أبرز الأخبار

انتحار جماعي في الجنوب اللبناني

على “حزب الله” أن يعترف بأنّه يواجه كارثة في الحرب التي فتحها ضد إسرائيل، في الثامن من تشرين الأوّل الماضي.

عدد شهداء “المقاومة الإسلامية في لبنان” الذين يتساقطون، وهم في منازلهم، فاق التصوّر، ويكاد يوازي عدد قتلى الجيش الإسرائيلي الذي يخوض هجومًا بريًّا معقدًا في قطاع غزة، حيث القتال من مسافة صفر في كثير من الأحيان، وحيث المواجهة مع أنفاق ومقاتلين لا يهابون الموت بل ينشدونه!

أن يسقط هذا العدد من الشهداء ل”المقاومة الإسلامية في لبنان”، ناهيك عن المدنيين و”الحلفاء”، بظروف قتاليّة مماثلة لما يحصل على الجبهة الجنوبية، يعني أنّ هناك خللًا كبيرًا لا بد من التصدي له.

قبل مدة حاول الأمين العام ل”حزب الله” أن يُلقي المسؤوليّة على الهاتف الخلوي. منطق الأمور يفترض بأنّ المقاتلين الذين يأتمرون به قد أخذوا علمًا بهذا الخطر التقني وأبعدوا أنفسهم عنه، ولكن حصلت المفاجأة، فوتيرة تساقط شهداء “المقاومة الإسلامية في لبنان” بدل أن تنخفض إرتفعت، ونسبة معرفة المخابرات الإسرائيلية بأماكن لجوء المقاتلين بدل أن تنخفض تضاعفت.

وهذا يعني أنّ هناك خللًا كبيرًا تعاني منه منظومة “المقاومة الإسلاميّة في لبنان” ولا بدّ، في حال كانت عاجزة عن إيجاد حل له، أن تُسارع الى إعلان وقف الحرب الحدوديّة، مستفيدة من آموس هوكشتاين الذي لا تحبّه “إسرائيل الحاليّة”، فالبلدات الجنوبية تكاد تفرغ من شبابها!

لا أحد يستطيع أن يقول لأيّ تنظيم سياسي- عسكري- عقائدي إنّ التضحيات منبوذة ولكن الجميع يستطيعون أن يقولوا له إنّ التضحيات التي تُبذل على قاعدة “المكابرة” تصبح نوعًا من الإنتحار.

و”المقاومة الإسلامية في لبنان” التي اعتقدت بأنّ إبعاد مقاتليها عن النقاط الحدوديّة ونقلهم من منازل الى أخرى ومن بلدة إلى أخرى، يمكن أن تحميهم إكتشفت أنّها موهومة.

إنّ الإستمرار في فتح جبهة الجنوب لم يعد مجديًا. هذا إذا سلّمنا جدلًا بأنّه كان له جدوى من الأساس.

إنّ مصير غزة لم يعد مرتبطًا بأيّ جبهة غير الجبهات الداخلية الفلسطينية، و”حماس” لم تعد موهومة بتحقيق أيّ انتصار ميداني.

وإسرائيل انتقلت من دولة خائفة من الحرب على جبهات عدة، إلى دولة تخطط لتوسّع الحرب المفتوحة عليها من حبهات أخرى، بحيث تحوّل إرادة “إشغالها” الى مناسبة لإضعاف أعدائها.

وعلى الرغم من أنّها لم توسّع حربها على لبنان بعد، فإسرائيل تستفيد من مرحلة الإنتظار لإلحاق أكبر ضرر ببيئة “حزب الله” الحدودية، سواء على مستوى التدمير أو على مستوى التهجير او على مستوى القتل.

وليس هناك لا في لبنان ولا في العالم من يكترث فعلًا بما تقوم به إسرائيل. في الداخل اللبناني جميع الذين لا يكافحون من أجل لقمة عيشهم وحبة دوائهم وسرير مريضهم وفيزة الهجرة، يتزلّجون في كفردبيان، واهتمامهم بمعركة ياسمينا زيتون للتربّع على عرش الجمال في العالم أهم من كل ما يتسبب به “حزب الله” في الجنوب. وفي العالم، لا أحد يقرأ ما يحصل على الجبهة اللبنانيّة- الإسرائيلية. العيون شاخصة على المأساة الإنسانية في غزة وعلى التجارة الدولية في البحر الأحمر. وفي الإعلام العالمي يكاد يغيب ذكر الجبهة الجنوبية، في حين لا ينشغل الإعلام المحلّي إلّا بما تلحقه إسرائيل من أضرار. وحده “حزب الله” يحاول أن يصنع من تكرار قصف المواقع العسكرية نفسها، والتي باتت أسماؤها أشهر من نار على علم، حدثّا عظيمًا!

إنّ مصير غزّة لم يعد له علاقة بأي جبهة أخرى، بل بات مرتبطًا بالرأي العام ومدى تأثيره على صنّاع القرار في العالم. الرأي العام الأميركي وحده أحدث صدعًا بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية. كل تضحيات “المقاومة الإسلامية في لبنان” لم تحرّك أحدًا في العالم. وحدهم أطفال ونساء غزّة يهزون العروش، وعليهم تستند “حماس” علّها توفق بوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها الإلغائية المعلنة.

ما تثابر “المقاومة الإسلامية في لبنان” على القيام به على الجبهة الجنوبية لا قيمة له بمقايس غزة، ولا أفق له بمقياس لبنان. بات، بالفعل، نوعًا من أنواع الإنتحار لإعطاء إسرائيل فرصة للتباهي بتفوّقها المخابراتي والعملاتي، وتعيمم الرعب على كل لبنان وتضخيم الأسئلة عن المخاطر التي يجذبها “حزب الله” على بيئته المضطرة على احتضانه وعلى “بلاد الأرز” الساقطة تحت همينته!

 

فارس خشان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى