أبرز الأخبار

“المستقبل” يكسر “اعتكافه”… أبعاد “انتخابية” لمواجهة عون-سلامة؟!

جاء في موقع النشرة :

لم يتأخّر تيار “المستقبل” في كسر “اعتكافه المُعلَن”، إذ لم يمرّ شهر على إعلان رئيسه سعد الحريري “تعليق” مشاركته في العمل السياسي، ولم تمرّ أيام على إصداره تعميمًا “يمنع” أعضاءه من خوض الاستحقاق الانتخابي، ويشترط الاستقالة قبل ذلك على الراغبين، حتى وجد “التيار الأزرق” نفسه في قلب الصراع والسجالات، ومن البوابة العريضة.

في الظاهر، يبدو أنّ المدّعي العام في جبل لبنان القاضي غادة عون هي التي “استفزّت” تيار “المستقبل” ودعته إلى العودة عن “انكفائه”، ولو بشكل مؤقت، بعدما اختارت المضيّ في “مواجهتها” القضائية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذهاب بعيدًا في ذلك من خلال الادّعاء على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.

اتهمت القاضية عون اللواء عثمان بـ”التمرد وعرقلة التحقيق”، من خلال “إعاقة تنفيذ قرارات قضائية”، لكنّ الأمر لم يمرّ بهدوء على ما يبدو، حيث جاء ردّ تيار “المستقبل” فاقعًا، حيث صوّب على رئيس الجمهورية ميشال عون بصورة مباشرة، باعتبار أنّ القاضية غادة عون تتحرّك بـ”أوامر مباشرة”، الأمر الذي نفاه مكتب الإعلام في الرئاسة.

فهل كان الأمر يستحقّ تراجع “المستقبل” عن اعتكافه، والخوض في سجال مباشر مع فريق “العهد” ورئيس الجمهورية؟ وما الذي يخشاه تحديدًا؟ وما هي دوافع “العهد” من رفع سقف المواجهة في هذا التوقيت بالتحديد؟ وأيّ علاقة لذلك بالانتخابات النيابية المنتظرة في غضون أقلّ من ثلاثة أشهر، إذا لم يطرأ طارئ قبل ذلك؟!.

في المبدأ، يستغرب “التيار الوطني الحر” المعركة التي يقول إنّ تيار “المستقبل” افتعلها مع “العهد” على خلفية قرارات قضائية لا شأن له بها، وإن كان يتلقّفها بكلّ إيجابية، ويستند إليها في حراك سياسي موازٍ يقوم به، تحت عنوان “الإطاحة” بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعدما ثبُت، في القاموس “العونيّ”، أنّ إدارته للقطاع المصرفيّ لم تكن “سليمة”.

أكثر من ذلك، لا يفهم “التيار” كيف أنّ حزبًا سياسيًا يعلّق مشاركته في الشأن السياسي، ويحجم عن خوض الانتخابات، يسارع إلى إصدار البيانات المتلاحقة، على خلفية قرارات قضائية، قافزًا فوق مبدأ “استقلالية” القضاء، وموجّهًا اتهامات ترقى لحدّ “خيانة الأمانة” إلى قاضية مرموقة، محوّلاً إياها إلى “تابعة” لمسؤول سياسي، ولو كان بحجم رئيس الجمهورية.

صحيح أنّ القاضية غادة عون “محسوبة” على الرئيس ميشال عون، وصحيح أنّ “العونيّين” يؤيّدون المسار الذي تنتهجه في عملها القضائي، لكنّ الصحيح أيضًا وفق ما يقول المقرّبون من “التيار”، إنّه لا يسمح لنفسه بالتدخّل بالشأن القضائي، وهو لا يطبّق على نفسه في أيّ قضية، مهما كانت أساسيّة، الممارسات التي يرفضها من الآخرين، في قضية انفجار المرفأ مثلاً.

لا تقف المسألة عند هذه الحدود، بالنسبة إلى “الوطني الحر”، فإذا كان يستطيع “هضم” فكرة أنّ ثمّة قوى سياسيّة، قد يكون “المستقبل” بينها، تصرّ على “حماية” سلامة وغيره ممّن يُعتبَرون “رجالها”، فإنّه لا يبدو قادرًا على “استيعاب” أنّ هناك مِن الناس مَن “يلومه” على المعركة التي يخوضها ضدّ سلامة، ويحمّله مسؤوليّة كلّ الأزمات المتفاقمة دفعة واحدة.

يعتبر المحسوبون على “التيار” أنّ مثل هذه المواجهة التي يخوضها “العونيّين” كان ينبغي أن تكون “باسم كل الشعب”، لأنّ الخسائر التي نجمت عن طريقة إدارة القطاع المصرفي دفع ثمنها جميع اللبنانيين، وبينهم من “تدهورت وانقلبت” أحوالهم بسبب الأزمة المالية، حين احتُجِزت ودائعهم، ومُنِعوا من صرف “جنى العمر”، أو حصلوا عليه بأبخس الأثمان.

لكنّ هذه المقاربة تبدو “تبسيطية” بالنسبة إلى خصوم “التيار”، الذين يعتبرون أنّ محاولة تصوير المعركة وكأنّها في سياق “الدفاع عن المودعين”، غير مقنعة ولا مجدية، خصوصًا أنّ مثل هذه المواجهة تبدو في ظلّ الظروف الحالية “بلا أفق”، والبلاد على موعد مع انتخابات نيابية خلال أقلّ من ثلاثة أشهر، وإن كانت محاولات “تطييرها” لا تزال قائمة.

يشير هؤلاء إلى أنّ “التيار” لو كان مُحِقّاً وصادقًا في العناوين التي يطرحها، لخاض هذه المواجهة في الوقت المناسب، وتحديدًا في مستهلّ “العهد”، بدل أن يسهم في “التجديد” لحاكم المصرف، من دون إبداء أيّ “تحفّظ”، ما يفرغ المبرّرات التي يسوقها اليوم عن كونه “أقلية” لا “صاحب القرار” داخل مجلس الوزراء، من أيّ مضمون، إن وُجِد.

باختصار، إنّها الانتخابات التي تتحكّم بكلّ المسار الذي ينتهجه “التيار”، برأي الخصوم، الذين يعتبرون أنّ “العهد” يبحث عن “انتصار ما” يستند إليه في حملته الانتخابية، وقد تكون المواجهة مع حاكم مصرف لبنان جذابة ومغرية في هذا الإطار، لكونه تضرب على “الوتر الحساس” للكثير من اللبنانيين الذين يتشاركون “مصيبة” فقدان الودائع نفسها.

لكن، أبعد من “البروباغندا الانتخابية”، لا يُتوقَّع أن تفضي المواجهة القضائية والسياسية مع سلامة إلى مكان، وفق ما يقول خصوم “التيار” إنّ الأخير يدركه تمامًا، علمًا أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سبق أن فرض “فيتو” على أيّ محاولة لتغييره، حين قال إنّه لا يجوز تغيير “الضباط” في أوج المعركة، وبالتالي في خضمّ المفاوضات مع صندوق النقد.

أكثر من ذلك، يقول العارفون إنّ أحدًا من مكوّنات مجلس الوزراء قد لا يقف إلى جانب “العهد” في مشروعه، علمًا أنّ شروط “الثنائي الشيعي” للعودة إلى حضور جلسات الحكومة كانت واضحة، وفيها “فيتو” مُعلَن بصورة غير مباشرة على أيّ تعيينات يمكن أن يفكّر بها أيّ طرف في الوقت الحالي، فكيف إذا كانت بحساسيّة موقع حاكمية مصرف لبنان.

في النتيجة، خرج تيار “المستقبل” عن اعتكافه، ومضى “التيار الوطني الحر” في مواجهته، لكنّ شيئًا لم ولن يتغيّر على الأرجح قبل الانتخابات. يجزم كثيرون أنّ المسألة لا تخرج عن إطار “البروباغندا الانتخابية”، بروباغندا قد تزيد حدّتها، متى تيقّن الجميع من أنّ الانتخابات ستحصل فعلاً في موعدها، وعندها ستصبح كلّ “الأسلحة” مشرّعة!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى