدعم الباقي واحتياجات منصة صيرفة عند الضرورة.

إعترف سلامة، بالورقة والقلم، بأن لديه خسائر بالدولار، بعدما كان أنكر تراكمها المخيف طيلة أكثر من عقدين من الزمن.

بدأ الشك عندما حجبت الأرقام الحقيقية

أصل الفقاعة، أو الخسائر المخفية، التي انفجرت بوجه اللبنانيّين يمكن تتبع أثر تكونها منذ مؤتمر باريس 1 في 2001، بعدما بدأت تظهر في ميزانيته تحت بند “موجودات أخرى”. وما توقف مصرف لبنان عن نشر بيانات الارباح والخسائر منذ ما قبل 2002، الّا الدليل القاطع على إخفاء ما لا يجب اخفاؤه.

الإخفاء اعتمد على “فتوى” ملويّة العنق تغلّفت بمادة في قانون النقد والتسليف تنص على دور مصرف لبنان بالحفاظ على الاستقرار النقدي. فاذا بنتيجة “الاستقرار” المزعوم انهيار محتوم!

هستيريا شفط الدولارات من الدولة والمصارف

لزوم التثبيت اعتباراً من 1997 كان مصرف لبنان يكون احتياطي عملات باستحواذه على دولارات آتية من ودائع وقروض أجنبية، اضافة الى حصيلة اكتتابات سندات الدين بالعملات (يوروبوندز) يمنح الدولة مقابلها ليرات او يقايضها بسندات دين عام بالليرة، ثم يبيع اليوروبوندز في الأسواق وللمصارف بمغريات وتسهيلات ترغيباً، وربما بالسلطة وممارسة التسلط الرقابي عليها ترهيباً بعدما جمع في يديه سلطات الاشراف والتنظيم والرقابة والمساءلة والتحقيق، فتحولت البنوك إلى أداة بين يديه. ومن كان مدير العمليات في البنك المركزي طيلة معظم تلك الفترة هو يوسف خليل وزير المالية الحالي!

بالاضافة الى ذلك كان يشفط الدولارات الأخرى من المصارف (وهي في معظمها ودائع للعملاء) بفوائد عالية وبتعاميم وآليات متنوعة، متتالية منذ التسعينيات، جعلت البنوك أسيرَته وإلّا.. وإلّا تفلس أو تخرج من السوق.. أو اللعبة! فتحولت تدريجياً المصارف التجارية الى بنوك استثمارية بفعل أكثر من 70% من توظيفاتها في سندات وشهادات ايداع، وفرطت بأبسط معايير الحصافة وادارة المخاطر على عدة مستويات أبرزها الانكشاف على عميل واحد بنسب مرتفعة جداً قل نظيرها مقارنة بكل بنوك العالم.

وانطلقت السياسة النقديّة “البونزيّة” للبنك المركزي، والتي لا علاقة مباشرة لها بدين الدولة بالدولار. فتلك الديون بالعملات الأجنبية تبلغ قيمتها الاسمية اليوم مع فوائدها المتراكمة، نَحو 39 مليار دولار. وليس لمصرف لبنان قروض بالدولار في ذمة الدَولَة (المُفتَرَض إن وُجِدَت، أن تسجّل في ميزانيته “ديون على القطاع العام”) إلا سندات يوروبوندز قيمتها الاسميّة حاليّاً نحو 5 مليارات دولار فقط لا غير.

ترويج سردية لا أساس لها من الصحة

سرت حكاية طويلة عن مسؤولية الدولة فيها الكثير من التضليل والمراهنات الخطرة والرهانات الخطأ والعبث النقدي والمصرفي والهندسات المالية، لكن التوصيف الأدق هو “المخطط الهرمي الاحتيالي (بوزنري سكيم) كما قال رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون وأيده في التوصيف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

أما كيف تراكمت تلك الخسائر، فالأمر تفاقم مع السعي الغريب للحاكم وهَوسه الدائم لتكوين احتياطي عملات كبير في سياسة متعمدة لشفط الدولارات اليه بلعبة الفوائد وبتعاميم تحدّ من التوظيفات المصرفية في الخارج. كان يغري المصارف منذ ما قبل 2002 عندما اخترع “الجونيور والسِنيور نوتس” ومن ثمَّ عمليّات “السواب” وتأجيل الاستحقاقات لمدد أطول وفوائد أعلى. وبعد ذلك ابتدع الهندسات المالية الشهيرة. واستمر في اساليبه تلك لغاية عشية انفجار الأزمة في تشرين الأول 2019، وبفوائد وعوائد لا يمكن أن تحلم بها المصارف في الخارج. وبما ان من حضر السوق باع واشترى، تأسست “فوري” في 2002 وهي الشركة الوسيطة المسجلة أو المتصلة باسم رجا سلامة اخو رياض سلامة التي راحت تأخذ لمصلحتها عمولات تسويق اوراق مالية لبنانية وشهادات ايداع في البنك المركزي. فجمعت من تلك العمولات 326 مليون دولار، رغم ان معظم المصارف وكبار المصرفيّين لم يعرفوا باسم ذلك الوسيط الا بعدما انفجرت فضيحته في حسابات سويسرية اوائل العام الماضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى